العين في تاريخ أﮔلو بقلم جامع بنيدير

العين في تاريخ اكلو               تحتضن الذاكرة الجماعية لبلدة أﮔلو معتقدات ومأثورات شعبية عديدة تحمل الكثير من الدلالات، القريبة والعميقة، على أشكال العلاقات التي نسجتها ساكنتها مع موردها المائي الوحيد الذي ظلت ترتوي منه، وتروي حرثها وبهيمتها على مدى عدة قرون، وقد تعرض هذا المورد في فترات من تاريخه الطويل لحوادث طبيعية توقف بسببها عن الجريان، لمدد متفاوتة، فيبست المزروعات، وذبلت الأشجار، وذعرت الساكنة التي أضحت من جراء ذلك مهددة بالعطش وانعدام الأمن المائي وربما الغذائي أيضا، إذ أن الذي كان وراء استقرارها، وإنشاء تجمعاتها السكنية هنا منذ قرون إنما هو هذا المورد الذي عليه اعتمادها في ضمان هذا الأمن.

       ليس غريبا إذن أن ترتعد فرائص الساكنة هلعا على موارد عيشها وعلى مصائرها، عند كل من هذه الحوادث، وأن يهرع المزارعون منها بشكل خاص لمواجهة مخاطرها بالعمل الفوري، ليس على رد المياه إلى مجاريها فحسب، ولكن على البحث أو إعادة البحث عن هذا الماء، مما يتطلب جهودا مضنية قد تستغرق سنوات أو على الأقل عدة أسابيع أو شهور، ولابد أن حوادث من هذا القبيل كانت تتردد من وقت لآخر، وتتردد معها تداعياتها وأثارها، غير أننا نجهل عنها كل شيء، إذ لم يعمل أحد من أسلافنا على تأريخها لإخبار من يأتي بعدهم بها، بحيث إن بعض المعطيات التي لدينا في هذا الصدد هي التي مازال المزارعون يذكرونها عن ثلاثة حوادث، لما لها ربما من تأثير سيئ على حقول “تارﮔوا” وأغراسها وعلى بهيمتها، وهي التي سنحاول مقاربتهما فيما يلي:

الحادثة الأولى:

        وقعت منذ أكثر من مائة وسبعين سنة تقريبا، من تاريخنا الحالي 2015 م، وتسببت في حدوث أزمة اقتصادية محلية، تمكنا من معرفة تاريخ نهايتها ولم نعرف بالضبط تاريخ بدايتها، ويتعلق الأمر بأول مرة، فيما نعلم، غارت فيها العين بشكل تام، وجفت من منبعها، وجفت تبعا لذلك قنواتها، وكذا الحقول التي كانت تسقى بها، وكانت تبتدئ حينذاك من دوار “إيمي ن ترﮔوا” بأماراغ، وتمتد إلى شمالها، و هي التي كانت تشكل القطاع القديم من ساقية (تارﮔوا) اأﮔلو.

        وما أن غارت العين حتىسارعت القبيلة إلى البحث عنها بإعادة الحفر وتعميقه، وتواتر بين الساكنة لحد اليوم أن ذلك كان بإشراف الفقيه الجليل سيدي إبراهيم أو محمد المتوفى سنة 1276 ﻫ/ 1853م وهو نجل سيدي عبد الحمان بن إبراهيم الذي تنتسب إليه قرية إﮔرار، وابتدأت أشغال إعادة التنقيب عنها في شهر رمضان، وانتهت باستعادتها في شهر ربيع الأول من عام 1264هــ / 1847 م كما ورد ذلك في تقييد سجله سيدي أحمد أنجار المتوفى سنة 1286 ﻫ/ 1869 م في أحد الهوامش بأحد كتبه، أما التاريخ الذي غارت فيه العين فإنا لا نعرف عنه شيئا، ولعل ذلك كان قبل تاريخ استعادتها بما لا يتعدى بضعة شهور، إذ لا قبل للأهالي بتحمل البقاء طويلا دون هذا المورد الحيوي، وما زال متواترا في الذاكرة المحلية، أن أشغال إعادة الحفر لم تتكلل بالنجاح المطلوب، فلم يصلوا إلى العمق اللازم لإجراء أكبر نسبة من حقينة المياه التي يختزنه، وتختلف الأقاويل في تعليل ذلك مع ما يكتنفها من حمولات غيبية أسطورية، لعل أكثرها تواترا هي الرواية التي رواها الفقيه سيدي محمد بن عثمان للعلامة (1)المختار السوسي الذي أوردها كما يلي:

«وحكى (الراوي) أن سبب ذلك أنهم حين وصلوا إلى مجرى الماء في هذا العمل الذي حضر فيه أبو سالم، حضرت صلاة الجمعة، فأمرهم بترك العمل إلى أن يرجعوا بعد الصلاة، فعمد بعض من لا يخاف الله، ولا يعتني بحضور الصلاة إلى إجرائها فلم تجر له، فلما رجع أبو سالم شق عليه ذلك جدا، فصدرت منه دعوة صعبة على ذلك الفاعل، فأصيب مصابا عظيما يذكر، وبقيت العين على ذلك إلى الآن»(1)

        لذلك لم يصل صبيب العين بعد إعادة إجرائه إلى مستوى سطح الأرض إلا عند الحقول الواقعة إلى أسفل من “تاحنداروت” أو ” إيسّيمور” حيث تتفرع منه قناتان رئيستان سطحيتان هما: (أسارو ن تاﮔﻮت) و(أسارو ن لقبلت)، و تتفرع من كل منهما شبكة من الشرايين التي توزع الماء على مجموع “تارﮔﻮا” الحالية، والمداشر المحيطة بها، ومعنى هذا أن العين قد تخلى منذ هذه الحادثة عن سقي القطاع الأعلى من الساقية الواقع مباشرة شمال مدشر “إمي ن ترﮔوا”، فتحول هذا القطاع منذئذ إلى حقول مهجورة تحيط بها أكوام من الأتربة الناجمة عن عمليات حفرها من قبل المزارعين قصد النزول بمستواها إلى المستوى الذي غارت إليه العين.

        يتبين إذن أن هذا الغور الأول لمياه عين أﮒلو، إن كان فعلا هو أول غور، قد استنفر الساكنة، وكشف عن تضامن فعال بين مختلف شرائحها، مزارعين وفقهاء وعلماء وعامة القوم، فقد تجند الجميع بالسرعة المطلوبة من أجل إعادة إجراء صبيب العين، لإغاثة البلاد والبهيمة والعباد، وأحدث ذلك تحولات كبيرة في بنية الساقية من حيث موقعها والمساحة المسقية منها، ومن حيث قنواتها الجوفية والسطحية و كذا من حيث غطاؤها النباتي، وبالتالي من حيث تعامل المزارعين معها بما هي موردهم الاقتصادي الرئيس.

        وبالنظر إلى المسافة الزمنية التي تفصلنا عن هذه الحادثة، وكذا انعدام أوشح المصادر والمستندات ذات الصلة، فإنا لا نملك عن أسبابها ومختلف سياقاتها إلا أسئلة وافتراضات أحوج ما تكون إلى البحث والتحري، فهل يتعلق الأمر بإحدى موجات

الجفاف الشديد التي تنتاب المنطقة من حين لآخر فغارت من جرائها العيون والآبار وضمنها عين أﮒلو؟ أم هل نفترض مع من افترض أن ما حدث له علاقة أو علاقات مع العين الذي اكتشفته ساكنة “العوينة” لاحقا، فكان من فيض هذه العين أن غارت عين أﮒلو ؟ ماذا عن تاريخ اكتشاف هذه وعن تاريخ اكتشاف تلك؟ وهل يرتبط فعلا كل من هذين الموردين المائيين بالآخر كما دأب على تأكيد ذلك مزارعو القبيلتين؟ مع التذكير بأن القول بهذا الارتباط كان وراء الكثير من الصراعات والحروب التي كانت تشب من حين لآخر بين الطرفين.

الحادثة الثانية:

        هي أقل حجما وأثرا من الأولى أعلاه، وكذا من الحادثة الثالثة التي سياتي الحديث عنها، ويتعلق الأمر في هذه الحادثة بأضرار ألحقتها السيول بقطاع من القنوات السطحية للعين فردمتها وتسببت في توقف مياهها عن الجريان وغيابها عن الحقول الزراعية لمدة معينة، ويبدو أن مثل هذه الحوادث تقع من حين لآخر، لكنها قليلا ما تدعو إلى قلق المزارعين الذين يتجندون لمواجهة تداعياتها بالسرعة المطلوبة، فتمضي ويعود كل شيء إلى سابق عهده. و الذي حدا بنا إلى الوقوف عند هذه الحادثة هو تداول الحديث عنها بين المزارعين بمناسبة فصول الحادثة الثالثة الآتي ذكرها.

        غير أن الشهادات الشفوية التي هي المصدر الوحيد للحديث عنها لا تميل إلى التواتر المطلوب بما يمكن معه الاطمئنان التام إلى معطياتها، والذين يقدمونها يعتمدون أساسا على ما يتذكرونه من ملابسات وحيثيات، بحيث إن ما يفتقر إلى التواتر في شهادات هؤلاء هو بالضبط ما نفتقر إليه من معطيات حول أهم حيثيات الحادثة من قبيل حجمها وتاريخها ومكانها ومخلفاتها وكذا ردود الفعل التي أثارتها لدى المزارعين، وغير ذلك مما يجدر ذكره عنها.

        فلم تتفق الشهادات على سنة حدوثها، لكن هامش اختلافها ليس كبيرا، ويتراوح ما بين عام 1982 م، وعام 1984 م، وتكاد تختلف أيضا في حجم الأضرار التي لحقت بقناة مياه العين، وكذا في تحديد مكانها، وفي عدد الأيام التي توقفت خلالها عن الجريان. وما اتفقت عليه الشهادات هو أن القناة السطحية للعين قد تعرضت في بداية الثمانينيات لسيول جارفة أدت إلى ردم جزء منها وإلى توقف صبيب العين عن الحقول، وذلك وفق المعطيات التقريبية الأنفة، وكانت مناسبة تذكر ذلك هي الحادثة الكبرى التي وقعت منذ شهور وما زال المزارعون يعيشون فصولها.

الحادثة الثالثة:

        كانت بدايتها منذ أشهر فقط، وانتهت فصولها منذ أيام ، ولم تختف بعد مخلفاتها وآثارها البادية للعيان في مختلف جهات المجال الذي كان يسقى بالعين، لذلك فالمعطيات عنها وفيرة وحية، نحاول فيما يلي استثمارها بغرض التوثيق لها، من حيث أسبابها ومختلف ملابساتها وحجم مخلفاتها، وكذا من حيث مواقف الساكنة والمزارعين منها، مع مقارنات في كل ذلك مع الحادثتين الأولى والثانية.

ـ في سياقها العام:      

        عرف الجنوب المغربي برمته يومي 27 و 28نوفمبر 2014 م أمطارا طوفانية غير مسبوقة، تلتها سيول جارفة تسببت في أضرار مادية وبشرية كارثية في معظم حواضره وبواديه، ولم تنج أي من جهات جماعة أﮒلو من هذه السيول، فنالت نصيبها الأوفر منها من جراء الأمطار القوية التي شهدتها تحديدا يوم الجمعة 28/11/2014م، فعرفت جميع أوديتها وشعابها دون استثناء سيولا جارفة حتى تلك التي طال عهدها بالسيلان، ونسيت الساكنة أنها مسيلات، فضلا عن وادي “أدودو” الضخم القادم من مرتفعات الأخصاص مارا بأراضي آيت جرار وما بعدها، ليقطع بلدة أﮒلو طولا، من جنوبها الشرقي إلى شمالها الغربي، مارا في طريقه بكل من قرى العواينة، وإﮔرار، وأماراغ والزاويت، وذلك بحقينة غير مسبوقة خرجت عن مجراه المألوف بعدة أمتار، فجرفت كل ما وجدته أمامها، ودمرت جميع المنازل والمباني المحاذية لمجرى الوادي”، وعمر بعضها يزيد على ثلاثة قرون، ومعها أطلال لأخرى أقدم منها، فضاعت بذلك معالمها المعمارية وشهاداتها على عصرها”.

         في خضم هذا الإعصار اتخذ واحد من هذه السيول مجراه صوب أماراغ، وتحديدا إلى شرق “إمجّاض” حيث رأس العين وبداية قناته الجوفية، قادما إليها من الجنوب الغربي لقرية “تادوّارت”، وذلك بعد أن جرف أكوام التراب التي كانوا قد أقاموها حاجزا عند مقطع “أضوّار مّولود” بغرض تحويل اتجاهه إلى مجرى “تامدغوست”، وفي طريقه صوب أماراغ انضافت إليه سيول شعاب أخرى مثل “تاغويلاست” بحيث ما أن أشرف على “إمجاض” حتى ارتفعت حقينته واشتدت قوته، فخرب ودمر، وسوّى، وحفر وردم، وذلك على طول مساره الذي يمر بأعلى القنوات الجوفية للعين، ويقطع مقبرة “أماراع” طولا في اتجاه “إساكان” الواقعة غرب سوق الإثنين القديمة، مواصلا زحفه شمالا نحو “أفود ن تكيضا”، وغربا نحو “تاحنداروت” وحقول القطاع الشرقي من “تارﮔوا”، وذلك بكل ما جرفه في مساره الطويل ذاك من كتل الطين والأحجار والأشجار وغيرها.

عن الأضرار التي لحقت بقنوات العين:

         كانت حصيلة الأضرار التي طالت العين وقنواته ومزارع “تارﮔوا” من جراء هذه السيول ثقيلة وجسيمة نستعرض أبرزها فيما يلي:

ـ غمرت السيول الجارفة جميع المواقع التي تمر تحتها أو فوقها القنوات التي تصرف منها مياه العين إلى مزارع “تارﮔوا”، وبفعل قوة صبيبها اللامسبوقة فقد ألحقت أضرارا جسيمة بهذه القنوات، الجوفية منها والسطحية:

         فأما الجوفية فهي التي تلقت، بحكم موقعها، كل ما جرفته مياه السيول في طريقها من أوحال وأحجار وأغصان مختلف الأشجار وغيرها، فردمت بها عدة مقاطع في أعلاها، أي مما يلي منبع العين، فتوقف بفعل ذلك صبيب هذا الأخير جزئيا عن الجريان، وسرعان ما وقعت انهيارات أرضية في مقاطع أخرى أسفل هذا القناة مما تسبب في انحباس مياه العين تدريجيا إلى أن انحبست بشكل كلي.

         أما القناة السطحية الممتدة من “آيت علي” إلى “إيسيمور” فليست أحسن حالا من القناة الجوفية التي تمر تحت مباني “أماراغ”، فقد خربتها السيول وردمتها بما جرفته منها وإليها من كل ما صادفته في طريقها من المجروفات السالفة الذكر، بحيث لم تغرب شمس يوم الجمعة 28 نوفمبر حتى أضحت هذه القناة هي الأخرى غير صالحة للاستعمال، وكذا معظم القنوات المنبثة عبر جهات “تارﮔوا”، فتعطلت بسبب ذلك كل هذه المرافق، وأضحى ارتياد “تارﮔوا” غير ممكن بسبب المياه والأوحال التي غمرت حقولها، وأدت إلى تخريب مسالكها وطرقاتها، وظلت الوضعية على هذا الحال طيلة شهر ديسمبر 2014 م.

         طيلة هذه الفترة انشغلت الساكنة بأضرار الفيضانات التي لحقت المنازل والمقابر والطرق في مختلف مداشر البلدة، ولم يكن المزارعون في حاجة إلى سقي أراضيهم التي مازالت متخمة بالماء، وكانت هذه الفترة كافية لأن يغيض الماء في الحقول وتجف الطرقات، وأن يتفقد المزارعون الساقية ليدركوا عن قرب حجم الأضرار التي لحقت بها وبالعين وقنواته، وظلت مياه العين تائهة في طريقها إلى الساقية، تارة تغيب عنها، وتارة تصل منها كميات قليلة إليها، إلى أن توقفت كلية يوم 30/05/2015 م، وفيما يلي عرض موجز للجهود التي بذلتها “جمعية تايافوت للتنمية الفلاحية” قصد إعادة مياه العين إلى مجاريها:

جمعية تايّافوت للتنمية الفلاحية:

         إذا كانت القبيلة قد هبت عن بكرة أبيها بقيادة سيدي إبراهيم أو محمد للبحث عن مياه العين عندما غارت للمرة الأولى، وتمكنت من إعادة إجرائها على النحو الذي ذكرناه، فإن مواجهة انحباس صبيب العين هذه المرة لم يكن بمثل ذلك التجنيد التلقائي الجماعي، وإنما وحدها “جمعية تايّافوت للتنمية الفلاحية” بإمكانياتها المادية البسيطة هي الجهة الوحيدة التي هب أعضاؤها ومنخرطوها لمواجهة آثار هذه الكارثة، فيما تعامت الجهات المعنية وفي طليعتها الجماعة القروية للبلدة عن الحدث، كأن أمر العين والساقية لا يعنيها من قريب أو بعيد، منشغلة مقابل ذلك بمخلفات أخرى للفيضانات في المداشر والقرى والشاطئ، التي ليست مع ذلك بأحسن حال من حال العين والساقية.

        بعد تشخيص ميداني لحجم الأضرار التي عليها رفعها، وتقدير حجم ونوع الوسائل والإجراءات المطلوبة باشرت الجمعية أشغال كنس قنوات العين الرئيسية، وذلك على مرحلتين وبإجراءات مختلفة:

ـ في المرحلة الأولى حصرت أشغال الكنس في قطاع القناة السطحية الممتدة من “آيت علي” في اتجاه “تاحنداروت” وما يليها، واعتمدت في الاشتغال في هذا القطاع على أيادي عاملة محلية لمتطوعين من المزارعين، وذلك عن طريق تنظيم ثلاث عمليات “التحصّايم” التي لم تكن الاستجابة لها مشجعة كما يتبين من الإحصائيات التي تحتفظ بها الجمعية، فقد كانت الأولى يوم 5/01/2015 م و استجاب لها 120 متطوعا، والثانية يوم 8/02/2015م باستجابة من 44 فقط، فيما لم يستجب للثالثة بتاريخ 06 يوليوز 2015 م سوى 16 فردا،    وعلى كل حال فقد أسفرت هذه الدورات عن تنقية هذا القطاع مما استقر في قنواته مما جرفته إليه السيول.

         قبل هذه التدخلات كان صبيب العين يتأرجح بين الانتعاش والضعف والانقطاع، وفي يوم الجمعة 2/1/2015 م عرف انتعاشا ملحوظا، وساهمت أشغال التدخل الأول الذي كان بعد ذلك بثلاثة أيام، أي يوم 4/1/2015 في زيادة هذا الانتعاش، فاستبشر المزارعون خيرا بالحقينة الجيدة لصبيب العين، وبادرالكثيرون منهم إلى زراعة الذرة اغتناما لهذا الفرصة، غير أن وتيرة هذا الصبيب تراجعت تدريجيا، وبشكل مطرد ولم تنفع أشغال التدخل الثاني (8 فبراير 2015) في وقف هذا التراجع الذي استمر إلى أن توقف الصبيب نهائيا يوم 30/05/2015م وفق ما أكد ذلك أمين الساقية وأعضاء من مكتب الجمعية.

ـ أما في المرحلة الثانية فالأشغال فيها تتعلق بالشطر الجوفي للقناة الممتدة من منبع العين إلى “إمي ن لخنـﮒ” بآيت علي، وهو الأكثر تضررا بالسيول، ولأنها جوفية فهي أكثر صعوبة وخطورة بحكم عمقها وبنية تربتها الهشة، أضف إلى ذلك طولها الذي يفوق 500 متر، وفق ما تم تدقيقه بوساطة صور الأقمار الاصطناعية، وامتلاءها عن آخرها بما جرفته إليها السيول، إذ يتراوح سمك الأوحال داخلها ما بين مترين ومترين ونصف، فكانت تكاليف إجراءات كنسها لذلك باهضة بما لا قبل لجمعية المزارعين بتحملها، كما أعلنت الجماعة القروية بلسان أحد المستشارين في بداية الأمر عجزها عن تمويل هذه الإجراءات، فما العمل إذن وصبيب المورد المائي الوحيد للبلدة متوقف؟ وحقول الساقية التي ظلت خضراء على مدى قرون آيلة للاصفرار ثم للجفاف والزوال؟

         في خضم هذه المعطيات، وموازاة لأشغال المرحلة الأولى أخذت الجمعية تطرق الأبواب بحثا عن تمويل أو تمويلات لأشغال هذا الشطر، فراسلت واتصلت بالمؤسسات والجهات التي لها صلة بالموضوع، أو التي تأمل في استجابتها للإسهام في هذا التمويل، فاتصلت في هذا الإطار بناظر أوقاف مدينة تيزنيت، واجتمعت بالسيد المدير الإقليمي للفلاحة، وراسات عامل الإقليم، وراسلت كذلك السيد مدير الحوض المائي لجهة سوس ماسة، كما اجتمعت بالسيد رئيس الدائرة بدعوة منه، والتجأت من بين ما التجأت إليه إلى المنابر الإعلامية الألكترونية فنشرت مقالا حول موضوع العين ضمنته لومها وشكواها من تقاعس المنتخبين والمسئولين.

         وحدها المديرية الإقليمية للفلاحة هي التي تفاعلت إيجابا مع طلب جمعية “تايافوت”، وبفضلها أمكن أخيرا إعطاء مشروع كنس هذا القطاع لأحد المقاولين، وذلك بإشرافها الفعلي وضمانة من رئيس الجماعة، فانطلقت الأشغال في هذا الشطر بعد توقيع اتفاقية في هذا الصدد بين المقاول ورئيس جمعية “تايافوت” يوم 18/06/2015 م، وكانت الأشغال شاقة دون شك، وواكبها أعضاء الجمعية باستمرار إلى نهايتها، وبعد توقف دام أكثر من 150 يوما عاد صبيب العين إلى سابق عهده يوم الأربعاء 16/09/2015 م، وكان أول المستفيدين منه بعد ظهر هذا اليوم ذاته هو السيد عبدالله بولفول الذي عاد بحرارة إلى استقبال طلائعه الأولى، ومعانقة “أماديره” لسقي حقوله التي بعنايته بها تعود إلى الاخضرار، وبهذه العناية ذاتها يعود له الأمل كما أفصح يومها تلقائيا عن ذلك بطريقته الخاصة، حيث دخل بقدميه الحافيتين في الماء بفرح وانشراح كمن استرجع حريته بعد أيام من الحجز.

         هذا باختصار ما تأتى لنا رصده شخصيا، أو جرده من أفواه المزارعين وأعضاء جمعية “تايافوت” وبعض منخرطيها عن بعض فصول الحوادث التي تعرضت لها عين أﮔلو، وأملنا أن نعود إليها لاحقا، أو يعود لها غيرنا لاستنتاج ما تسمح به من استنتاجات وخلاصات.

و قد صدرنا في المعطيات الخاصة بالحادثتين الثانية والثالثة بشكل خاص عن شهادات السادة:

أحمد إد بلقاسم                             الحاج ابراهيم باج

جمال المنصوري                     محمد بن الحسن أمارير

مولاي أحمد السملالي           عبد السلام السملالي

الحسين ماجد                             أحمد العبلاوي

الحاج العربي أمرير

مركز أﯕلو للبحث و التوثيق  

  جماعة اثنين أﯕلو

     إقليم  تيـزنيـت

—————————————-

1 ــ هو سيدي محمد بن عثمان من قرية إﮔﺮار، أنظر ترجمته في المعسول، ج 13، ص: 380.

2 ـ المختار السوسي، خلال جزولة، ح 1، ص: 86. انظر أيضا جامع بنيدير، أﮔلو البحر والعين وسيدي وﮔاﮒ، مطبعة الأمنية، الرباط 2010 ص: 299.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق