رحلة إلى بلاد الحرمين الشريفين (6) بقلم الأستاذ حسن تلموت

12039477_985127394882672_8985879825426059450_n
“في شوارع مكة”


في الطريق إلى مكة لفت انتباهنا الفرق الهائل بين “بيوتات” صغيرة مبنية أعلى وعلى حواف الجبال من جهة وبين عمارات وأبراج هائلة عددت من طوابق أحدها ما يزيد على الثلاث وثمانين طابق!! من جهة أخرى…
ونحن ماضون نحو الفندق لفت انتباهي نذرة السيارات التي تحمل لوحات تدل على كونها سيارات خاصة، في مقابل كثرة سيارات الأجرة، وقد أكد لي أحد الإخوة أن الإذن للخواص بدخول مكة بسياراتهم في موسم الحج يكاد يكون منعدما، وتأكد لي صحة هذا الخبر حين زارنا في الفندق أحد أقارب حاج معنا، وهو مقيم في مدينة “جدة” والذي ذكر لنا أنه اضطر إلى ترك سيارته على مشارف “مكة المكرمة”، وكاد أن يفقد الأمل في زيارتنا بسبب الاعتذار المتكرر لأرباب سيارات الأجرة عن حمله وأبنائه إلى داخل “مكة”، وعذرهم في ذلك، الزحام الشديد الذي تعرفه طرق مكة على اتساعها، وهو أمر ملحوظ حتى أن بسببه تقع عرقلة رهيبة للسير لأوقات طويلة، لكن ذلك لا غرابة فيه، إذ أن الموسم موسم حج، والحج معناه اتحاد القصد، فكل من أجابت روحه الأذان الإبراهيمي، في عالم الغيب يمم الوجه شطر “مكة المكرمة”، وقد وصل إلينا هذا الزائر أخيرا بأجرة تضاعف قيمتها الحقيقية أكثر من سبع مرات!!!

ولعل قضية الاستغلال البشع لظروف الحج من قبل أرباب الجشع من التجار في مكة المكرمة لا ينكره أحد مقيم أو وافد، فهذا صاحبنا يؤكد أن الفرق بين السعر الذي ذكره أحد هؤلاء لسلعة كان يعتزم شراءها وبين الثمن الحقيقي لها بلغ مائة ريالات، أي ما يقارب 270 درهما!!! بل إنني شخصيا وقفت على عدم اتقاء هؤلاء التجار الله تعالى في الحجاج، وسعيهم لأكل أموالهم بالباطل، ذلك أني ساومت “طاقية” عند أحد التجار فسارع بإخباري أن ثمنها هو “عشر ريالات” لكن شابا كان يعمل عنده سارع في نفس وقت كلامه فنطق بأن ثمنها هو خمس ريالات، الأمر الذي حمل التاجر على أن أذن لنا بأخذها بخمس ريالات، لكنني أحجمت عن شرائها لما تزكى عندي من أن القصد ليس هو التجارة ولكنه غير ذلك، لكن المفاجأة هي أنني حين عدت إلى الغرفة في الفندق وجدت صاحبي اشتراها بثمن “أربع قطع بخمس ريالات”!!! فلله الأمر من قبل ومن بعد…
نفس الملاحظة التي نوهنا إليها سلفا من غياب العنصر السعودي المنتج في شوارع مكة لا تخطئها عين، فسائقوا سيارات الأجرة، والتجار في المحلات، والمشتغلون في جمع القمامة وتنظيف الشوارع، ورجال الأمن الخاص…..وغير هؤلاء، ليسوا سعوديين في الغالب، الأمر الذي أكد عندي أن الدعاء الغالب –حالا ومقالا- في السعودية هو “الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين”…
دخلنا ردهة الفندق فوجدناه فندقا محترما وقد كنا متفقين على عدد نزلاء الغرفة الواحدة وعلى أعيانهم…فكان من نصيبنا –ولله الحمد- رفقة طيبة تتنافس في الخير وتتعاون عليه…
وضعنا أمتعتنا ثم راجع بعضنا بعضا في برنامج يومنا، فكنا بين مستعجل على أداء عمرة التمتع، وبين مبطء يرجو أخذ قسط من الراحة خصوصا بعد المعاناة التي عشناها فيما سردته سلفا، لكن نفحات البيت الحرام وتلهف المهج إلى البيت العتيق كان لها الكلمة الفصل في هذا الخلاف، فقررنا أن نبادر بالعمرة ونؤخر الاستراحة إلى الليل، وما أعجب الطاقة والحيوية التي تلبست بنا حين قصدنا البيت العتيق..


“تلحظون في الصورة الإسورة التي تحدثت عنها في الحلقة الماضية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق