رحلة إلى بلاد الحرمين (9) بقلم الأستاذ حسن تلموت

حسن تلموت

” وترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان” رواه مسلم
الجزء الأول:
تنويه:
يبدو أنه من الضروري التنبيه على مسألة مهمة بين يدي هذه الخاطرة، أهمية أملاها أن بعض الإخوة مازالوا يخلطون بين أرض الرسالة وبين أهل السعودية…وهما فعلا صنوان لكنهما غير متلازمين بالضرورة.
فأهل نجد، والحجاز…مقيمون في تلك البقاع الطاهرة لكنهم لا يحتكرون الدين ولا ملكية تلك البقاع، بل لا يحتكرون حتى الحديث باسم “السلفية”، ولذلك فإن نقدهم لا يعد نقدا للدين، كما أنهم ليسوا أوصياء على تلك البقاع، بل هم في أحسن الأحوال “مؤتمنون” عليها مع ما يحمله “الائتمان” من مسؤولية تجيز “النقد” و”المحاسبة”…
وأنا هنا أنبه أيضا على أنني لا “أنتقد” ولا “أحاكم” ولكني “أصف” مشاهداتي، كما وصفها مِن قبلي مَن كتب في موضوع الرحلات، وأنا عاهدت من يقرأ مذكراتي هذه بأنني لن أكون مجاملا ولا مدينا، لأن الأُولى تفرض بيان المشاهدات بعد تحديد قيمتها في مساحة الإيجابيات، والثانية تفرض بيان المشاهدات بعد تصنيفها في مساحة السلبيات، وأنا لم أكلف نفسي تصنيف الأحداث قبل سردها، وغاية الأمر عندي رواية مرئياتي في “بلاد الحرمين” ليس غير ذلك، وللقارئ بعدُ حق التصنيف والحكم.
أخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ” إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيء إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَه”
مما لا يسع جميع من زار تلك البقاع الطاهرة إغفاله، وإنكاره ظاهرة العنف تجاه الحجاج، عنف رجال الأمن السعوديين، بشكل لا تكاد تجد له مبررا يستطيع إسناده حتى لو كان هذا المبرر استعصاء الحجاج على التطويع، أو رفض الحجاج الانصياع للتوجيهات، ذلك أن هذا العنف وصل حد دفع الحجاج لمنعهم من الصلاة في أماكن محددة من قبيل الطرقات مثلا، حتى بعد إحرامهم بها. ولا شك أن كل أو أغلب من حج البيت أو اعتمر ذاق أو سيذوق من هذا العنف الذي تتعدد ردود أفعال الحجاج تجاهه، وقد التحفت بالصبر –شخصيا- ما وسعني حتى نفذ فصرت إلى نصيحة من وقفت على إذايته للحجاج، تارة بأن اطلب منه فقط الابتسام وهو يصرفهم عن الطرقات…، أو بالرفق في الحديث مع الحجاج…وقد تعددت ردود أفعال رجال الأمن بحسب أشخاصهم من نصائحي هذه وإن بقيت الشدة طبعا عاما مشتركا بينهم، ففي الوقت الذي خاطبني أحدهم بلهجة لا تخلو من حدة وتعبير عن الضجر بقوله “جزاش الله خير…” ثم استأنف تعنيف الحجاج، أجابني آخر قائلا :”لا جدال في الحج…” فبينت له أنني لا أجادله، وإنما أنصحه، فأجابني بما يفيد أنه “ما يبي نصيحتي… كل ذلك ذلك لأني طلبت منهم الابتسام وانتقاء الألفاظ عند الحديث إلى الحجاج، وإلا فأي فعل غير مدروس للحجاج يبقى مُتفهما، وإن لم يُقبل.
وقد وقفت على حادثة توضح ما رمت بيانه، إذ أن رجلا قوي البنية -يظهر من لكنته في الغالب أنه “موريتاني”- وقف مباشرة بعد اداء صلاة المغرب ليفوز بركعتي نافلة قبل أن يقوم الناس ل”صلاة الجنازة” التي صارت أقرب إلى صلاة الفريضة -لما يعلمه من سبق وزار تلك البقاع- من تكرارها غقب كل صلاة دون استثناء…، المهم أن الرجل بمجرد ما كبر تكبيرة الإحرام تقدم إليه “رجل أمن سعودي” فدفعه بحدة صارخا في وجهه “ممنوع يا حجي”… فما كان من الرجل “الموريتاني” إلا أن أخذ بتلابيبه وأطبق كفيه على رقبته وهو يصرخ في وجهه “يا عديم الرباية” “أنت ما نك متربي”…فلما اجتمع الناس حولهما صار الرجل يبين للناس فداحة الجرم الذي ارتكبه هذا حين صرفه بسوء أدب عن الوقوف بين يدي الله بعدما مثل بين يديه سبحانه، ولم ينفع “رجل الأمن!!!!” هذا سوى قدوم زملاء له صاروا إلى التوسل إلى ذي القبضة الكبيرة أن يفلت صاحبهم قبل أن تزهق روحه، أما خروج عينيه من محجريهما فقد تحقق، ولعلي أجزم أن “رجل الأمن”!!! هذا سيتحاشى تعنيف الحجاج –على الأقل- ذوي القبضات القوية منهم…
وأصدقكم الخبر أنني وقفت شخصيا على نفس سلوك هذا “رجل الأمن”!!! مرارا تجاه ضعيفي البنية من”الأسيويين” رجالا ونساءا، وكذا تجاه “النساء” الإفريقيات المنهكات بالجوع أو غيره…
ولابد هنا من التنبيه –صادقا غير محاب لأحد- على استنتاج خلصت إليه مفاده أن هذه السلوكات العنفية ليست خيارا ممنهجا لدى السلطات السعودية…….
يتبع في الحلقة القادمة بحول الله…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق