حول أداء الحركة الأمازيغية بالمغرب بقلم أيوب بوغضن

بوغضن

الحركة الأمازيغية حركة وطنية كبيرة قامت برسالة ثقافية معتبرة في تاريخ المغرب المعاصر. هي الحركة التي ورثت حركة اليسار و بالخصوص الحركة الاتحادية (على الرغم من طابعها السياسي) في منافسة الحركة الإسلامية على النفاذ إلى الجماهير الشعبية. تعتبر الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي (التي تأسست بتاريخ 10 نونبر 1967 بالرباط) أول نواة قوية للحركة. وضعت الجمعية المذكورة  منذ ذلك التاريخ نُصب عينيها الأهداف التالية:

–          تعميق الوعي بالذات الأمازيغية لدى كافة المغاربة.

–          تحقيق و ترسيخ المنظور الوحدوي للأمازيغية.

–          دسترة و ترسيم الأمازيغية.

–          تحديث الثقافة الأمازيغية.

–          تعميم و تعليم الأمازيغية الموحدة في جميع أسلاك التعليم و مؤسسات تكوين الأطر.

–          تطوير و تعميم الإعلام السمعي البصري الوطني العمومي بالأمازيغية.

–          اعتماد الأمازيغية في التوعية الدينية، خطب الجمعة، القضاء، و كافة المرافق العمومية. ( 40 سنة من النضال الأمازيغي، منشورات الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي، الطبعة الأولى 2007، ص: 15).

واضح أن  الحركة الأمازيغية (سواء بفضل المجهودات الجبارة للجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي أو بنضالات أطراف جمعوية أو فردية  ظهرت في الساحة لاحقا) نجح أداؤها في الدفع بعجلة الأهداف الموضوعة منذ اليوم الأول إلى الأمام. فلا شك أن قطاعات واسعة من الشباب الجامعي تم تعميق وعيها بالذات الأمازيغية. كما إن الثقافة الأمازيغية تعرضت لعمليات جادة للتحديث و العصرنة و كانت أهم خطوة في ذلك عملية جمع و تدوين التراث الشفوي و الانتقال بالشعر الأمازيغي إلى مستوى العصر سواء من حيث الأغراض أو الأسلوب (مع الشاعر محمد مستاوي). بالإضافة إلى ذلك تم  تطوير الفن الامازيغي و خصوصا في شقه الموسيقي؛ و لا أدل على ذلك من الواقع الذي يرصد ذيوع الصيت الذي يلقاه هذا المنتوج الفني الأمازيغي (منذ “أوسمان”، و “إزنزارن”..) في أوساط الناس. و تم تتويج هذا المسار النضالي بالنجاح في توفير حماية دستورية للأمازيغية بترسيمها في 2011.

بخصوص هدف “تحقيق  و ترسيخ المنظور الوحدوي للأمازيغية”؛ الأكيد أن الجمعية التي وضعت هذا الهدف ما فتئت تدافع عنه في شتى المعارك الثقافية و اللغوية بالخصوص. غير أن الواقع يؤكد أنه، إلى اليوم، مازال مشكل المعيرة حاضرا و مازال اتجاه “اللهجات” مستمرا و أمامنا القناة الأمازيغية الثامنة مثال صارخ لذلك؛ نشراتها الإخبارية يتعذر و يصعب على الأمازيغ المنحدرين من سوس –مثلا- متابعتها بسبب هيمنة “لهجة” معينة على النشرات. فلو كانت هناك لغة موحدة لما كانت الصعوبة بهذه الدرجة لأن اللغة الموحدة قاموسها يغرف من كل اللهجات. بخصوص تعميم تعليم الأمازيغية؛ هذه المسألة تعاني تعثرا لافتا لكن المسؤولية تتحملها الجهات التي تقف على أجرأة البرامج (وزارة التعليم، المعهد الملكي للثقافة الامازيغية و ما يدور في فلك السلطة) و ليس الحركة الأمازيغية.

ثمة منجز هام ساهمت الحركة الأمازيغية في تحقيقه بشكل كبير يتعلق الأمر بإمداد الساحة الفكرية المغربية  بجرعات من النسبية و القبول بالرأي الآخر و إيجاد مساحة للاختلاف و الانتفاض ضد الإطلاقية و الدوغمائية و التشبع بثقافة التساؤل و كسر الطابوهات..

لكن، أمام هذا الأداء المتميز للحركة الأمازيغية الذي يتجسد في الوفاء للأهداف المرسومة و تحقيقها بنَفَس تراكمي. ثمة قضية تطفو على السطح بقوة خصوصا مع بداية الألفية الثالثة و هو الخطر الذي يتهدد الأمازيغية  المُتَمثل في الانقراض على المستوى الشفهي. هذه المرة، الخطر يأتي من ضرة حقيقية هي “الدارجة المغربية” التي يراد تدرسيها من طرف بعض الجهات ! (و ليست الضرة هي اللغة العربية كما يتوهم بعض المنتسبين إلى الحركة الأمازيغية) و التي طالما تفاخر المناضلون الأمازيغيون من جيل التأسيس بكونها أمازيغية القالب. و المثير للتساؤل حقا هو وجود بعض المناضلين في الحركة الأمازيغية يستسهلون هذه القضية و يُرَبُون أبناءهم على الحديث بلغة أجنبية (الفرنسية) أو الدارجة فيفقدون لغة أمهم التي من الصعب أن يتداركوا تعلم الحديث بها إن أخطأوا الموعد معها في الصغر و الطفولة بخلاف الدارجة أو اللغات الأخرى التي تُتعلم عاجلا أو آجلا. و قد سبق للناشطة الأمازيغية مريم الدمناتي أن أشارت إلى خطر الموت البطيء على مستوى التداول الاجتماعي  في ندوة وطنية حول الأمازيغية في أبريل 2015 بالمكتبة الوطنية بالرباط. و الخطير في هذا هو أن كل المكاسب التي أنجزت طيلة عقود لصالح الأمازيغية في الميادين الفنية و الأدبية و الحقوقية و الإعلامية في طريقها لأن تُضرب في الصفر ! لأن الناس إذا فقدوا القدرة على التواصل بالأمازيغية لن يحسوا  بجمالية المنتوج الأدبي و الفني الأمازيغي و بالتالي لن يشجعوه مما يهدده بالفناء. فإعداد الإنسان الذي يحمل اللغة هو أهم حلقة في النضال من أجل قضية اللغة؛ فإذا فُقد هذا الإنسان لن يعود  الحديث عن اللغة و لا تمجيدها و لا توفير كلمات في حقها في ديباجة الدستور شيئا ذا بال.   

 إن تقييم أداء هذه الحركة الاجتماعية  التي استأثرت باهتمام المنخرطين في العمل الثقافي و السياسي المغربي يروم أساسا تسليط الدور على حلقة مفقودة في التحليل المُقدم لهذا الأداء. تتجسد هذه الحلقة في نسيان المهمة الأصيلة التي تشكل مبرر وجود هذه الحركات مع توالي السنين.

فإذا كانت الحركة قد حددت غاية غاياتها في صيانة حق البقاء و النماء للأمازيغية فإن الوفاء لهذا الهدف الطموح ينبغي أن يبدأ من الحرص على استدامة التداول الاجتماعي للأمازيغية خصوصا و أن الحقائق لا تبشر بمستقبل سار للأمازيغية على المستوى الشفهي ذلك أن هناك دراسات تقول بأن تصاعد “التمدين” يقابله تراجع في التواصل بالأمازيغية في الحياة اليومية. من هنا على الحركة الأمازيغية أن لا تنسى أن النجاحات الرمزية التي حققتها الأمازيغية تُخفي خطرا داهما هو الانقراض الشفهي للأمازيغية. و يمكن لإدماج حقيقي للأمازيغية في التعليم أن يُخفض درجة الخطر لا إبعاده نهائيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق