البرلماني السابق محمد عصام يكتب : وداعا 2015

 محمد عصام
ونحن على أعتاب انصرام عام كامل من الأحداث والوقائع، حق لنا أن نستعيد شريط الأحداث ونقاربها في كليتها استقراء للمعنى في متنها، واستجلاء للدلالة في سيرورتها ومآلاتها، بعد أن تحررنا من ضغط الزمن وإكراهاته وتحللنا نسبيا من تداخل الذات مع الموضوع بمرور ما يكفي من الوقت وأخذ ما يلزم من المسافة بيننا وبين الأحداث، فما الذي تبقى لنا من نقع جاريات هذه السنة؟ ما هو الحصاد الحقيقي الذي يمكن ترصيده لصالح هذا الوطن ولساكنيه طيلة سنة كاملة؟
للإجابة المقنعة على هذه التساؤلات يجدر بنا أن نطرح سؤالا أوليا أساسيا ومحددا في هذه الإجابة، وهو ماذا كان ينتظر المغاربة من سنتهم 2015؟ وفعلا فإن المغاربة كان ينتظرون استكمال مؤسساتهم التمثيلية وتنزيل المقتضيات الدستورية ذات الصلة المتبقية، وهو انتظار مشروع بل هو من صميم استحقاقات الدستور واللحظة السياسية، وأن المرور الى الزمن الدستوري الحالي لا يمكن أن يتم بمؤسسات بُنيت بمقتضيات مخالفة، وتزداد حيوية هذا المطلب ومركزية هذه الإنتظارات إذا استحضرنا كل النقع الذي أثير حول قدرة هذه الحكومة على إنجاز المطلوب، والتشكيك في جدارتها على تنزيل هذا الاستحقاق، بل إن أطرافا عدة انخرطت في عملية استباق فشلها، في محاولة للتغطية على العطب المتعلق بمن كان السبب في تأخير هذا الاستحقاق إلى آخر رمق من العمر الافتراضي المتبقي لتنزيله، فالمغاربة سيتذكرون كل اللغط والتشكيك الذي رافق تأسيس لجنة تتبع الانتخابات التي ترأسها كل من وزير العدل والحريات ووزير الداخلية، كما لن ينسى المغاربة التشكيك الذي صاحب إسناد الاشراف السياسي على العملية للحكومة في شخص رئيسها ولأول مرة في تاريخ المغرب، والتلويح بمقاطعة تلك الانتخابات وغيرها من الخرجات الشاردة.
لكن الذي وقع عكَس المعادلة تماما، وأثبت جدارة الحكومة في التمرين الديمقراطي الحاسم والمصيري، وأثبت نجاعتها في تدبير أجندة مكثفة من المواعيد والمحطات الهامة، ولم تستطع أي جهة التشكيك في سلامة الاجراءات المتخذة أو التلويح بعدم شفافية العمليات الانتخابية، مما بوأ المغرب ولا نقول الحكومة موقع الاستثناء في محيط إقليمي مضطرب يجد صعوبة بالغة في التوافق على آليات ديمقراطية لحسم الصراعات ولجم التطاحنات، وبذلك استحقت بلادنا جدارة رسوخ توجهها نحو انتقال ديمقراطي، يعزز مكاسب لحظة الحراك بشكل سلس وفي ظل استقرار وارف، يعطي مضمونا واقعيا لتعاقدات الدستور ووعود خطاب 9 من مارس التاريخي، ويعكس إجماعا وطنيا على نجاعة هذا الاختيار وتوافقا شعبيا وسياسيا على مواصلة السير في هذا الطريق الآمن الموفور الحصاد بإذن الله.
من جهة ثانية كشفت السنة التي نودعها عن أن الخطر الذي يتهدد رسوخ خطونا في هذا المسار، ويشكل تهديدا حقيقيا للجميع باختلاف المواقع والتوجهات، ليس هو أن ينهزم هذا الطرف السياسي أو ينتصر آخر، فتلك نتائج بمقتضيات الديمقراطية وبمنطق صناديق الاقتراع مقدور على تحمل كلفتها السياسية وأثرها الشعبي، لكن الخطر الذي يتهددنا جميعا ولا يفرق بين هذا وذاك، هو التحكم الذي جُبل وخُلق لكي يفترس، حيث إن المشهد السياسي المغربي وتحديدا أطرافا محسوبة على الصف الوطني استيقظت بعد الرابع من شتنبر على بشاعة التهديد الذي يشكله التحكم واستفاقت على الوهم الكبير الذي يبيعه عرابه السياسي المكشوف الآن والذي يختفي وراءه صناع الارتداد والنكوص في مختلف الدوائر وفي عمق الإدارة، لدى فإننا نعتبر سنة 2015 سنة حاسمة في كشف الوجه القبيح للتحكم، وأن القوى الوطنية وقوى الشعب الحقيقية بمختلف مواقعها وتوجهاتها مدعوة اليوم الى الحسم النهائي مع التحكم، وبناء اصطفاف جديد على أرضية الانحياز للديمقراطية وللشعب ولآماله وانتظاراته، لقد عودتنا الهيئات المنبثقة من رحم هذا الشعب أن لحظة الشرود عنه تكون طارئة وغير دائمة، وأنها حتما تنتهي بسرعة، وأن الاصطفاف الطبيعي لهذه القوى حتما يكون في مجابهة التحكم والتسلط والهيمنة، فهل ستكون 2016 سنة الحسم النهائي مع التحكم وأدواته؟ هل سيتغلب منطق التاريخ وطبيعة النشأة ومسار الحركة على نوازع النكوص والارتداد؟ تلك أماني مشروعة بِها وعلى وقعها نودع هذه السنة وكل عام وديمقراطيتنا بألف خير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق