على هامش أمازيغية "أوعمو" في البرلمان

 

وذلك بمناسبة مرور سنتين اثنتين على ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية في الفصل الخامس القائل: “تظل اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها.

تعد الامازيغية أيضا لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء…”، هنا نطق الأستاذ المحترم ليطرح إشكالية تغييب الأمازيغية في البرلمان معتمدا ضمنيا على التتمة القائلة: “يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم ، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك حتى تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية…”.

الأستاذ سليل مدينة “تيزنيت” المنتخب حاليا على رأس بلديتها حن إلى الماضي فاستعاد أمجاد الآباء والأجداد الفقهاء والقضاة منهم والفلاحين الشرفاء ليطرح سؤالا بالأمازيغية المختلطة إلى حد ما مع الدارجة والعربية الفصيحة قائلا ما معناه: ” يحتفل المغرب هذا الأسبوع بالذكرى الثانية لدسترة الأمازيغية، لذلك من واجبنا كبرلمانيين استحضار مدى ترسيم هذه اللغة من عدمه؟ سكتنا عامين لا نتحدث الأمازيغية بالبرلمان.. وهذا تراجع على الدستور.. لا بد من أن نقف ونبحث عن المصداقية في الالتزامات مع الشعب.. الدستور هو الميثاق المتفق عليه بين الناس.. هل يُنفذ أم لا؟ لا بد أن نجيب على هذا السؤال اليوم.. يَبين لي سيدي الرئيس، بأننا في مفارقة كبيرة: البرلمان منعت فيه الأمازيغية.. يقولون بأنه لا وجود لوسائل الترجمة.. نحن في مفارقة لم يقبلها العالم.. الأسبوع الماضي كنت خارج الوطن وهنالك يقال لي: الأمازيغية في الدستور، ولكنكم لا تتحدثون بها.. هذا كذب على الناس..”.

إننا نعلم يقينا من أعماق قلوبنا أن الأمة التي تتحدث بلسان غيرها لا تستحق البقاء، إنها تبقى عاجزة بين الامم، لأن الشجرة كلما امتدت جذورها في الأرض رأيت الاغصان تعلو وتشتد. وهذا هو المنطق الذي آمنا به مذ نعومة أظفارنا مرورا بأيام الأعلام الملونة بالأزرق والأخضر والأصفر، ثم زمان “إدوكان” والزي الأمازيغي لفرض الذات في الأوساط الحضرية الكبرى حتى هذه اللحظة التي أخط فيها هذه الكلمات. لكن المتتبع لتطور الأحداث المرتبطة بلغتنا وهويتنا له أن يقف بتمعن لدى الكثير من الدلالات المصاحبة لحراك الوعي الأمازيغي بالمغرب خاصة، ثم شمال إفريقيا عامة.  وإذ كنت أنا واحدا من أبناء هذه الهوية حُق لي إذن أن أدافع عنها وأطرح ثلاث اسئلة أتمنى أن أوفق في الإجابة عنها كما يلي: – من يحق له الدفاع عن الأمازيغية؟ – هل يجوز استغلال الأمازيغية واحتكار تداول “النضال” لأجلها من طرف فئة ما داخل هذا المجتمع؟ – ثم، أيهما أولى: الأمازيغية كلغة أم كهوية بمكونها الإنساني؟

لقد طرق الأستاذ “عبد اللطيف أوعمو” مشكورا بابا كبيرا طرقته قبله (الفنانة) (المناضلة)، البرلمانية عن حزب الحمامة “فاطمة شاهو” المعروفة عندنا قبل دخول السياسة بمفهومها الحزبي الضيق اختصارا ب:” تبعمرانت” فأثارت بذلك جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية بين ربوع هذا الوطن الحبيب ثم تركت الباب شبه مفتوح أمام الكثيرين المنتمين للمؤسسة التشريعية من قبيل: “حكيم بنشماس” عن حزب “التراكتور” والبروفسور الضحوك بطبعه: “الحسين الوردي” فأبدعوا في الألفاظ الأمازيغية أيما إبداع يصاحب ذلك ضحك وتصفيق في بعض الأحيان. ولا ضير في هذا، فهؤلاء جميعا أبناء الأمازيغية قلبا وقالبا ممن رضعوها خالصة في الأثداء منذ نعومة الأظفار، فصارت لهم سندا وحضنا حتى اشتد عضدهم فوجب عليهم أن يهبوا للدفاع عنها بكل ما أوتوا من قوة ضد “الإقصاء” و”الحيف” الذي نمارس تسعا وتسعين بالمائة منه ونحن ندري أن ظلم ذوي القربى أشد. ولهذا يبقى للأمازيغ حق الدفاع عن أمازيغيتهم رغم اختلاف الإيديولوجيات والألسن والتوجهات دون استثناء، سائلين كانوا أم مسؤولين.

أما عن استغلال “النضال” باسم الأمازيغية والدفاع عنها لأجل تحقيق الأهداف الشخصية والضيقة، فهذا محض خطأ وقع فيه –والله أعلم- غالبية إخواننا الذين ما إن تربعوا على الكراسي المريحة وكونوا لهم قاعدة لا بأس بها في الأوساط المجتمعية حتى تركوا “النضال” الأمازيغي جانبا فحشروا أنفسهم في مواضيع لا تسمن ولا تغني من جوع واستأسدوا على أهم القيم والثوابت التي ارتضاها الأمازيغ ودافعوا عنها قرونا من الزمن، بل وضحوا لأجلها بدماء زكية طاهرة بقيت لحد اليوم مفخرة لهم بين الأنام، من قبيل وصف رسالة نبي الإسلام ب”الإرهاب” وغيرها من المواقف التي لا تقدم في شأن الأمازيغية ولا تؤخر، وبالتالي التأثير على جمهور لا بأس به من المتتبعين السذج الين ينحون منحى تقديس “شيوخ” الفكر في مخيلتهم..

جميل جدا أن نبادر ونطرح أسئلة بالأمازيغية تحت قبة البرلمان وهذه مبادرة تستحق التنويه في ظل دستور جديد وحكومة جديدة ومغرب القرن الواحد والعشرين، وجميل كذلك أن نغار على أمازيغيتنا، هويتنا ونحتج لأجلها ونضحي بالغالي عندنا بنية خالصة. لكن، يبقى دائما الوقوف مع أنفسنا وقفة صادقة لتقييم ما فات ولتسطير أهداف محددة للمستقبل أهم تًحدّ ينتظر الجميع أمام استحضاٍر لضرورة تنمية العقل المبدع في إطار تنمية بشرية شاملة إن على المستوى الفكري أو الاقتصادي ليصير فاعلا أساسيا في المجتمع لأنه به سيتحقق للأمازيغية الغريبة بين أهلها اليوم ذاتها وعزتها. وكما لا يخفى على أحد، فالأمازيغ اليوم وخاصة نحن أبناء المغرب لزام علينا أن نرفع هذا التحدي لأجل الذب عن الإنسان الذي يعد من أهم مقومات انتصار الأمازيغية كهوية لنا.

بقلم: أحمد اضصالح هبة بريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق