منهج التغافل في الحياة الزوجية. بقلم : المستشار الأسري عبد الفتاح هدارين

(فتح باب البيت وما ان مشى خطوات حتى تعثر بلعبة طفلته مريم ، لولى عناية الله لسقط على وجهه ، فاتجه نحو المطبخ حيث زوجته وهو متضايق مما حصل : يا الله كم من مرة قلت لك اعتني بترتيب البيت . قابلته ام مريم بالصراخ الشديد : كنت مشغولة بإعداد الطعام …أنت دائما لا تقدر ظروفي .وانت دائما تصرخي ..) بعدها دخل اب مريم كهفه ، ونزلت ام مريم الى بئرها وانقطع خيط من خيوط التواصل .
في حقيقة الأمر يجب على الزوجين ان يفهما ان العلاقة الحميمية بينهما لا تبنى على الصراخ والصراخ المضاد ،وانما على مكارم الأخلاق .قال الحق سبحانه وتعالى : (وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )1
قال ابن العربي : (هو امر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف على التمام والكمال فانه أهدأ للنفس ،وأقر للعين وأهنأ للعيش )2
ويعتبر منهج التغافل ، في الحياة الاسرية بشكل عام، والحياة الزوجية بشكل خاص من الأخلاق الرفيعة ، والقيم النبيلة التي تحمل معاني الصدق والاخلاص، في بدل المشاعر تجاه الطرف الآخر . فالزوج اذا احب زوجته نظر اليها بعين الرضا ، فلا تكاد عيناه ترى الا الحسن والأفعال الفاضلة والزوج اذا أبغض زوجته نظر اليها بعين السخط فلا يرى الا عيبا ، ونفس الشيء بالنسبة للزوجة .
فالتدقيق في تفاصل الحياة اليومية والنظر اليها بالعين المجهرية ينغص الحياة بين الطرفين ويجعلها صعبة للغاية فتصبح العشرة كدرة والمجالسة مرة ، فلا بأس من الاعراض عن الأمور البسيطة والتغافل عن السلوكيات الهينة لكي نزرع في بيوتنا فسحة من السعادة والاستمرارية .
فخلق التغافل مطلوب من كلا الزوجين لتستقيم الحياة ، ومعناه : تكلف الغفلة مع العلم والادراك لما يتغافل عنه.
قال الامام احمد بن حنبل رحمه الله عليه (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل )3وقال ابن المبارك (المؤمن يطلب المعاذر والمنافق يطلب الزلات )4.
قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم لما أخطأت بعض أزواجه (عرف بعضه وأعرض عن بعض )5
(الأصل هو حفظ كرامة البيت وصون المرأة والتلطف بها والتماس أسباب رضاها لا التجسس عليها واحصاء أخطائها )6
فالإعراض عن الامور البسيطة والتغافل عن السلوكيات الهينة يعطي الحياة الزوجية فسحة من السعادة والاستمرارية .
قال الامام علي كرم الله وجهه7 : أغمض عيني في أمور كثيرة واني على ترك الغموض قدير
وأسكت عن أشياء لو شئت قلتها وليس علينا في المقام أميـــــــر
كان كرم الله وجهه في بيته كالثعلب وفي الخارج كالليث كناية على خلق التغافل والتغاضي الذي كان أثره يسري في علاقته مع امنا فاطمة ، كانت نفسيته مرنة ترتكز فن التهوين والتبسيط داخل البيت .
البيوت المطمئنة لا تبنى بالعيون المجهرية والتنقيب عن الزلات والهفوات فالأمور الهينة نمشيها مشي الكرماء ، فلا بد للزوجين ان يجعلا لحياتهما قواعد ويقسمها الى اشارات كالإشارات المرورية حمرا وصفراء وخضراء هذه الأخيرة يجب أن يمرا عليها مرور الكرام ، لا نأسر انفسنا للحظات الراهنة التي يصول فيها الشيطان بعقولنا وقلوبنا ونسقط في مستنقع طغيان التنافر ويقع الظلم . لابد لنا من مخرج آمن لنحول بيوتنا من دائرة الاستهلاك اليومي بالاشتغال بصغائر الأمور الى دائرة الانتاج .
(وما في الرجل من خلق حسن ان هو قابل بين المحاسن والأخطاء ووازن ) 8
المخرج الامن هو تذكر الزوجين قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم )9 خطاب رباني للزوجين ليذكرهما بالأيام الحلوة التي قضاها و هي كثيرة لاتعد ولا تحصى والأوقات الحميمية التي جمعتهما لا تنسى ولا تطوى . فليكن شعارنا حينما تأسرنا لحظة الطيش لا تنسوا الفضل بينكم . فهذا الخلق العظيم خلق التغافل مهارة تربوية تمنحنا وقتا للتفكير ودراسة المشكلة من جميع جوانبها .

بقلم : المستشار الأسري عبد الفتاح هدارين


الهوامش:

1سورة النساء
2 احكام القران ابن العربي
3 الامام احمد بن حنبل
4 ابن المبارك
5 سورة التحريم
6 تنوير المومنات ج 2
7 الامام علي كرم الله وجهه
8 تنوير المومنات ج 2
9 سورة البقرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق