قبسات من الكمال الخلقي في بيت النبوة . بقلم : المستشار الأسري عبد الفتاح هدارين              

ان الدارس للسيرة النبوية بشكل عام ، والباحث في مفاصل الحياة الزوجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيجدها تطبيقا فعليا لقوله تعالى : ” وعاشروهن بالمعروف ” 1 النساء .

بل أكثر من ذلك نجده صلى الله عليه وسلم ، جعل التعامل الجيد مع الأهل ، مقياسا وعلامة على الخيرية المطلقة في المجتمع : “خيركم خيركم  لأهله  وأنا خيركم لأهلي “2 . ومفردات الخيرية ومظاهرها نجدها مبثوثة في بيت النبوة ، تشمل جوانب متعددة ، جعلت من صفوة الخلق النموذج الأكمل في المعاشرة الزوجية .

أولا : كان ألين الناس بساما ضحاكا

فعن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها سئلت كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خلا في بيته ؟ قالت ” كان ألين الناس بساما ضحاكا لم ير مادا رجليه بين أصحابه قط وذلك لعظم أدبه وكمال وقاره “3

وقال فيه سعد بن وقاص رضي الله عنه ” كان رسول الله كريم العشرة مع زوجاته وسائر أهله يلاطفهن ويمازحهن ويعاملهن بالود والاحسان “4

فالمؤمن لن ينال شرف الخيرية ، ولن يتقلد وسام الأفضلية الا اذا أتقن التعامل مع أهله .

ثانيا : تعالي حتى أسابقك

كان تعامله صلى الله عليه وسلم مع أهله في الجانب الترفيهي مظهرا آخر من مظاهر الخيرية التي يتصف بها ، فبالترفيه  ترتاح النفوس ويذهب عنها السآمة والملل ، ويضخ في الحياة الزوجية معاني متجددة نسقي بها زهرة الحب حتى لا تذبل .  

فعن عائشة رضي الله عنها قالت “خرجت مع النبي  صلى الله عليه وسلم  في بعض أسفاره وأنا جارية –أي صغيرة لم أحمل اللحم ولم أبدن- فقال للناس تقدموا ، ثم قال لي تعالي حتى أسابقك ، فسابقته فسكت عني حتى  اذا حملت اللحم ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال : للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني –فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك “5

ثالثا :  كنت لك كأبي زرع لأم زرع

حديث أم  زرع ،صور ة واقعية عن حياة الرسول صلى الله عليه وهو في بيته ، وهي قصة طويلة من واقع الحياة الجاهلية عن نساء كثر تحدثن عن أزواجهن حديثا واقعيا ، روتها أمنا عائشة للرسول صلى الله عليه وسلم .

لكن ما يهمنا في هذه القصة وما يستفاد منها ، هو الاهتمام البالغ  لرسول صلى الله عليه وسلم برأي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وحسن الانصات والاصغاء لها الى نهاية الحديث .هذا الاهتمام والتقدير  والاحترام للأزواج هو ما نفتقده اليوم  ، فبهما تتولد المحبة والمودة والسكينة بين الطرفين .

لابد أن تكون للمؤمن أوقات خاصة يجلس الى زوجه يستمع ، ينصت ، يصغي الى همومها واحتياجاتها ومشاكلها ، يستقصي أخبار اخوانها وأخوتها ، يسأل عن أحوال أبويها . وهذا كله من هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .

ليس اعتباطيا أن تختم أمنا عائشة رضي الله عنها كلامها بالعلاقة الحميمية التي تجمع أم زرع مع أبي زرع ، ولكن في القصة رسائل حب أرسلتها بالإيحاء فالتقطها خير البرية صلى الله عليه وسلم معبرا لها بتعبير راق، طبب به نفسها ، وأشبع عاطفتها ” كنت لك كأبي زرع لأم زرع الا أنه طلقها ولا أطلقك “

الاشباع العاطفي في العلاقة الزوجية يقتضي  من الرجل أن يتعلم ويتقن لغة الحب ويعبر عنها ،كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ويتطلب من  الزوجة أن تكون مرحة وتسوق لنفسها في كل ركن من أركان البيت كما كانت أمنا عائشة رضي الله عنها .

“الزواج الاسلامي السعيد ما كانت علاقة القوة فيه أخفى وما كانت المودة وروح الدعابة والكلمة الطيبة اللطيفة فيه أفشى “6

رابعا : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته

عن الأسود رضي الله عنه  قال: “سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت : كان يكون في مهنة أهله فاذا حضرت الصلاة خرج الى الصلاة “7

وعن عروة رضي الله عنه قال : قلت لعائشة ما كان  رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم “8.

جيل البيوت المطمئنة  لا ينبغي ان يجعل من غاية  وجود المرأة ، هو الطبخ والاطعام ، والتنظيف والفراش والسعي لخدمة الزوج ليل نهار . بل علينا أن نفهم أن وضع اليد في  شؤون البيت بنية المواساة والمساعدة خلق عظيم يرفع من قيمة المؤمن .

“لا يتم السكون والمودة والرحمة في البيت اذا كان وقت المرأة لا يحترم  واذا كانت المشقات والخدمة في البيت لا يتعاون على حملها الرجل والمرأة “9

 

خامسا : اني رزقت حبها

 عن عائشة رضي الله عنها قالت “ما غرت على أحد من  نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت  على خديجة وما رأيتها  ، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها  وكان رسول الله عليه وسلم اذا ذبح الشاة فيقول ارسلوا بها الى أصدقاء خديجة قالت : فأغضبته يوما فقلت خديجة؟ فقال رسول الله عليه وسلم اني رزقت حبها “10

قمة الوفاء وحسن العهد وحفظ الود واكرام اهل ذلك الصاحب ، لم ينسى رسول الله فضلها .  

 خاتمة :

هذه الاشارات وهذا  الجانب من الكمال الخلقي لصفوة الخلق صلى الله عليه وسلم في تعامله  مع أزواجه ،يحتاج منا فهما عميقا نؤسس عليه منهجا نبويا متكاملا للمعاشرة الزوجية عند ه صلى الله عليه وسلم نقدمه للناس بلغة العصر ، وبصورة الواقع بعيدا كل البعد عن الفقه المنحبس الذي حجبنا قرونا عن الاقتباس من مشكاة النبوة ، ويكون لنا حصنا حصينا من الافكار الوافدة التي تحاول تفكيك بنية الأسرة المسلمة .

 

بقلم : المستشار الأسري عبد الفتاح هدارين     


الهوامش :

1 سورة النساء

2 صحيح مسلم

3 رواه النسائي

4 رواه الامام أحمد

5 صحيح البخاري

6 تنوير المومنات

7 صحيح البخاري

8صحيح البخاري

9 تنوير المومنات

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الحقيقة أننا نعيش وسط جهل يفرض علينا الجهاد ثم الجهاد حتى نستطيع أن نرقى إلى هدا الخلق العظيم وحتى نصل إلى السعادة الدنيوية والخارجية جزاك الله عنى بكل خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق