موسم سيدي سعيد الشريف يتجدد في ذكراه ما بعد المائة والعشرين . بقلم : د. الحسين أكروم


غالباً ما ترتبط المواسم الدينية والتجارية في سوس ببعض العلماء البارزين، أو الأولياء الصالحين، كموسم سيدي وكاك، وسيدي أحمد أوموسى، وللا تعلات، وسيدي الحاج لحبيب، وسيدي بيبي، وسيدي أُوسيدي وغيرها من المواسم التي جرت عادة كل قبيلة تنظيمها تزامناً مع وفاة ذلك العالم غالباً، أو يختارون توقيتاً يناسب الجميع نادراً.
ويعتبر موسم سيدي سعيد الشريف من أشهر المواسم التجارية باشتوكة أيت باها على الإطلاق، ويلتقي فيه الفقهاء، والصالحون، والزوار، والمحبون، والضيوف، ويكون عامراً بالتجار فيجتمع فيه ما تفرق في غيره من الأسواق الأخرى.
تُرى من هو سيدي سعيد الشريف ؟ وهل كان هذا الموسم ينظم في حياته ؟ أو بعد وفاته ؟ وكيف بدأ الاحتفال بأول موسم ؟ وما سبب استحداثه ؟ والداعي إليه ؟ هل هو موسم تجاري محض ؟ أو هو موسم ديني خاص ؟ وما هي العوائد الجارية فيه ؟ أسئلة وغيرها سأحاول بعجالة الإجابة عليها في هذه المقالة المتواضعة .
تعريف العلامة سيدي سعيد الشريف:
ترجم المؤرخ الناقد محمد الإكراري في كتابه: روضة الأفنان: لـ: 166 عالماً فقال في الأول في صفحة 177 : “وأبدأ بمن له الشرف في التقديم، والنسب الجسيم، الشيخ الكبير، والولي الشهير سيدي سعيد الشريف الهشتوكي… إلى أن قال: ومحل تدريسه “إِدَومْـحْمْدْ” مقدار خمسين عاماً إلى أن دعاه داعي الحمام..” ويستفاد من ظاهر إطلاق كلام الإكراري، أن الشريف شارط في مدرسة إدا وْمْحمد حوالي سنة 1249 هجرية، واستمر فيها حتى مات سنة 1299 هجرية.
وأرجع المانوزي في مذكراته أصل نسب الشريف إلى سلالة المولى إدريس بن إدريس، فحلاه بأوصاف مليحة، ونعوت حسنة، خلافاً للإكراري الذي غمزه ولمزه، وقصر في ترجمته، فقال عنه نقلاً عن المعسول الجزء 3 صفحة 304 “الشيخ العالم، الصوفي الرباني، الولي الصادق، العابد، الشريف، سيدنا سعيد بن أحمد، الإكثيري قبيلة، الودريمي الهشتوكي سكناً.. وإخوانهم لازالوا معلومين بفاس بالشرفاء الكثيريين إلى الآن..” وذكر كذلك أن الشريف أخذ العلم والتصوف عند مفخرة في سوس في وقته العلامة سيدي أحمد التمكلجتي، فقيه ومؤسس مدرسة تمكلجت .
تاريخ بناء مدرسة إداومحمد:
أشار المانوزي في مذكراته إلى تاريخ بناء هذه المدرسة في صدر ترجمة الشريف في معرض تعداده لشيوخه، فقال عاطفاً على محاسن شيخه التمكلجتي وتخرجه عليه: “فلازمه سنين عدة إلى أن أجازه وأرسله إلى إداو محمد، وأمره ببناء مدرسته هذه، فامتثل أمره فانثالت تلك القبائل عليه، معتقدين له، وبنى المدرسة الأولى، ثم الثانية متصلتين، وبينهما سكة لمرور غنم ومواش مسورتين بالتين الشوكي (اكناري) وكان استيطان الشريف لهذا الموضع، وبناء هذين المدرستين عام 1260هـ..” انظر المعسول 3/ 304 .
وربما يعارض ظاهر رواية المانوزي ما جزم به الإكراري لما قال: ” ومحل تدريسه “إِدَومْحْمْدْ” مقدار خمسين عاماً” إلى أن توفي، مما يجعلنا نتساءل: هل كانت هناك مدرسة قبل المدرسة الحالية، ثم جددها الشريف وبناها ؟ أم لم تكن موجودة قبل، وأسسها الشريف وبناها ؟ فإذا صح هذا الاحتمال الأخير، فإن إطلاق الإكراري خمسين عاما فيه نظر، وإلا فالصواب مع المانوزي في مذكراته.
حفريات تاريخية حول موسم سيدي سعيد السنوي:
جرت العادة أن يقام الموسم السنوي لسيدي سعيد في الخميس ما قبل الأخير من كل أبريل الفلاحي، كما أفادنا بذلك العلامة الفقيه سيدي محمد مستقيم، فإذا صادف دخول شهر الفلاحي يوم الجمعة مثلاً، فإن الموسم قد يتأخر إلى الخميس الأول من ماي الميلادي، وبينهما كما يخفى ثلاثة عشر يوماً.
وإذا صادف دخول الشهر الفلاحي الأربعاء مثلا، فعادة ما يكون في الخميس الأخير من أبريل الميلادي، أو الخميس الأول من ماي، فإذا لم ينظم في الأول فالثاني، ولم يخرج الموسم عن هذين التاريخين، لأن أوقات دخول الشهر تتغير وتتبدل، وتاريخ الموسم ثابتة لا تتغير.
وتواتر الخبر عند السادة الشرفاء أحفاد سيدي سعيد الشريف، أن الموسم بدأ منذ سنة 1318 هجرية، في حين ترددت روايات أخرى تفيد بأن الموسم بدأ بعد وفاة سيدي سعيد الشريف بعامين، أي: في سنة 1301 هجرية.
وبعد النظر والتأمل في تتبع الآثار وتصفح الأخبار، تبين لي والله أعلم أن الرواية الصحيحة هي الأولَى، أي: أن الموسم بدأ سنة 1318 هجرية، فتكون مناسبة هذه السنة 2018 متزامنة مع الذكرى 121 . أما الرواية الثانية فتصادف هذه السنة الذكرى 138 لكن الرواية الأُولى هي الأَوْلَى بالاتباع، وغيرها تحتاج للإقناع.
أسباب استحداث موسم سيدي سعيد الشريف :
يغلب على الظن أن يكون هذا الموسم في الوهلة الأولى موسماً دينياً، لأنه يبعد أن يكون مؤسساً في الأصل على التجارة، لقلة السكان، وغلبة البداوة على بيكرا الذي هو مركز حديث كما قال المختار السوسي في كتابه: خلال جزولة، ومما لا شك فيه أن مؤسّسي الموسم هم أولاد سيدي سعيد المباشرون، وكبار تلاميذه، وأعيان وصلحاء البلد، فهؤلاء هم المؤسسون الفعليون للموسم، لأن لكل قبيلة موسمها تجتمع فيه، وقبيلة إداومحمد ليس لها موسم قبل استحداث موسم سيدي سعيد الشريف كما تدل على ذلك الكتب التاريخية.
وجرت العادة أن تكون أمثال هذه المواسم التي تنظم بجوار أضرحة الشيوخ والأولياء والصالحين مؤسسة على التقوى من أول يوم، ويبعد في العادة أن يُنشأ على نية التجارة، لأننا لم نعثر على وثائق تاريخية، ولا على روايات شفوية تؤيد أو تنفي الاحتمالات المذكورة، فحُمل الأمر على الأصل والعادة، وإلا فباب التأويل بقي مفتوحاً على مصراعيه، ونعتقد أن هذه الاجتهادات أقرب إلى الصواب، إلى حين ظهور الحقائق التاريخية الصحيحة.
هل موسم سيدي سعيد موسم تجاري أم ديني ؟
مما لا شك فيه أن كثيراً من المواسم في سوس أصلها دينية، غير أن اندراس العوائد الجارية فيها، وقلة العناية بأمور الإسلام ورسومه، أرجع عدداً من المواسم من دينية إلى تجارية، كمواسم البخاري مثلاً، فقد كانت في أصلها مواسم دينية يختم فيها البخاري، ويحضره العلماء، والفقهاء، والطلبة، ثم تحول سيما في أحواز مراكش إلى مواسم تجارية حيث تكون غاصة بالتجار والحرفيين، ويحضرها آلاف من الناس، في حين أن ختم البخاري الذي هو أصل الموسم يحضر فيه عدد قليل جداً لا يتجاوزون على أكثر تقدير الأربعين.
صحيح أن الوضع الاجتماعي لموسم سيدي سعيد الشريف الآن يوحي بأنه يمتزج فيه ما هو تجاري وديني، وإن كانت تغلب عليه التجارة، حتى إن الجانب الديني لا يكاد يذكر، فبقي ضامراً خفياً، فناسب أن نبين هنا ما يجري فيه من عوائد دينية حسنة، وتقاليد مرعية متنوعة، منها ختم الطلبة عدداً من السُّلك القرآنية داخل الضريح، وعادة ما تستدعي جمعية سيدي سعيد الشريف طلبة مدرسة الجزولي مع إخوانهم بمدرسة سيدي سعيد الشريف في حفل ديني بهيج تتلى فيه باقة عطرة من الأمداح النبوية، وتنشد فيه الابتهالات الدينية، وقراءة أرباع من الحزب الراتب بقراءة تحزابت، فضلاً عن ختم السلكة.
بالإضافة إلى ما ذكر، فقد جرت عادة فقهاء هشتوكة أن يجتمعوا في موسم سيدي سعيد الشريف عند الحاج بوجمعة النمري كفقيه مدرسة علال، وإكنكا، وعكربان، وتمزكيدا واسيف، وإمجكيكلن، والجزولي، وغيرهم من الفقهاء، ويتزاورون فيما بينهم، ويناقشون في تلكم المجالس بعض المستجدات، ويتبادلون الأفكار، وربما تُلْقَى بعض النوازل الشائكة، ويخوض فيها أولئك الفقهاء كل على قدر إنائه.
كما أن أحفاد سيدي سعيد الشريف يطعمون الفقراء والمساكين، وتوزع على باقيهم الأطعمة، ويغدقون الدعاء على روح الشريف وأحفاده، في أبهى صورة التكافل الاجتماعي، والتضامن الخيري، فتحصل لهؤلاء ولألئك معاً منفعة دنيوية، وبركة أخروية.
وقد يكون الموسم في أصله بدأ بهذا النمط في نظامه العام، غير أنه مال بعد ذلك ميلة واحدة نحو التجارة، وقد يعكر على هذا التأويل قول الإكراري في ذيل ترجمة الشريف: “فبنيت عليه قبة، ويكون عليه موسم للزيارة، والبيع والشراء في كل عام” ولطالما أبحث عن مؤرخي هذا البلد ليفيدوني في رفع هذا الالتباس، حتى يتضح تاريخ الموسم لكل الناس.
حضور وفد رسمي كبير في الموسم سنة 2018:
التأم عدد من المسؤولين صباح يوم الخميس 3 ماي 2018 بضريح الولي الصالح سيدي سعيد الشريف يتقدمهم الكاتب العام للعمالة، ورئيس المجلس العلمي المحلي، والمندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية، ورؤساء الأقسام الخارجية، والمنتخبون، والباشوات، والقياد، وأعيان المنطقة، وعامة الناس .
وبعد تلاوة سورة الملك “تبارك” وسورة الإخلاص، ألقى أحد أحفاد أسرة الشريف سيدي سعيد كلمة جامعة، استحضر فيها مآثر العلامة الفقيه سيدي سعيد الشريف، ومناقبه التربوية، وجهوده العلمية، ثم أقيم دعاء في الضريح، أعقبه ذبح ثور كبير على مرأى الوفد الرسمي بأحد المرافق التابعة للضريح، والطلبة محاطين به عن اليمين وعن الشمال، مرتلين مقطّـعات من سور مختلفة، متبوعة بتوسلات متنوعة، ثم استدعي الجميع لمدرسة سيدي سعيد الشريف التي توجد بمحاذاة شمال الضريح لوجبة فطـور على شرف الوفد الرسمي، لينتهي الاحتفال الرسمي بالدعاء الخالص لمولانا أمير المؤمنين دام له النصر والتأييد.
طقوس اجتماعية بضريح سيدي سعيد الشريف سنة 2018
ما إن تقدمْتَ نحو ضريح سيدي سعيد الشريف، حتى تفاجَأ بساحة جميلة فسيحة، مزركشة بالزليج التقليدي الأصيل، محاطة بأضواء وكراسي عامة، فيجد الزائر على يسار الضريح زمرة من الطلبة يقرؤون مقطعات من السور القرآنية، وأبياتاً من قصيدتي البردة والهمزية، فترى بعض الزوار يدس إليهم بين فينة وفينة دراهم معدودة.
أما على يمين الضريح فتوجد فيه عدة نساء يمتهن حرفة التخضيب بالحناء بأنواعه؛ فمنه الصحراوي الذي يتميز بخطـوط عريضة مقوسة، والمراكشي، والفاسي، إذ ينفرد كل نوع برسوم مقوسة دقيقة، وأشكال مزركـشة جميلة، أما السوسي فيتأثر بكليهما حسب ميول النساء لكل صنف، وتختط تلك الخطوط بعناية فائقة بريشة رقيقة فوق أصابع اليدين، وباطـن الكف، وحتى الأرجل.
أما في داخل الضريح فترى النساء يتضرعن إلى الباري جل وعلا أن يعفو عنهن، وكل واحدة تكتفي بالدعاء لنفسها بنفسها فِي جو من الخشوع وبعضهن يغدق على الفقيرات بهبات، وصدقات، وأموال .
صحيح أن البعض قد يعد هذه التفصيلات من باب شرح الواضحات، أو من باب السماء فوقنا، لأن الكل شاهد ذلك، وربما يقول قائل: لا داعي لذكره، لكن هذه الإشارات سينهل منها المتخصصون في علم التاريخ والاجتماع لدراسة فلسفة هذا الموسم مستقبلاً، وإلا فإنني أبحث على تاريخ الموسم، ومؤسسوه، والعوائد الجارية فيه قديماً، بل وحديثاً، فلا تكاد تجد أحداً يمدك بشيء مما ذكر، فأردت أن تكون هذه المقالة نبراساً وضياء يستضاء به في دوامس الظلام، لنطل منها ولو في شرفة قصيرة إلى موسم الشريف سيدي سعيد، مستأنسين بها، إلى حين ظهور مؤرخين شباب قادرين على استئناف المسيرة التاريخية المعاصرة لبلاد اشتوكة أيت باها.
السوق التجاري لموسم سيدي سعيد:
زرت الموسم مساء يوم الخميس 3 ماي 2018 وقد اكتظت الأزقة المؤدية إلى ضريح سيدي سعيد الشريف بالتجار على طول الطريق بدءاً بالشوارع الصغيرة التي توجد تباعاً قبالة سوق السمك، وأخرى أسفلها وأعلاها، فتسمع لذوي الأصوات تتعالى هنا وهناك، والرجال، والنساء، والصبية مزدحمين على حافات الطرقات، في جو بهيج تعلوه في الأفق عادات الهشتوكيين في طريقة الكلام، وحواراتهم الشيقة التي تتناغم عادة مع صياح التجار، فهذا يبيع البخور، وآخر الأعشاب، وآخر الخضر والفواكه، وآخر الأثواب، والتمر، بل ويـبيع فيها حتى الأفارقة من النيجر، ومالي، والسنغال، وغالباً ما يـبيعون الخواتم، والقلائد، والساعات، وغيرها من أنواع التجارة التي تحيط بقبر الشريف سيدي سعيد على جميع جنباته الأربع، وتضيق بهم عادة رحاب الطرق المؤدية إليه.
أما قبالة مدرسة حمادي مبارك فهي مخصصة للألعاب الترفيهية، ككراء الدراجات النارية، والتلاعب بها، وتوجد فيه كذلك مدافع كبيرة على شكل دبابة صغيرة في رأسها بارود يطلق في أعلى حديد كبير معروف عند الشباب يجربون بهم قوتهم، وهناك من يهتم بلعب الأوراق / النرد، ومكان آخر مخصص للعب أطفال الصغار، وغيرها من أنواع التسلية والترفيه التي تتميز به مظاهر فعاليات موسم سيدي سعيد الشريف.
عادات أهل اشتوكة في موسم سيدي سعيد الشريف:
مما لا شك فيه أن أعراف الهشتوكيين في موسم الشريف مستوحاة من المظاهر الاجتماعية العامة للبلد، فقد جرت عادتهم أن يقوموا بتقاليد كثيرة لعل أهمها وأشهرها:
إحياء صلة الرحم:
من التقاليد المرعية التي دأب عليها أهل هشتوكة في الموسم استدعاء عائلاتهم، والإحسان إلى أقاربهم بشتى وجوه الإحسان، ومما لا شك فيه أن الصلات العائلية تُـقَوّي التوادد، وتزيد من التناصح، وتشيع العدل، وتحد من القطيعة، وتحث على التعاون، وتوثق الصلة بالأرحام، والخدمة لهم، وزيارتهم، والسلام عليهم.
وأحياناً يكون هذا الموسم سبباً في حل النزاعات الأسرية، والإصلاح بين المتخاصمين، لأن أغلب الأسر البعيدة لا تزور عادة عائلاتها إلا في الموسم المذكور، ولذلك قل ألا تجد منزلاً في بيكرا ليس فيها ضيوف.
ختم السلكة :
تَعْـمُد بعض الأسر إلى استدعاء الطلبة والفقهاء لختم القرآن الكريم في موسم سيدي سعيد الشريف، تفاءلاً ببركة ختم القرآن، لتفريج كروبهم وغمهم، والتماساً لبركة الصالحين والشرفاء الحاضرين بموسم سيدي سعيد الشريف، وعادة ما يحضر الأقارب، وفروع الأسرة، فيجتمعون لحضور هذه السلكة وفاء لروح أجدادهم، والترحم عليهم، والدعاء لهم.
صباغة الجدران:
كلما قرب موسم سيدي سعيد الشريف إلا وتجد الهشتوكين قديماً يصبغون جدران بيوتهم بالتراب المخلوط بالتبن، أو الْـجِير، استعداداً لاستقبال الضيوف في الموسم، فيبالغون في تزيين منازلهم، وقد تراجعت هذه العادة في الآونة الأخيرة، لأن تكاليف الصباغة في كل سنة مكلفة .
وبالجملة فلأهل اشتوكة عادات كثيرة، غير أني للأسف لم أجد من يخبرني بها لأدونها، ولطالما أبحث في تاريخ هذه المنطقة لأدونها، لكني لا أجد من يمدني بها، ولعلنا في مناسبات قادمة قد نستدرك بعض ما فاتنا من العوائد التي ألفها الناس في هذا الموسم.
تغيير كسوة ضريح سيدي سعيد الشريف:
أخبرني الفقيه سيدي الحاج عبد القادر عميد مدرسة الجزولي أن المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الدكتور مصطفى الكثيري يشرف على تغيير كسوة ضريح جده في لقاء رسمي مهيب، يكون عادة مرفوقاً بالسيد عامل صاحب الجلالة على الإقليم، والوفود المرافقة له، ويقوم الدكتور المذكور بتغيير كسوة قبر جده سيدي سعيد، ويزور أقربائه، في جو من الابتهاج والسرور، تعلوها فرحة عارمة في وجوه الشرفاء، لأنهم يشاهدون مدى عناية الأحفاد بالأجداد .
ولئن كان الإكراري ذكر في ترجمة الشريف أنه لم “ينجب من أولاده أحد، ولا فيهم من في كرسيه قعد..” فإن أولاد هؤلاء وأحفادهم تدرجوا في العلم فاعتلوا مناصب سامية وأخذوا منها كل نصيب، وزادوا فورثوا علم آبائهم وأجدادهم بالفرض والتعصيب.
وفاته:
اختلف العلماء في وفاة الشريف سيدي سعيد الإكثيري، فقال الإكراري في روضة الأفنان صفحة 178 أنه توفي عام 1299 هجرية، وأخطأ المختار السوسي لما عين تاريخ وفاته في 17 جمادى الثانية عام 1291 هجرية في المعسول 4/ 221 ، لأنه هو نفسه ذكر أنه حج سنة 1292 هجرية، وخالف قوله الأول في موضع آخر 3/ 304 فقال: بأنه توفي سنة 1296 هجرية، والراجح الذي تميل إليه النفس ما ذكره الإكراري، وإن كان بعض أفراد الأسرة يرددون قول المختار السوسي، لكنه مجانب للصواب، لأن ما احتمل واحتمل، سقط به الاستدلال كما يقال.
خاتمة:
تلكم إذن كانت نبذة موجزة ومختصرة عن موسم سيدي سعيد الشريف، فقد تبين أن تاريخه قديم جداً يعود لأكثر من مائة وعشرين سنة، ولوحظ أنه كان في أصله دينياً، ثم تحول إلى موسم تجاري، وقد بني عليه القبة القائد سعيد الكليلي كما أفادني بذلك رئيس جمعية شرفاء سيدي سعيد الأستاذ: محمد الدوروي .
وقد حافظ أهل اشتوكة أيت باها على موسم سيدي سعيد الشريف خلفاً عن سلف، وجيلاً عن جيل، حتى خصصوه بعوائد قارة، وأعراف خاصة، امتزجت فيما بينها لتعطي مظهراً اجتماعياً تعلوه في الأفق ملامح الوحدة، امتزجت فيما بينها لترسخ أصول العلاقات الاجتماعية بين فروع قبائل إداومحمد.
ومما زاد الموسم جمالاً وهيبة، أن اشترك في تلكم الوحدة جميع طبقات المجتمع كالفقهاء، والصالحين، والصوفية، والفقراء، والشرفاء، والعامة، والطلبة، والتجار، والحرفيين، وعامة الناس، في نسق عجيب تلتقي فيه أصالة الترابط المجتمعي بأنصع صورها، ومعاصرة تجلياتها الحديثة بأحلى مظاهرها.
وكتبه الحسين أكروم، ببوكرا ليلة الجمعة 4 ماي 2018 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق