هل مات الحكيم؟ بقلم : حسن باعقيلي

كنت أسابق الزمن وأنا أبحث عن رواية عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم. فقد كنت أخشى أن تنقضي أيام شهر غشت، وينقضي معها زمن التحدي الشهري. ويفوتني بذلك فضل كثير. فقد دأب رواد مجموعة “التحدي القرائي الشهري” اختيار رواية لكل شهر يتنافسون في قراءتها وابداء الرأي بشأنها.

أذكر أنني قرأت رواية العصفور في أيام مضت. ولكن الرغبة في اعادة قراءتها في سياق تحد وتنافس ومشاركة وتقاسم مع جمع من القراء الجادين يزيد عددهم عن الألف بقليل، تضيف إلى متعة القراءة معانجليلة، ذات أبعاد وظلال.

وحين حللت بمدينة أولاد تايمة رحت أبحث عن الرواية في مكتباتها. فحصلت بدلا منها على ابتسامات عديدة. يختلف معنى كل واحدة منها باختلاف طريقة الكُتبي في رسمها على محياه. فتارة تنم عن اعتذار عميق. وتارة عن تساؤل غريب. وتارة أخرى عن استغراب قبيح.

ولم يختلف الأمر كثيرا في مكتبة من مكتبات مدينة “أكادير يمكن وصفها بالعامرة. فقد أضاف الكُتبي إلى ابتسامات أولاد تايمة سخرية ظاهرة. غير أنه سرعان ما مسح ابتسامته الساخرة وانحنى على حاسوبه يعالجه ليستخرج لي منه تاريخ اليوم الذي غادرت فيه آخر نسخة من رواية “عصفور من الشرق” مكتبته العامرة. بدى لي ذلك التاريخ بعيدا وسحيقا. وبدوت أمامه وكأنني واحد من أهل الكهف استفاق فجأة يسأل الناس شيئا كان ولم يعد.

حز في نفسي ألا اضفر بضالتي وانفجرت في رأسي أسئلة شتى. محتها كلها المشاغل التي كنت منهمكا فيها إلا ثلاثة. ظلت تكبر وتكبر حتى انطلقت من فمي تتردد: هل مات الحكيم حقا؟ وهل كان محمود درويش بعيدا عن الجادة حين غرد صائحا:

“هزمتك يا موت الفنون جميعها”

وهل كان محمد مهدي الجواهري يغالط نفسه وأطفاله وهو ينشد لها ولهم:

تحلّب أقوام ضروع المنافع  ورحت بوسق من أديب وبارع

وعللت أطفالي بشر تعلة    خلود أبيهم في بطون المجامع

ليس توفيق الحكيم كاتبا نكرة، ولا أديبا مهملا حتى يتعب أحدنا في البحث عن كتاب من كتبه، ثم لا يجده. فهو حالة فريدة في أدباء القرن العشرين المميزين تنوعا وانتاجا وعمقا. فلم يتوقف مند أن وهب نفسه إلى شياطين الفن والأدب وتفجرت ينابيعها فياضة يغزل الكتب والمقالاتوالحوارات والمسرحيات على مدى عقود كثيرة. وهي الآن ولا شك منارات يستهدي بها المتأدبون في ماهية الفن وأصوله، والأدب وفنونه، والكتابة وأسرارها. بل إنها لتفرض على كل جاد منهم أن يكون له معها جلسات وخلوات وتأملات ونظرات.

ولست هنا أحاول التعريف بالحكيم وبأعماله فقد قام بذلك كثيرون من رفقائه الذين عاصروه، وتلامذته الذين نهلوا من ينابيع آثاره، وقرائه الذين جاءوا من بعده. إنما غايتي التي أسعى إليها هي أن أُذكّر أن من حق توفيق الحكيم علينا أن نهتم بآثاره، وأن تتسابق المكتبات في توفيرها أنيقةقريبة يجدها كل من يطلبها، ويتعرف عليها كل من يجهلها. وكفى بها غاية وأنعم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق