العنونة بآي القرآن، عجز أم إبداع؟ بقلم حسن الباعقيلي

أثار انتباهي حين كنت أتجول في أروقة مكتبة المدينة، وفي الجناح المخصص للرواية عناوين بعض الروايات التي كانت مركونة هناك على الرفوف. إذ كانت بعض تلك العناوين أجزاء من آيات القرآن وأحيانا كلمة واحدة فقط. ومن بين الروائيين الذين أكثروا في عنوة أعمالهم الروائية بآيات القرآن كان الروائي الأردني “أيمن لعتوم”. حيث كانت العديد من رواياته موسومة بجمل قرآنية. من ذلك مثلا: “يسمعون حسيسها” ـ نفر من الجن” ـ ” يا صاحبي السجن” ـ ” تسعة عشر”.
وكان السؤال الذي تبادر إلى ذهني ساعتها وأنا واقف أتأمل تلك العناوين، هو “هل عجز هؤلاء الروائيون عن ابداع عناوين لرواياتهم من عند أنفسهم؟ أم أنه سحر القرآن الذي أخذ بكل لبهم وأغلق دونهم أبواب الإلهام وأعجزهم حتى أوقفهم عند حدود تعابيره يجنونها ثمرة جاهزة ويلصقونها على أغلفة كتبهم بارزةً ظاهرة؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون “موضة” أدبية في ابتداع العناوين يلجأ إليها بعض المبدعين ليبدعوا أكثر؟ وقد يكون الأمر عائدا إلى أشياء أخرى غابت عني. غير أنه إذا كان قصدهم من ذلك هو تأكيد الاطلاع والتأثر وعمق التذوق وسلامة الاختيار والحساسية الفنية المرهفة فهذه من الأساسيات التي يجب توفرها في الذين يحملون القلم وليس ميزة للتباهي أو لا داع للتفاخر ولا تحتاج إلى شهادة اثبات.
ثم خطر لي، وأنا ما أزال واقفا أتأمل، خاطرا شيطانيا يهجس في أذني ويقول: “إذا كان هؤلاء الروائيون يعجزون عن وسم ما أبدعوه بوسم من عندهم، أفلا يكون هذا دأبهم مع كل الذي في بطن رواياتهم، بحيث كلما عثروا أو عجزوا حطبوا؟”
غير أن هذا الخاطر الشيطاني سرعان ما خسف حين تذكرت أن وضع عنوان الكتاب ليس بالأمر البسيط كما قد يبدو. وقد يتطلب جهدا يعادل الجهد الذي يبدله الروائي في كتابة روايته. خاصة إذا استحضرنا الوظائف التي يضطلع بها العنوان والغاية التي يرجوها صاحب الرواية منه، والرهان الذي يضعه ناشر الرواية عليه. فليس العنوان مجرد عبارة أو كلمة توضع على غلاف الكتاب يعرف به ويميز به عن غيره من الكتب.
ويذكر ربيع السملالي في كتابه “زاد الأديب” شيئا من هذا حين يقول: “لا شيء يتعب الكاتب والأديب كاختيار العنوان الذي يدل على مضمون كتابه، ومحتوى تأليفه، وبنات أفكاره، فتجد الواحد منهم يكتب عشرات الصفحات في اليوم والليلة باستمرار وبكل سهولة، ولكنه إذا انتهى من عمله، وقام تعبه على ساقه، وجدته يقف حائرا في اختيار اسم الكتاب كما وقف حمار الشيخ في العقبة قديما”
وحدث الشيء نفسه معي في روايتي الأولى “عبلة لم تمت” حيث كنت أصر إصرارا غريبا أن تكون لفظة الممرض حاضرة بارزة في عنوانها. وقد تعبت من أجل ذلك تعبا شديدا، وترددت بين عناوين كثيرة إلى أن أراحني صديقي الشاعر والروائي النجم أماضون حين قرأ مسودة الوراية واقترح علي أن أجعل عنوانها “عبلة لم تمت”، والذي كان عنوان فصل من فصولها.
وليس كل الروائيين يجدون صعوبة في العثور على عناوين رواياتهم. فها هو الأديب الطبيب السوداني أمير تاج السر يخبرنا أنه لم يكن يجد حرجا في اختيار عناوين رواياته لأنها كانت تولد مع الكتابة، ويجدها مصاغة ساعة أن ينتهي منها ومن دون أي تفكير. فهو يسلم أمر عنوان الرواية للرواية نفسها ويثق في أنها “تستطيع أن تأتي بعنوانها.” وقريب من هذا ما حدث مع الروائي عبد الرحمن منيف حين عثر على عنوان روايته الخماسية “مدن الملح” أثناء كان في زيارة لسوق من أسواق صنعاء يسمى “سوق الملح”. وكانت صنعاء واحدة من تلك المدن الملحية التي تناولتها الرواية.
وبين إدراك الصعوبة التي يجدها بعض الكتاب في عنونة كتبهم وانتفائها عند بعضهم ظل ذاك الخاطر الشيطاني يعادوني مرة بعد مرة ويلح علي الحاحا عجيبا راجيا أن يكون له عندي حظ من الاعتبار قانعا راضيا بالقليل أو حتى أقل من القليل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق