أسئلة وتدقيقات إلى السيد المقرئ أبو زيد ؟ بقلم : احمد عصيد

أسئلة وتدقيقات إلى السيد المقرئ أبو زيد[1] ؟
أحمد عصيد
يتحمل البرلمانيون مسؤولية العمل التشريعي وإصدار القوانين الكفيلة بدفع مسلسل الدمقرطة والتحديث في الاتجاه الصحيح، وهم بذلك ملزمون باحترام الدستور، واستيعاب الواقع المغربي ومعرفة الرهانات والتحديات التي يطرحها.
ومن بين مهام البرلمانيين اليوم مناقشة القوانين التنظيمية المتعلقة بالأمازيغية، والمصادقة عليها بعد تعديلها وجعلها مطابقة للدستور، أي مستجيبة للطابع الرسمي للغة الأمازيغية كما ورد التنصيص عليه في الفصل الخامس.
وقد انطلق النقاش فعلا داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال حول القانون رقم  26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ووصلتنا بعض أصداء هذه المناقشة عبر الصحافة، إذ نشرت جريدة “أخبار اليوم” في عددها 2488 الصادر بتاريخ الأربعاء 10 يناير 2018، مقالا في صدر صفحتها الأولى وبالبنط العريض بعنوان “أبو زيد يُهاجم المعهد الملكي للأمازيغية ويصفه بـ”العلبة السوداء”، والمقصود هنا السيد المقرئ أبو زيد برلماني حزب العدالة والتنمية، الذي له سوابق في التصادم مع الفاعلين المهتمين بالشأن الأمازيغي سواء بسبب نكتة “التاجر البخيل الذي من عرق معين” التي ذهب يحكيها “للأشقاء العرب” بأحد بلدان الخليج، أو عبر نظريته الأخيرة، أو بالأحرى “نبوءته”، حول انقراض جميع اللغات وبقاء العربية وحدها مستقبلا، دون أن ننسى تخريجته العجيبة نقلا عن “ابن تيمية” والتي مفادها أن من كان مسلما ولا يستعمل العربية فهو في مقام المنافق (كذا).
إن المشكلة الرئيسية التي يعكسها موقف السيد أبو زيد داخل اللجنة البرلمانية هو وجود جزء من النخبة السياسية المغربية في “حالة شرود”، بسبب عدم متابعتها لما يجري داخل المؤسسات في بعض الملفات والقضايا ذات الصلة بالعمل التشريعي والبرلماني، وهذا يؤدي ليس فقط إلى النقاشات العقيمة والمضللة كالتي أثارها السيد أبو زيد، بل يؤدي في بعض الأحيان إلى ما هو أفدح وأعظم، ألا وهو إقرار قوانين مناقضة لالتزامات الدولة، وبعيدة عن الاستجابة لحاجات المرحلة، كما تم بالنسبة للقوانين المتعلقة بحقوق المرأة المغربية.
الأسئلة التي نطرحها على السيد أبو زيد هي التالية:
ما هي المعطيات العلمية المتوفرة لديه حول منهجية اشتغال المعهد الملكي في معيرة اللغة الأمازيغية وتدريسها ؟ هل قام المعني بالأمر بزيارة للمؤسسة التي يتهجم عليها ؟ وما هو اللقاء الذي عقده بوصفه برلمانيا مع فريق العمل في “التهيئة اللغوية” وفريق البيداغوجيين بالمعهد الملكي لكي يطلع عن كثب على  المنهجية التي يعتمدونها في عملهم وعن الاختيارات التي تبنوها، وعن مدى علميتها ومدى مطابقتها للتجارب اللغوية التي تم تبنيها في مختلف دول العالم المتقدم في معيرة اللغات وتوحيدها، ما دمنا لسنا أول بلد في العالم يخوض هذه التجربة ؟
هل هناك لغة واحدة في العالم تم إدراجها في التعليم والمؤسسات دون أن تخضع لمسلسل المعيرة والتوحيد والتهيئة اللغوية ؟
ماذا يعرف السيد أبو زيد عن تجارب توحيد اللغات في العالم، والتي نقلت تلك اللغات من التنوع اللهجي إلى اللغة المعيار جاعلة منها لغة مؤسسات الدولة ؟ ما هي الكتب التي أصدرها المعهد وسنحت الفرصة للسيد أبو زيد لأن يطلع عليها ويدرس محتوياتها في الموضوع الذي يتحدث فيه؟
من المعلوم أن البرلمانيين الذين يحترمون عملهم ومسؤولياتهم يقومون بتحريات وأبحاث في القضايا التي لا يتداولون بشأنها داخل المؤسسة التشريعية، وذلك عبر الاقتراب من الفاعلين الرئيسيين والتنقيب في الوثائق واستكناه الأمر من منابعه، وفحص المقاربات والاختيارات على ضوء الواقع وعدم الاكتفاء بالإيديولوجيا الحزبية، ولو قام السيد أبو زيد بهذا الجهد لانتهى إلى التدقيقات التالية:
ـ أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ تأسيسه سنة 2001 نظم أزيد من 300 لقاء تواصلي، منها الندوات الفكرية والأكاديمية والندوات الصحفية التي يقدم فيها حصيلة عمله بانتظام ومن أهم القضايا التي فصل فيها المعهد وأوضح اختياراته قضية معيرة اللغة الأمازيغية وكيف تتم، إضافة إلى تنوير الرأي العام بمنجزات المعهد في مجالات اللغة أو التعليم أو الأدب أو التاريخ والأنثروبولوجيا والفن والآداب والمعلوميات والترجمة، بل إن المعهد بجانب الندوات العلمية الكثيرة جدا، ودروه الاستشاري، عمل بوصفه قوة اقتراحية على الاتصال بمسؤولي الدولة في الحكومة والبرلمان وبالقيادات الحزبية من أجل وضعهم في الصورة، ورغم كل هذا اعتبره السيد أبو وزيد “علبة سوداء” لا أحد يعرف ما يجري داخلها.
نعتقد أن مشكلة الرجل ليس أنه لا يعرف ما يجري داخل المعهد، لأن هذا لا يحظى كثيرا باهتمامه، ما دام يتعلق بلغة يمقتها مثل جميع الذين أصابتهم لوثة من إيديولوجيات التطرف الديني أو العرقي العابر للقارات، بل إن مشكلته هي مشكلة جميع دعاة التعريب المطلق، الذين لا يتفقون مع فكرة معيرة اللغة الأمازيغيىة وتوحيدها، لأنهم يعتبرون أن اللغة المعيارية الوحيدة التي يجب أن تهتم بها الدولة هي اللغة العربية، وبهذا الصدد نذكر هؤلاء بأن الدولة المغربية قد حسمت في الانتقال من الأحادية اللغوية إلى الازدواجية عربية ـ أمازيغية مع الانفتاح على اللغات الأجنبية، ولا مجال للعودة إلى الوراء.
من هذا المنطلق نخلص مع السيد أبو زيد إلى التدقيقات الأخرى التالية:
ـ أن الدستور المغربي لا يتحدث عن “لهجات أمازيغية” متفرقة أو تعابير جهوية كما يقول مشروع القانون التنظيمي الذي وضعه أناس لا علاقة لهم بهذا الملف من قريب أو بعيد، والذين نعرفهم بأسمائهم، ومنهم من تحفظ حتى على دخول الأمازيغية إلى المدرسة سنة 2003، ومنهم من تحفظ على دسترتها سنة 2011، ومنهم من عبر عن موقف سلبي تجاه وجود مؤسسة عمومية خاصة بها، داعيا إلى تدبيرها في إطار “العروبة والإسلام”، ومنهم من نعتها بـ”الشينوية” ليعتذر عن ذلك بعد فوات الأوان.
إن الدستور المغربي يقول “تعدّ اللغة الأمازيغية أيضا لغة رسمية للبلاد”، و”أيضا” تعني بالمثل، أي مثلما أن العربية لغة فالأمازيغية لغة كذلك بنفس المعنى، وإن القانون التنظيمي يوضع لتفعيل “الطابع الرسمي للغة الأمازيغية”، وليس لتفعيل واقع اللهجات، لأن اللهجات العربية لا تعتمد في وثائق الدولة وفضاءاتها الرسمية، بل تعتمد اللغة الدستورية، ومن تمّ فعلى لجنة التعليم والثقافة والاتصال أن تعمل على وضع قانون للأمازيغية مطابق للدستور، وليس مطابقا للميول الإيديولوجية لبعض الذين تخلفوا عن الركب وعجزوا عن اللحاق به، ويسعون إلى جرنا إلى صدامات جديدة لسنا بحاجة إليها.
ـ فيما يخص “اللغة المختبرية” التي تحدث عنها السيد أبو زيد، اعتمادا على الإشاعات التي يروجها التعريبيون، نذكر بأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ إنشائه أعلن على الملأ عن منهجية معيرته وتوحيده للغة الأمازيغية والتي سماها “المنهجية التدرجية لتوحيد ومعيرة اللغة الأمازيغية” التي تنطلق من لغة الأم أي من اللهجة اليومية الممعيرة في السنوات الثلاث الأولى ، ثم بعد ذلك تتم إزالة الحواجز بين اللهجات بالتدريج، ابتداء من السنة الرابعة ليتعرف التلميذ عن اللغة الأمازيغية بكل مكوناتها وليس عن “لغة مختبرية” كما يدعي السيد أبو زيد، البعيد كل البعد عن هذا المجال.
ـ إن ما فعله السيد أبو زيد بتصريحه  ليس نقاشا جديا مسؤولا، ولا هو من قبيل الحرص على ضمان قانون تنظيمي منصف للغة الأمازيغية، اللغة الأصلية العريقة للمغاربة، والتي تواجدت على أرض المغرب “منذ ما لا تُعرف بدايته” كما عبّر ابن خلدون.
إن ما فعله السيد أبو زيد لا يعدو أن يكون انتقاما ومحاولة للتشويش على قانون انتظره الفاعلون الأمازيغيون على مدى نصف قرن، وهو القانون الذي من المفروض أن يعطي الانطلاقة الفعلية لتفعيل دور اللغة الأمازيغية داخل المؤسسات.
ـ إن الروح الوطنية المطلوبة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدنا، ليست هي التي تسعى إلى بعث النزاعات وتجديدها انتقاما لإيديولوجيات مستوردة، بل هي التي تعمل على خلق التوازن في الشخصية الوطنية وتكريس الاحترام المبدئي لجميع مكوناتنا الوطنية التي ينصّ عليها الدستور، وعلى رأسها اللغتان الرسميتان، ولكي نحقق هذا الرهان نحن بحاجة إلى طبقة سياسية حكيمة وإلى مناخ وطني سلمي ومشجع على التوافقات الراعية للمسلسل الديمقراطي.
 
 
[1] –  نعود إلى هذا الموضوع بعد التشويش الذي أحدثه بعض البرلمانيين، والذي يهدفون من ورائه إلى صرف الأنظار عن جوهر النقاش الذي نخوض فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق