مساهمة في النقاش على هامش “تعنيف الأساتذة المتدربين” بقلم الدكتور: حسن تلموت

حسن تلموت

بسم الله الرحمان الرحيم

مساهمة في النقاش على هامش “تعنيف الأساتذة المتدربين”

حديث التجربة: في أسس هدم الثورات بأيدي أبنائها

                                                                               بقلم: الدكتور: حسن تلموت

من منطلق انشغالي الكبير بثورات الأمة العربية والإسلامية والإشكالات التي تأسست على هامشها فإني أحب أن أنبه على مجمل قضايا جوهرية كلية منها:

أولا :على المستوى النظري

  • أرجو من كل الغيورين على هذه الثورات، والراجين لعائدها على الأمة أن يربؤوا بالنقاش عن التسطيح وأن يغوصوا في عمقه الحقيقي، وذلك باستدعاء الوعي بأن السلطة لا يمارسها فرد وحده مهما بلغ سلطانه، ولا مؤسسة مهما تشعبت مساحة اشتغالها، بل السلطة هي أخطبوط تتعدد أذرعه، ولكل ذراع مساحة يصلها مداه، ومن هنا يجب أن يُفهم أن “للملك” مساحة قد ينفرد فيها بالقرار، وللحكومة مساحة قد تنفرد فيها بالقرار، كما أن لرجال المال مساحة لا يستهان بها ينفردون فيها بالقرار، كما أن للمؤسسات الاستراتيجية الدولية مساحة كذلك، بل إن للدول مصالح تسعى لحمايتها باحتكار مساحة من السلطة في الدول الأخرى تمارس هذا الاحتكار بطريقة مباشرة عن طريق الديبلوماسية، وبطريقة غير مباشرة من خلال خدام مصالحها في الدول الأخرى، وما “بلمختار… منا ببعيد…
  • من مقتضيات العمق في تناول قضايا السلطة أن يُفهم جيدا أن مساحتها لا تُدرس بمنطق “هارون الرشيد” الذي يأمر فيطاع. بل بمنطق أن الأمر يدار بالتدافع، وأن لكل طرف من أطراف هذه السلط حساباته التي بها يدير المعركة، وأن كل طرف يكسب نقاطا ومواقع قدم بحسب قدرته على الإتقان في إدارة المعركة.
  • وأن لكل طرف من أطراف السلط السابقة الذكر مناصرين ملتفين حوله، إما منتفعين من سيادته، وإما معادين للخيارات الإديولوجية والفلسفية للأطراف الأخرى…كما أن في المساحة التي تتحرك فيها تلك الأطراف مجموعة من المحايدين الذين يملأهم الخوف أو اللاهتمام…. وفي هذا الواقع تسعى قوى الارتداد والدولة العميقة إلى إقناع الرأي العام ببراءتها وتورط غيرها في المشاكل، بل إنها تجتهد في تحويل المخزون الاستراتيجي الشعبي لقوى الإصلاح والثورة من الدعم إلى العداء، والأمر يصير أخطر حين يكون هذا المخزون من الطبقة الواعية، وهي طبقة الثوار ومريدي الإصلاح، وقد يُراهن في هذا التحويل على اندفاع الشباب تارة أو على استعجال نتائج استعمال جزء من السلطة تارات أخرى…
  • عدم الوعي بالمقدمات الثلاث السابقة يحول الثوار ومريدي الإصلاح من مناصرة جزء السلطة الممثل لهم، إلى أداء خدمة لخصومهم مجانا وبشكل غير واع، وذلك حين يُقَوًّمون قرارات ممثليهم في مجالات الصواب والخطأ، بميزان “الحق والباطل”، فيتحولون من ناصرين لهم إلى أعداء، ومن ناصحين لهم إلى مسفهين، ومن شادين على عضدهم إلى مثبطين لهممهم، فتكون كل هذه الجهود صابَّة في خانة الخدمة الفعلية للخصوم….

كما أن شباب الثورة والإصلاح عوض أن يفهموا أن مسألة تدبير السلطة تخضع لمنطق التدافع –كما أسلفنا- وأن خصومهم وأعداءهم يسعون إلى توظيفهم لضرب ذواتهم، في غفلة عن هذا الفهم يتحولون إلى معاول لهدم جهودهم، ونقض غزلهم…

الثاني: الجانب التطبيقي

  • ليس من عقلية المؤامرة أن نقول إن في المغرب -كما رأينا أيضا في تونس ومصر وليبيا- دولا عميقة، وخصوما إديولوجيين لإخوان “عبد الإله بنكيران” يتمنون أن يفشل ويسقط…

ففي مصر علمنا  -لكن بعد فوات- الأوان أن “المجلس العسكري” كان يمارس جزء من السلطة، و”الكيان الصهيوني” كان يمارس جزء منها أيضا، وأن “نجيب سويرس” وأمثاله من رجال الأعمال الفاسدين كانوا يفعلون أيضا في إثارة مشاكل مصطنعة، يروجون لها بوسائل إعلامهم الأخطبوطية….

وفي تونس تجلى لنا فيما بعد أن الدولة العميقة كانت تشتغل في صمت تارة وفي صخب تارة أخرى حتى تجمعت في الوقت المناسب في صورة “نداء تونس”  لتجني ثمار اشتغالها بعد إسقاطها لجزء السلطة الممثل للثورة والإصلاح

وفي المغرب نحن نعرف جزء الجليد الظاهر من الدولة العميقة، وهو حزب التحكم… والله أعلم بالجزء غير الظاهر من جبل الجليد هذا…

  • في مصر وتونس وظفت الدول العميقة كل إمكاناتها لمحاربة وجه الثورة والإصلاح في السلطة، ومن هذه الإمكانات “الأموال الهائلة” المستذرة من دول الخليج، والتي لم تعد خافية على أحد بعد أن جنت أطراف السلطة الارتدادية ثمارها في الخفاء، كما أن من هذه الإمكانات “قتل المتظاهرين” عن طريق قوات الأمن المؤتمرة بأوامر المجلس العسكري في مصر، وتوظيف وسائل الإعلام للترويج لعجز السلطة الشرعية عن القصاص للشهداء…..

في المغرب تعمد الدولة العميقة أيضا إلى توظيف “نيني” وغيره للتعمية عن الإنجازات الإيجابية للحكومة، وكذا إلى توظيف أذرعها في وزارة الداخلية في اتخاذ قرارات ضد الشعب….

  • في مصر تأسست ديموقراطية شهد بها العالم، ثم إن الرئيس الشرعي المنتخب اتخذ قرارات ثورية أشد ما تكون الثورية مثلا حين أقال “طنطاوي وعنان”، وحين حصن قرارات السلطة المنتخبة كإجراء انتقالي حتى لا تلتهمها أطراف السلطة الأخرى ك “القضاء الفاسد”..وحين امتدت يده إلى بداية التجديد في هيكل السلطة القضائية بتغيير “النائب العام”…

كما اتخذ قرارات إصلاحية تتعدد أمثلتها…

لكن الدولة العميقة استطاعت أن تجيش أول ما تجيش مناصري الثورة والديموقراطية قبل غيرهم حتى خرجوا في الأخير ليركب رجال الشرطة والجيش والقضاء –وهم من مكونات أذرع السلطة للدولة العميقة- على أعتاقهم لينقلبوا على مساعي الثورة والإصلاح…

وفي تونس وقع مثل ذلك

وفي المغرب تسعى قوى التحكم في الدولة العميقة لتوظيف أذرعها في السلطة بما يعرقل مساعي الإصلاح، ثم تذهب مذهب إثارة شباب الإصلاح والثورة ضد الطرف الممثل لها في السلطة…

فقرار رفع الدعم عن “المحروقات” قرار إصلاحي يتضرر منه أباطرة الاحتكار ويستفيد منه –إجمالا- قطاعات اجتماعية حيوية…تحوله وسائل إعلام المتضررين منه إلى قرار ضد الشعب!!!

وقرار رفع الدعم عن “السكر” الذي تتضرر منه شركات “المشروبات الغازية” العابرة للقارات ويستفيد منه عموم الشعب إجمالا اليوم وتفصيلا عما قريب… تحوله وسائل إعلام المتضررين منه إلى قرار ضد الشعب!!!

وما قرار تعنيف الأساتذة المتدربين في “إنزكان” إلا جزء من هذا الأمر، فالقرار اتُّخذ بعيدا عن الحكومة، وداخل ولاية أكادير، ووالية “أكادير” تصر على تحميل المسؤولية بطريقة غير مباشرة للحكومة بإحراج وزير العدل والحريات مع “الأساتذة المتدربين”…

ووسائل الإعلام –ذراع الدولة العميقة- تجتهد في تأزيم الوضعية بنشر الأخبار الكاذبة “موت طالب متدرب”…وغير الدقيقة “تعنيف طلبة بني ملال”….

  • في مصر وتونس خرج شباب الثورة ضد نتائج الديموقراطية، وبعد إسقاطهم لخيارات الثورة والإصلاح وجدوا أنفسهم في السجون، بل صاروا يتذكرون ويقارنون بين اليوم الذي كان يمر “الرئيس المنتخب” من أمام أحدهم قرب بيته وهو يحمل لافتة يسفه فيها قرارا من قراراته، فيشير بيده إلى رأسه فيما يعني الاعتراف له بحق النقد، وبين هذه الفترة التي صار الواحد منهم لا يملك للتعبير عن رأيه سوى أن يمضي إلى الصحراء ليحتفل فيها بذكرى تأسيس إطاره التنظيمي…

في المغرب نخشى أن شباب الثورة والإصلاح ماضون في هذا الخيار دون هوادة، فبعضهم عوض أن يقف في خندق الإصلاح مع إخوان “عبد الإله بنكيران” وكل شرفاء الوطن يسعى لتكرير أغلاط شباب الثورة في مصر بأداء خدمة مجانية لخصوم الإصلاح، وكأن هؤلاء لا يقرؤون التاريخ، ولا يفهمون أن مسارهم بين أن يمكِّنوا للمفسدين بالعودة إلى مراكز القرار، أو أن يغامروا بمستقبل البلاد…

إن المزايدة بالخروج إلى الشارع بدافع الحماسة والاندفاع قد يفضي إلى ما لا يُحمد عقباه، إذا لم يسنده الحفاظ على مكتسبات الإصلاح…

ويتأكد الأمر حين يتفق الجميع –إلا المتحاملون- على نظافة يد “بنكيران” وإخوانه، وأن المأتى الذي يعتب على فعلهم من خلاله لا يعدوا أن يكون تقديرا لسلامة قراراتهم من خطئها، وهذا مأتى تتعدد زوايا مقاربته، ويسع كل واحد تبرير اختياراته فيها

خلاصة:

إن الزمن لازال يقتضي صبر أنصار الإصلاح في المغرب إلى حين توسيع قاعدة الصلاح في الفعاليات السياسية “أفرادا ومؤسسات” وحينها سيصير أمام خيار التمرد على المصلحين مسار آخر سليم وهو اختيار البدلاء من المصلحين غيرهم، أما اليوم فهدم مسار الإصلاح يقتضي ثمنا باهضا…

وإلى ذالكم الحين تصبحون على صبر واستمرار مسار الإصلاح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق