رحلة إلى بلاد الحرمين الشريفين (5) بقلم الأستاذ حسن تلموت

12019946_983820321680046_4625195290403088623_n

“في الطريق إلى مكة”

بعد جهد جهيد، وزمن مديد، تجاوزنا الإجراءات البيروقراطية التي لم أجد لها مثيلا في بلاد زرتها، أو زارها أصحابي، والتي لا أدري هل لها ما يبررها، لكني أدري أنها تتعب من يخضع لها أيما تعب، سواء كان التعب ماديا أو نفسيا!!!ولعل من أشد الإجراءات التي لم أعرفها إلا في “السعودية” والتي تسبب ألما نفسيا للزائر مهما قدم لها من تبرير، تلك المتعلقة بسحب “جوازات السفر” والتي تشعر معها بأن هؤلاء الناس يخبرونك بأنك فاقد للأهلية التي تستطيع معها أن تحتفظ بوثائق تثبت هويتك، ويزداد الألم حين تتذكر أنهم وثقوا أوراقك وأخذوا لك صورة فوتوغرافية في المطار بعد أن أملوا عليك الكيفية التي ينبغي ان تقف بها أمام الكامرا المصورة بشكل يذكرنا بالمشهد الذي تكرره السينما لالتقاط الصور للمشتبه بهم…
ثالثة الأثافي التي تتأكد معها أن رؤية السلطات السعودية تعتبرك دون الأهلية هي أنهم يعلقون في يدك سوارا بلاستيكيا فيه معلومات تخصك وتخص رقم مخيمك في منى وبعض المعلومات عن “مطوفك!!!!!!!”…
ناقشت هذه القضية في حوار مع احد الحجاج -ممن يرافقني الرحلة التعبدية- فأملى علي وجهة نظر للأمانة أنقلها غلى القراء، فبعد أن أخبرته برأيي في قضية السوار وأنها أمر مهين، لأن الأولى لو كان القصد التعريف بالشخص أن يُسلَّم بطاقة تحمل عناصر هويته المقصود التعريف في “السعودية”، لكنه اعترض علي بأن أغلب الحجاج إما كبار السن وإما اميون لا يعلمون الكتاب إلا اماني…وقد يضيع الواحد منهم في دروب مكة أو منى أو المدينة المنورة أو غيرها مما يحتاجون معه إلى التواصل مع من يدلهم على السبيل، حينها سيكون من السهل التوسل إلى ذلك بهذا السوار…لن أدافع عن وجهة نظري هنا بعد ما عرضت الأمر مع الرأي المخالف، وأترك للتجربة أن تثبت للقارئ الحقيقة…لكني هنا لابد أن أشير إلى أن هذا الأمر ليس بدعا في الحج! بل هو مرتبط بصور مختلفة بالدخول إلى السعودية، فقد حكى لي صاحبي وهو مقيم هنا في “السعودية” -وهذا للتوثيق فقط وإلا فهذا مما لا يجهله أحد- بأن شخصا مجهول الحال يسمى “الكفيل”!!!!!!! لا ميزة له سوى أنه “سعودي” يتحكم في أدق تفاصيل حياتك وأنت مقيم في السعودية، حتى أن شخصا أُخبر بمرض أمه فلم يستطع مغادرة السعودية للاطمئنان عليها حتى توفيت بسبب أن “الكفيل” الذي يلزمه أن يحصل على توقيعه ليغادر، لم يكن يجيب على هاتفه لأنه كان في “عطلة” حتى توفيت أم صاحبنا ولم يحضر وفاتها…
مضينا في الطريق إلى مكة في حافلات متهالكة، قطعت مسافة أقرب إلى المائة كيلومتر في خمس ساعات أو يزيد، كان ما يكسر ثقل هذه الخمس ساعات هو ما تلقيناه من “وجبات” مجانية في الطريق، وهي عبارة عن حلويات محفظة وأعاصير معلبة، لكنها كانت ضرورية لسد بعض احتياجات الناس وهذه الوجبات مما يرافق الحجاج طيلة أيام الحج فلا يكاد يخلو مكان منها، سواء تلك التي خصصتها السلطات السعودية للحجاج والتي تُوَزَّع عليهم في الشوارع ، أو تلك التي يخرجها المحسنون ليعطوها للحجاج يدا بيد، حتى أنني رأيت كثيرا من الحجاج يتحاشون السير في الطرق التي يرون عن بعد أن الأطعمة توزع فيها…وأذكر أننا في “منى” في الصباح الموالي لوقوع الفاجعة جاءنا إلى خيمتنا من أخبرنا أن المغاربة الذين جاؤوا مع البعثة محتاجون إلى الطعام، في دقائق امتلأ صندوق كارتوني كبير بعلب الطعام الذي لم يعد إخواننا في حاجة إليها…بل إن من المضحك أن أحد أحبابنا ممن حجوا معنا لم يكن يأكل شيئا منذ أيام “منى”، حتى أنه أصبح بمجرد رؤية الطعام أو حتى تذكره يكاد يتقي….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق