من يحمي المهندس بالقطاع العام ؟

أمل مسعود

خبر خطير و غريب على مجتمعنا و ثقافتنا تم تداوله بكثافة عبر الفايسبوك عن مهندس معماري يشتغل كرئيس قسم التعمير و البيئة بعمالة سطات تم تصفية الحساب معه عبر إدخاله إلى مصحة الأمراض العقلية لأنه وقف على خروقات تعميرية بالإقليم تشير بأصابع الاتهام إلى شخصيات نافذة.
و أنا أتأسف لما حصل لزميلي المهندس المعماري و أعلن تضامني المطلق معه في محنته، أتذكر حادثة أخرى كانت ضحيتها مهندسة مدنية بالرباط و قفت على اختلالات خطيرة بملفات تدبير شركات للنفايات ، فحاول مجهولون تصفيتها جسديا بالسلاح الأبيض ليقبر بعدها ملف الصفقة و ملف المهندسة بعد بضعة أيام من زوبعة إعلامية أثيرت حوله.
الحادثتين و إن اختلفتا في المكان و الزمان، تظهر بالواضح أن المهندس بالقطاع العام سواء أكان معماريا أم مدنيا يستحيل عليه الاشتغال كإطار تقني محايد مهمته الانكباب على دراسة الملفات من الناحية التقنية و القانونية و المسطرية الصرفة.
فالمهندس عندما يشتغل في بعض القطاعات التي تعنى بتدبير الشأن العام سواء المحلي أو الوطني كالجماعات المحلية و العمالات و الأقاليم و الوكالات الحضرية و وزارة التجهيز و النقل و وزارة التعمير… ، و إن كان حسب تكوينه الأكاديمي التقني، مطالب و مسئول على دراسة الملف و البث و التوقيع فيه، إلا أنه في ملفات متعددة يجد نفسه وسط حسابات و توازنات يبدو معها الجانب التقني و القانوني للملف هو الحلقة الأضعف و ليس بذي قيمة تذكر لو اعتمدنا على المقاربة الاجتماعية أو الأمنية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية.
فبعض المشاريع ، كتصاميم إعادة الهيكلة تثير جدلا قانونيا، و لكن لما تقدمه من حل اجتماعي عبر إدماج و تهيئة البناء العشوائي، و كذا تشجيع الطبقة المعوزة و الفقيرة في الحصول على السكن عبر البناء الذاتي، فإن المقاربة القانونية كثيرا ما يتم تجاوزها.
كما أنه و بحكم أن العقار من بين المشاريع الذي يتم بواسطتها تبييض الأموال الغير المشروعة و التي قد تستعمل كتمويل لعمليات إرهابية فإن المقاربة الأمنية أثناء دراسة المشاريع أضحت واجبا حتميا، بيد أن المقاربة الأمنية كثيرا ما تتعارض مع المقاربة القانونية و التقنية كما أنها ليست من اختصاص المهندس و لكنه قد يجد نفسه يوقع على نتائجها.
بعض المشاريع الاستثمارية تكون ذات صبغة خاصة، فهي مشاريع دبلوماسية بنكهة اقتصادية، هدفها بالأساس تعزيز أواصر الروابط بين المغرب و حلفائه الدوليين. هذا النوع من المشاريع، لا يمكن دراسته بالمقارية التقنية و القانونية الصرفة و إلا سيتم عرقلتها، مما قد يزعزع الثقة التي تسعى الدولة إلى بنائها مع الحلفاء. بيد أنه الليونة المعتمدة لدراسة هذا النوع من الملفات في الغالب يتحملها المهندس المعماري أو المهندس المدني الذي يوقع على المحاضر الإدارية و محاضر التسليم و نتائج الصفقات العمومية.
إنني هنا أتحدث عن ملفات حسن النية، و أفترض أن مختلف الأطراف تجمعها المصلحة العليا للدولة، و أفترض بأن التعمير لا يمكن أن يكون إلا مقاربة شمولية و ذلك انطلاقا من تعريفه ، فهو “فن تهيئة المدن كما أ نه مجموعة من الإجراءات التقنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية التي ستساعد على تطوير المجتمعات بشكل منسجم وإنساني”.
و لكن، ما بالك بملفات سوء النية، حيث يبدو المهندس و خاصة إذا كان مبتدئا أو نزيها كالحمل و سط الغابة المفترسة. فمختلف الأطراف متواطئة من أجل هدف واحد و هو الإيقاع بتوقيعه. فأي نعم لديه مسؤولية التوقيع على صفقات عمومية بالملايين ، أي نعم لديه مسؤولية التوقيع على مشاريع استثمارية بالملايير، لكن هل فعلا لدية استقلالية اتخاذ القرار؟ و هل لديه النفوذ و السلطة و القوة التي يتمتع بها أصحاب رؤوس الأموال و الشركات الكبرى؟ هل لديه شبكة العلاقات و المصالح المشتركة التي نسجها باقي أعضاء اللجنة بحكم أقدميتهم في دواليب الإدارة؟ بل هل لديه حماية و دعم رؤسائه المباشرين؟
أما عندما تقترب الانتخابات، و تزلزل الأحزاب زلزالها، و تدخل الحسابات السياسية الكبرى بين الأحزاب و تبدأ حرب التموقعات، فإن المهندس كثيرا ما يجد نفسه ضحية لصراع عمالقة السياسة. فما قضية جامع المعتصم بسلا التي توبع فيها مهندسين معماريين و مهندس دولة رهن الاعتقال بالمركب السجني بسلا إلا دليل على ذلك. فما إن أطلق سراح جامع المعتصم الذي تم تعيينه مباشرة مستشارا في المجلس ألاقتصادي حتى تم إطلاق سراح جميع المعتقلين.
فللأسف المهندس بالقطاع العام ، و رغم الكم الهائل من المسؤولية الملقاة على عاتقه، و رغم حجم العمل و الضغط الذي يتعرض له ، فهو يبقى الحلقة الأضعف وسط حقل ملغوم غير مهيكل. و ما إن يباشر مسئوليته، و عند كل زوبعة تعميرية تثار، و عند كل خبر غريب يقرؤه في صفحات الجرائد، إلا و ستجده يتحسس جبينه و يتساءل بفزع : هل سيكون التالي؟
أمل مسعود

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. Bonjour,
    Messieurs les Ingénieurs sont protégés par la lois comme les médecins et les juges
    L’Ingénieur Civil et l’architecte doivent faire leurs travail en toute neutralité politique
    le syndicat des ingénieurs et l’ordre des Architectes sont là pour défendre ce métier
    En tout cas chaque métier a ces contraintes et des risques qu’il faut maîtriser et ne pas se laisser intimidé
    Les responsables des Administrations avant de désigner une personne pour occuper un poste ils essayent de le mettre là où il faut en fonction de ses compétences techniques et morales

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق