الشيخ بلا في رده على سعيد رحيم : النظريات المغرقة في “الأنا الأعلى” عاودت الظهور بتيزنيت

كلمة الشيخ بلا في المهرجان الخطابي

لقد أثار استغرابي طريقة تناول الزميل سعيد رحيم لموضوع السؤال الكتابي للتجمع الوطني للأحرار بجماعة تيزنيت حول المهاجرين الأفارقة الذين استقدموا للمدينة بطريقة مهينة للإنسانية والبشرية بشكل عام.
ومرد الاستغراب لا يعود إلى أسلوب المشاكسة الذي اعتدنا رؤيته لدى سي سعيد، ولكن الأمر راجع بالأساس إلى إصراره وإغراقه في كيل تهم العنصرية والنازية والتطرف لأناس عاشرهم وخالطهم قبل غيره وعرف طباعهم وطرق اشتغالهم وصدق نواياهم ورغبتهم في إضفاء طابع خاص على تجربة العمل الجماعي بالمدينة.
وخلال متابعتي وتأملي للنقاش الدائر حول الموضوع بصفحات العالم الأزرق، رأيت مدى الحقد الدفين الذي يملأ عيون البعض تجاه التجربة السياسية الفتية للأحرار بتيزنيت، كما رأيت في الآن نفسه تقييمات موضوعية للسؤال المذكور، وهي تقييمات نشد عليها ونثمنها ونشكر القائمين عليها، وخاصة الراغبين منهم في المساهمة في إغناء النقاش حول الظاهرة الجديدة على المدينة، وتسليط مزيد من الأضواء عليها، بدل الاستسلام لمنطق الواقع، والركون إلى أسلوب المهادنة كبديل عن المواجهة التي يفرضها ذات الواقع.
إن وصف الأسئلة الكتابية آسي سعيد بـ”الفضيحة” ينم لعمري عن قصور في الرؤية، ورغبة في الاستعلاء وفرض منطق معاكس لتوجهات الأشياء، ولواقع أملته توازنات إقليمية أدت تيزنيت ثمنها ولازالت، في ظل سكوت مريب لمختلف الدوائر الرسمية وغير الرسمية، كما أملته سياسة الترقيع التي فرضت التعامل مع ضيوفنا الأفارقة بسياسة العصا والجزرة، التي بدأت بمدينة طنجة لحظة إفراغهم بالقوة من المنازل التي احتلوها دون وجه حق، واستقدامهم للمدن التي تعايشت قسرا مع الأفارقة المهجرين أو بالأحرى المرحلين في جنح الظلام.
ولعل ما يثير الشفقة والاشمئزاز في الآن نفسه، هو أن ينصب البعض نفسه وصيا على السياسيين والحقوقيين والإنسانية جمعاء، فكأني بعهد النظريات المغرقة في “الأنا الأعلى” قد عاودت الظهور في زمن الحرية والانعتاق، وكأني بالأوصياء الجدد على الشأن العام يريدون – ومن حيث لا يشعرون – استعراض مفاتنهم اللغوية أمام عدسات المصورين الراغبين في كشف العورات وتتبع العثرات.
إن موضوع الأفارقة المرحلين صوب تيزنيت، يشير له القاصي والداني، ولا أعتقد أن كرسيا بعدد كبير من مقاهي المدينة لم يشهد على نقاش ينتقد طريقة تدبير قضية المهاجرين الأفارقة على الصعيدين الوطني والمحلي، فالعديد ممن التقيناهم أسي سعيد بمدارات المدينة وأزقتها وشوارعها الرئيسية والفرعية، يستنكرون ويشفقون على ظروف إقامة هذه الفئة بالمدارة الرئيسية ومثيلاتها من المدارات الثانوية بالمدينة، وهي ظروف لا أعتقد بأن واحدا من العقلاء يقبله، أو يخشى طرحها داخل وخارج المؤسسات الموكول لها دراسة هذا النوع من القضايا.
إن إثارة موضوع من هذا النوع عبر سؤال كتابي لرئيس الجماعة، يأتي في سياق الدور الرقابي الذي منحه المشرع للمنتخب ضمن مساحة حرة يمكن من خلالها طرح قضايا المجتمع للتداول فيها على أوسع نطاق، فكيف لا نثير هذه القضية وغيرها ونحن من أبناء وساكنة المدينة الذين يعايشون ويتعايشون مع الظاهرة، ويتألمون للوقوف المهين بجنبات الطرق لعشرات الأفارقة الباحثين عن لقمة العيش وتذكرة عودة لمدينة البوغاز، علها تكون آخر تذكرة قبل الولوج إلى بلاد الأحلام.
وختاما، اسمحوا لي أن أقول لكم، بأن السؤال المذكور حقق هدفه رغم محاولات التبخيس والشخصنة، ومحاولات خلط الأوراق وبعثرتها في وجه الفاعلين المحليين بمختلف فئاتهم، واسمحوا لي أيضا أن أتلو على مسامعكم هذا المثل المليء بالمعاني والدلالات، ومفاده أن “العصافير فيها جبن وإن علت، وفي الصقور شموخ وإن دنت، وكم فى الأرض من أشجار مورقة، وليس يرجم إلا من به تمر”.
شكرا لك 
بقلم : محمد الشيخ بلا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق