أعلام الأسرة الكرسيفية : العلامة سيدي محمد بن بلقاسم العالمي الكرسيفي (1366هـ-1444هـ)

توطئة:

شاءت الأقدار الإلهية أن تتوالى على الأمة أخبار نعي الأعلام العظام، فبعد أسبوعين من رحيل أستاذنا في كلية الشريعة بأيت ملول العلامة الدكتور سيدي محمد شرحبيلي، ها نحن نتلقى نبأ وفاة الشيخ العلامة سيدي الحاج محمد بن بلقاسم العالمي الكرسيفي.

وإن من الوفاء للعلماء تخليد مآثرهم وذكر مناقبهم، لذلك رأينا أن نسرد بعض ما تيسر من سيرة هذا العالم الجليل رجاء تنزل البركات والرحمات.

اسمه ونسبه وأسرته:

سيدي الحاج محمد بن بلقاسم بن عبد الله بن محمد، ينتمي إلى فرع “أيت العالم” من الأسرة الكرسيفية، وهم ذرية سيدي بلقاسم بن محمد بن الحسن (ت.1182هـ)، ولا بد من الإشارة إلى أن المقصود هنا غير سيدي بلقاسم أفيلال صاحب سيدي خالد بن يحيى الكرسيفي اللذين عاشا خلال القرن التاسع الهجري، فالأول متأخر والثاني متقدم كما لا يخفى.

أما الأسرة الكرسيفية الكبرى فقد أسهب العلامة سيدي محمد المختار السوسي في الحديث عنها وخصها بحوالي 160 صفحة من الجزء السابع عشر من المعسول، فلا داعي لاستطراد الحديث عنها.

ولادته ونشأته ودراسته القرآنية:

ولد في شهر رمضان الأبرك عام 1366هـ -كما في رسالته للأستاذ عمر المتوكل الساحلي-  ببلدة أكرسيف قبيلة أمانوز ملحقة تافراوت.

قرأ الحروف الهجائية وبعض السور (من سورة الأعلى إلى سورة الزلزلة) لدى جده للأب سيدي عبد الله بن محمد، ثم رده إلى إمام المسجد سيدي الحاج المحفوظ بن عبد الله الكرسيفي فمكث عنده قليلا، ثم رده الجد إلى الوالد سيدي بلقاسم بجامع تارسواط بأمانوز، فختم عليه القرآن سبع ختمات.

شيوخه في العلوم:

والده سيدي بلقاسم: ابتدأ عنده حفظ المتون الصغار مثل الأجرومية والهمزية والبردة والمرشد المعين وغيرها. 

سيدي أحمد بن الحسن أبناو الدياني الإغشاني العلامة المشهور صاحب “سر الصباح” (ت.1313هـ/1993م): التحق به بمدرسة أيمور عام 1376هـ فلازمه سبعة أعوام تلقى فيها النحو والصرف بالأجرومية وجمل المجرادي، والزواوي في قواعد الإعراب ومعاني الحروف، ولامية الأفعال لابن مالك ومبنيات أباراغ ومبنيات الجشتيمي وألفية ابن مالكوالفقه المالكي بالمرشد المعين لابن عاشر ورسالة ابن أبي زيد القيرواني ومختصر خليل وفرائض الرسموكي وتحفة الحكام لابن عاصم، وأصول الفقه والبلاغة والمنطق والحساب والتفسيروسرد البخاري في شهر رمضان، وغير ذلك من العلوم المتداولة في القطر السوسي.

ولأن شيخه أبناو خريج المدرستين الإلغية والإفرانية، فلا عجب أن يكون الأدب ضمن برنامجه الدراسي، فقد ذكر المترجم أنه درس في هذا المحل مقصورة ابن دريد ومقامات الحريري ولامية العجم للطغرائي وعدد من الدواوين الشعرية مثل ديوان المتنبي . وقد أجازه هذا الشيخ إجازة عامة بتاريخ 5 رجب الفرد 1390هـ الموافق 1969م ثم أجازه بالطريقة التجانية كتابة يوم 22 ربيع الآخر 1412هـ الموافق 1992م.

سيدي محمد بن أحمد اليزيدي(ت.1308هـ/1988م): التحق به بمدرسة تافراوت -بإذن شيخه السابق عام 1383هـ- فاستتم دراسته العلمية معيدا بعض العلوم -التي سبق أن درسها- إعادة مراجعة وتعمق، لينهي بذلك مساره الدراسي متوجا بإجازة شفوية.

شيوخه بالإجازة وإجازته لغيره:

إضافة إلى شيوخه الثلاثة المتقدمين، فقد أخذ إجازة عن غيره، نذكر من مجيزيه:

سيدي يحيى بن عبد الرحمن الأدوزي: أحد مقدمي الطريقة التجانية في سوس، أجازه عامة كتابة وبالطريقة التجانية خاصة يوم الخميس 5 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق ل 20 ماي 2010م

سيدي مبارك بن محمد الساعدي الولياضي: أجازه عامة كتابة وبالطريقة التجانية خاصة.

ومحافظة على سنة الإسناد الحميدة وإسهاما في استمرار سلسلة الشيوخ، فقد أجاز المترجم أحد العلماء إجازة عامة وخاصة –والظاهر أنها لا تتضمن الإجازة في تلقين أوراد الطريقة لما لها من خصوصيات معلومة عند أهل الشأن- والمقصود بالذكر هنا العلامة المسند مفيدنا الدكتور سيدي محمد ححود التمسماني، فقد حباه الله عز وجل -أثناء زيارته مدينة تزنيت- بلقاء الشيخ المترجم، وأجازه شفاها وكتابة، بسط محتواها في كتابه “إرواء الخلان بذكر من لقيت وأجازني من العلماء والأعيان في الحواضر والبلدان” وهو مطبوع متداول.

أعماله ووظائفه:

افتتح المشارطة في مدرسة إزربي عام 1386هـ بتوجيه من والده، ثم انتقل إلى المسجد العتيق تارسواط .

كما تولى تدريس الفقه المالكي بتزنيت في إطار برنامج الكراسي العلمية، وإلقاء دروس الوعظ والإرشاد في الزاوية التيجانية المشور بتزنيت.

ثقافته وآثاره:

إن المترجم من العلماء المشاركين في مختلف العلوم المدرسة في المدارس العتيقة السوسية، المطلعين على تاريخه المكتوب والمسموع، خصوصا معلومات بلدته أكرسيف وما يتعلق بها فإنه جهينة أخبارها، ولم يمنعه تصوفه واعتناقه الطريقة التجانية –كغالب علماء أهله- من الحضور في المجتمع وحب الاكتشاف والتشوف إلى ما يدور في فلكه، ويظهر ذلك جليا في لقاءاته الإعلامية.

إن آثار العلامة المترجم كثيرة جدا، منها ما هو مطبوع ومنها ما بقي في خزانته، نذكر منها هنا ما تيسر:

-رسالة إلى الأستاذ عمر المتوكل الساحلي، ضمنها معلومات عن مدرسة إزربي وسيرته الذاتية، منشورة في الجزء الرابع من كتاب “المعهد الإسلامي بتارودانت والمدارس العلمية العتيقة بسوس” ص:191.

-مؤلف سماه “الكوكب الطالع على إزربي أمانوز البارع، عبر التاريخ السوسي المغربي الساطع، علميا وعمليا واجتماعيا وأخلاقيا وتكافليا في كل مجال نافع”.

-رحلاته المكتوبة، منها خمس رحلات حجازية واثنتان داخل الوطن.

-كلمات منشورة في أعمال ندوات ولقاءات عديدة منها لقاء أيت وافقا وتأبين سيدي محمد العتيق الإلغي (أفادني بذلك الفقيه الباحث سيدي الحسين أكزول).

-ديوان الخطب المنبرية.

-قصائد شعرية ورسائل.

وفاته:

توفي رحمه الله –بعد عملية جراحية بإحدى المصحات بأكادير- يوم الخميس 20 جمادى الأولى 1444هـ الموافق 15 دجنبر 2022م بمنزله بمدينة تزنيت، وفي اليوم الموالي دفن بعد الصلاة عليه بعد صلاة الجمعة في قريته أكرسيف، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

عبد العزيز بوشاطر

باحث في التاريخ السوسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق