ثرثرة فوق ″ النيلون ″ بقلم محمد أزرور

ازرور

في رواية ثرثرة فوق النيل للأديب العربي الكبير نجيب محفوظ، يتيح الاجتماع ليلا على ظهر العوامة لشخصيات هذه القصة فرصة التنفيس عن مكنوناتهم النفسية عبر الكلام في كل شئ ولا شئ في نفس الآن.

نفس السلوك يتكرر في رواية أخرى للكاتب الجزائري محمد الديب le métier à tisser والتي تصف ببراعة فائقة كيف تزحف الكلمات والثرثرة لتملا مساحات الفعل الإنساني الضروري لتغيير الواقع.

سياقان مختلفان لكن النتيجة واحدة : الإحباط والسلبية في مواجهة تناقضات المجتمع.

بعيدا عن الأدب وفي علم الإدارة بالتحديد، تمت دراسة هذا الإسهال اللفظي الملازم للاجتماعات في ستينيات القرن الماضي، نذكر منها على سبيل المثال الأبحاث التي قام بها الاقتصادي الايطالي باريتو V. Pareto أو ما يعرف بقاعدة 20-80 أي أن نسبة 80 في المائة من الأعمال لا تتطلب في الحقيقة إلا 20 في المائة من الجهد أو الوقت وبالتالي فالاجتماعات الماراتونية التي يدمنها المسؤولون ماهي إلا نوع من الهدر الاداري لا اقل ولا أكثر.

لماذا كل هذا الكلام ؟

باختصار، ولكي لا نثرثر نحن أيضا فوق وسائد النيلون الوتيرة فالمناسبة هي الدخول المدرسي.

ألفنا نحن موظفي وزارة التربية الوطنية، البالغ عددنا للتذكير فقط 286865 أي ما يقرب من 54 في المائة من موظفي الدولة، الجلوس لساعات طوال وفي اجتماعات لا تنتهي للحديث عن اكراهات الدخول المدرسي انسجاما مع المقررات الصادرة في هذا الشأن.

في حلقات الذكر الإداري هذه يتغنى كل حسب موقعه بليلاه لإتحاف السامعين بما لذ وطاب من رطب الكلام ومعسوله الآتية من حقول التربية الشاسعة. الوزراء ومديرو الأكاديميات والنواب واطر المراقبة التربوية والتوجيه والأطر الإدارية والتدريس…

يتكرر هذا المشهد كل سنة وتتقوى معه شهوة الكلام كل سنة أيضا لدى المجتمعين للثرثرة فوق الكراسي في انتظار المخلص le Deus ex machina او Godot لصامويل بيكيت القادر على ترميم هيكل الوزارة المنخور بالكلام.

لكن…تبقى دار لقمان على حالها !

تتكرر ماسي الدخول المدرسي وتتفاقم من خصاص حاد في الأطر الإدارية والتربوية وعدم التحاق التلاميذ وتوقف خدمات الداخليات ودور الطالب…

– تذكير : الصمت حكمة !

– أرقام للتأمل : نسبة موظفي المصالح المركزية لا تتعدى 1 بالمائة تدمن الاجتماعات وتصر على اشراك ال 99 بالمائة الباقية – المصالح الخارجية – في هذا السلوك اللذيذ !

– سؤال أخير: متى يتوقف موظفو المصالح المركزية عن إزعاج المصالح الخارجية للوزارة بمذكراتهم ومراسلاتهم التي لا تنتهي ؟

محمد ازرور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق