يوميات صيفية من تيزنيت(15): الوفاة التي عرت الجميع!!!!! بقلم : ابراهيم الكابوس

IMG-20160814-WA0012

يوم الجمعة الماضي ، ودعت تيزنيت احد الوجوه التي يعرفها الصغير و الكبير وحتى زوار المدينة يعرفونه. لا محالة و أنت تزور هذه المدينة الصغيرة حجما و الكبيرة بتناقضاتها ، تكون قد صادفته في احد الدروب او الازقة حاملا حجرا كبيرا . انه المسمى قيد حياته ‘ ابوقال وتاي‘.. رغم اني لا اتفق مع من سموه بهذا اللقب ، فان الجميع ينادونه به رغم ان اسمه الحقيقي هو محمد اوزي والمنحدر من قبيلة امجاض. رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
غير أن وفاته قد عرت مجموعة من الممارسات و المؤسسات و الاشخاص. فباستثناء صديقه الوفي ‘امعمر‘ الذي لازمه الى اخر رمق من حياته ، وكان دائما السباق إلى مواساته و مساعدته، فان الغالبية العظمى من الساكنة تعتبره مجرد متسول كباقي المتسولين ولا يعطفون عليه إلا من رحم الله. فمنذ ادخاله المستشفى ولا احد يتحدث عنه او زاره من المسؤولين اللهم بعض المحسنين.
اليوم اصبح محمد مادة اعلامية دسمة للجميع. الكل يسارع الزمن من اجل الظفر باكبر عدد من القراء و زيادة عدد زوار المواقع الالكترونية. فتجدهم يعتبرونه اسطورة و رمزا من رموز المدينة و ينشرون صوره لالاف المرات في اليوم. بل هناك من ذهب ابعد من ذلك و حول صوره الى منتوج تجاري قد نجده في الاسواق قريبا. استغلال الموتى والعياذ بالله. ليس هكذا يكون التكريم. محمد كان يحتاج من يهتم به في حياته و يقيه شر البرد و تقلبات الشارع.
تذكروا كم شتاءا قضى المسكين في الشارع؟ كم من البرد سكن في جسده النحيل؟ كم من الامراض المزمنة عانى منها؟
تذكروا انه كان يفترش الارض و يلتحف السماء. تذكروا كذلك كم من الأحجار حملها الى المقبرة و كانه يقول لنا ان مصيرنا واحد مهما بلغنا من الجاه و المال و الصحة: القبر. تذكروا المفرقعات التي كنتم تضعونها له في سيجاراته وعندما تنفجر في وجهه تضحكون. تذكروا انكم كنتم تلهون و تضحكون عليه و أنتم صغار.
تذكروا كم من المرات كان في حاجة اليكم لتساعدوه في انزال حجرة من فوق كتفه بعد ان اعياه حملها و لم تساعدوه؟
تذكروا ايضا عدد المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير شؤون تيزنيت و لا احد فكر يوما في ‘ ابوقال وتاي‘ . تذكروا كم كانت حياته ستختلف لو لم يتخلى عنه الجميع بدءا من الاب الى المجتمع و انتهاء بالدولة.
حينئذ ، يمكنكم ان تتحدثوا عن الاسطورة .
اذا كان ولابد من اعتبار محمد رمزا من رموز المدينة و اسطورة كما يقال. فلماذا لم يحضر في جنازته ولو مسؤول محلي عدا منتخبين في المجلس الجماعي ؟ لو كان المتوفى ذا مال و جاه لتبعه موكب من السيارات ورأيت المسوولين يتبادلون التعازي بينهم ؟ لماذا لم تصدر لحد الآن ولو تعزية من اية مؤسسة او شخصية عمومية؟ الا نتحدث هنا عن رمز من رموز المدينة؟
وفاة محمد و جنازته و عزاؤه ابانت مرة اخرى عن الوجه الحقيقي لهذه المدينة. اذا كنت غنيا و ذا منصب و جاه فلا تحزن سيقومون باللازم. اما ان كنت من الفئة المسحوقة و الفقيرة فامثالك يؤدون الواجب احسن تأدية و لا ينتظرون احدا.
جنازة الرجل تبعها مئات المواطنين وشيعوه الى مثواه الاخير ، وقاموا بالواجب أحسن قيام. عزاؤه و خيمتها تكلف بهذا شباب المدينة القديمة و تكلفت النساء باعداد طعام المأثم. انه التضامن المعهود في أوساط المقهورين رغم كل الظروف.
عذرا يا محمد فقد ودعتنا في نهاية الاسبوع و كل المسؤولين لهم برامجهم و هواتفهم مغلقة و بالكاد يعرفون انك الآن ترقد في سلام في قبرك. سيعرفون فقط عندما يلجون مكاتبهم بعد العاشرة صباحا من يوم الاثنين ، و حينذاك سيستغرقون ما تبقى من الصباح يتحدثون عنك و ينسوك مجددا بمجرد وصول وقت الغذاء.
أمثال محمد موجودون في كل اركان الوطن و لتيزنيت نصيبها منهم. فهل سننتظر سقوطهم واحدا تلو الأخر للحديث عنهم. هم اليوم خارج حسابات الجميع: افرادا وجماعات، مسؤولين و مؤسسات.
فمتى سنتحرك لإنقاذ ما يمكن انقاذه لان المجتمع الذي لا يحتضن جميع مواطنيه بامراضهم مجتمع فاسد و مريض و متخلف.
رحم الله محمد واسكنه فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق