محمد بن مبارك أجبابدي الباعمراني: الأستاذ الفقيه المناضل

بقلم: ذ.خليل بن محمد بن مبارك أجبابدي

تلبية لطلب مجموعة من محبي وأصدقاء وتلامذة والدي -رحمه الله- هذه نبذة وجيزة عن مساره العلمي والسياسي.

1-البداية:

إزداد والدي: محمد بن مبارك بن الحسين بن محمد بن إبراهيم بن سالم بن إبراهيم أجبابدي الباعمراني حوالي سنة 1937م بدوار إدسالم-إدواشتوك جماعة تيوغزى إقليم سيدي إيفني. وتوفي رحمه الله صباح يوم الإثنين 15مارس سنة 2021م بمدينة الدار البيضاء. وصُليت عليه صلاة الجنازة بمسجد الجامع الكبير بمدينة سيدي إيفني بعد صلاة الظهر يوم الثلاثاء 16مارس، وقبره بمقبرة بوكَرفا بآيت باعمران -بناءا على وصيته الشفهية مرارا، حيث دُفن مجموعة من أصدقائه وعلى رأسهم مولاي الحنفي أباكريم-.

2-مساره في التلقي التعليمي:

تلقى التعليم الأولي بمسجد قريته حيث ختم القرآن الكريم ، ثم تابع إعادة حفظ الذكر الحكيم بكل من مسجد قصبة أيتإعزى ومسجد ألوزاض(بآيت باعمران) لدى المقرئ سيدي الحسين بن لحسن عامري التادرارتي–رحمه الله- لمدة ثلاث سنوات.

ليلتحق بمدرسة سيدي بوعبدلي بأيتابراييم دارسا لكتب الأمهات الفقهية واللغوية على يد الفقيه سيدي ابراهيم بن عبد العزيز الأدوزي. ومنها إلى أيت عبلا بآيت باعمران ملازما للفقيه القاضي سيدي محمد أوبلوش بمدرسة الجمعة مدة سنة.

وبعد فتور وجيز عن التعلم، إلتحق بالمدرسة الجشتيمية بإمي أوكَشتيم دائرة تافراوت إبتداءا من سنة 1953م ليأخذ العلم عن العلامتين: الحاج محمد بن أحمد اليزيدي-أربع سنوات تقريبا- وسيدي صالح بن عبد الله الصالحي الإلغي لمدة سنتين )كان والدي يُبدي غاية الاحترام لسيدي صالح الإلغي ويُشيد بفرط ذكائه، ولم أره يُبد مثل هذا التوقير إلا للمناضل عمر الساحلي، رحمهم الله جميعا، أثناء زيارتنا إياه حين تواجده بمنزله بدواره قرب جماعة أربعاء الساحل. وكان سيدي صالح الصالحي بدوره يحتفي بوالدي غاية).

ثم طالبا لمدة ثلاث سنوات بالمعهد الاسلامي بتارودانت أواخر سنة 1959م.

صورة الإجازة التي تسلمها من شيخه العلامة محمد بن الحاج أحمد اليزيدي

3-في الوظيفة العمومية:

دَرَّس -رحمه الله- المواد الشرعية واللغوية كـ: التفسير والحديث والفرائض والأصول والآداب والعربية…

كما عمل -لمدة وجيزة (سنة أو أقل على ما أتذكر)- مسؤولا عن خزانة ثانوية الحسن الأول بسيدي إيفني، إنتهلت منها أيما انتهال أثناء مجالستي إياه فيها (هذا، مع ما نستفيد من خزانة الكتب بمنزلنا. فقد كان والدي شديد الاهتمام باقتناء الكتب، على غرار الفقهاء والأساتذة والمهتمين، فكانت ولا تزال بمنزلنا بسيدي إيفني كما في تيزنيت أو دوارنا إدواشتوك دائما هناك غرفة خاصة بالكُتب، نسميها: ‘المكتبة’.).

أواخر سنة 1962م: عمل أستاذا بالتعليم الابتدائي بفرع المعهد الاسلامي لتارودنت بآيت باها.

وفي سنة 1964: عمل مدرسا بالتعليم الابتدائي لمدة سنة بمدينة تارودانت.

ثم أستاذا بالمعهد الاسلامي إلى غاية سنة 1974م.

وإلى غاية 1980م عمل أستاذا لمادة التربية الاسلامية بثانوية الحسن الأول بسيدي إيفني (مما يؤثر عنه خلال تدريسه هذه المادة، فرضه اللباس المحتشم على الإناث والذكور على السواء، إلى جانب تشديده على حفظ نصوص القرآن والحديث التي يستدل بها في الدرس-وضرب من لا يلتزم بذلك- (أقول: الآن وقد غابت العقوبة في التعليم -الحقوق؟- غاب التعليم وضعُف التحصيل والاستدراك وغابت التربية والاحترام)).

ونظرا لنشاطه السياسي الحزبي ومواقفه النضالية، تمت مضايقته ورفاقه في النضال، فاختار الانتقال إلى مدينة تيزنيت أستاذا بالمعهد الاسلامي لمدة ثلاث سنوات (وقد عانت أسرتنا الصغيرة خاصة، ونحن في مدينة سيدي إيفني، أيما معاناة أثناء هذه الفترة، خاصة وأن والدتي، حفظها الله ورعاها، كانت قد خضعت لعملية جراحية للقلب بمدينة الرباط كُللت بالنجاح، ولكنها بقيت في الرباط لمدة تنيف عن السنة. فاجتمع علينا نحن الصغار: بُعد الأم وحضنها الحنون، وبُعد الأب أيام عمله بتيزنيت إلى حين عودته آخر الأسبوع. كما اجتمعت على والدي رحمه الله الغربة عن أبنائه وزوجته ومدينته)، ليرجع إلى ثانوية الحسن الأول بسيدي إيفني، إلى غاية تقاعده سنة 2000م).

وقد دُعي أثناء عمله بسيدي إيفني لتولي مسؤولية الخزانة بكلية الشريعة بآيت ملول، كما دُعي لوظيفة التعليم بمدينة العيون بالصحراء المغربية، ولكنه آثر البقاء في مدينة سيدي إيفني عاصمة قبائل آيت باعمران، ليتفرغ للنضال من أجل مصالح منطقته ومدينته.

رفقة بعض زملائه في التدريس بالمعهد الإسلامي بتارودانت وعلى رأسهم سيدي أحمد زكرياء الباعمراني وسيدي عبد السلام الدرقاوي والدي ضمن الوفد الباعمراني الذي استقبله المرحوم الحسن الثاني في ماي 1974 بالقصر الملكي بالرباط

4-النشاط السياسي والنقابي:

-إنخرط منذ سنة 1961 في حزب الاتحاد الوطني الذي سيصبح حزب الاتحاد الاشتراكي لاحقا.

-شارك في جميع المؤتمرات الحزبية للاتحاد الاشتراكي، على جميع المستويات الجهوية والاقليمية والوطنية للحزب.

-إنخرط في الأنشطة النقابية والسياسية، ونشر مقالات في هذا الاطار داخل وخارج المغرب.

-نشر مقالات وأسهم في إعداد الملتمسات لفائدة سكان مدينة سيدي إيفني ومنطقة آيت باعمران.

5-إنتاجه العلمي والسياسي:

-نشر ما يزيد على أربعين مقالا في جريدة ‘الميثاق’ لسان رابطة علماء المغرب، الرابطة التي كان عضوا نشيطا فيها.

-كتب مقالات متعددة اجتماعية وسياسية وتاريخية، بجريدة المحرر وجريدة الاتحاد الاشتراكي (حدث يوما أن أمرني قائلا:’إذهب واجلب لي الجريدة من المكتبة’ فسألته مستفهما: أية جريدة تقصد؟ فرد كالمستنكر: وهل هناك جريدة غير جريدة ‘الاتحاد الاشتراكي’؟-…..).

-الاشتراك في المحاضرات والندوات العلمية والسياسية بكل المدن التي عمل بها.

-الارشاد الديني بمدينة سيدي إيفني. والتأطير للأئمة بجماعة تيوغزى إقليم سيدي إيفني.

-عمل موازاة مع التعليم، لمدة، خطيب الجمعة بالزاوية الدرقاوية بسيدي إيفني.

 

مشاركته في تكريم سيدي امحمد العثماني مشاركته في ندوة الأسر العلمية بأيت باعمران
ترجمة لشيخه سيدي محمد بن الحاج أحمد اليزيدي مقال صحفي حول الذكرى الخمسينية لانتفاضة آيت باعمران ضد محاولة التجنيس سنة 1947

هذه إطلالة جد بسيطة على بعض الجوانب من حياة والدي رحمه الله، وإلا فسأحتاج إلى صفحات لبسط مساره التعليمي طالبا ومدرسا، وأخرى لمساره الديني خطيبا مرشدا وصوفيا، وأخرى لمساره السياسي النقابي، وأخرى لحياته الشخصية وعلاقته بأقربائه وأصدقائه.

رحم الله والدي سيدي محمد بن مبارك أجبابدي الباعمراني، ونور قبره وجعله روضة من رياض الجنة، وغفر له ذنبه وتجاوز عن سيئاته وبارك في حسناته. اللهم ارحم المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

صورة لوالدي مع شيخه سيدي عبد السلام الدرقاوي –رحمهما الله جميعا-بموسم الطريقة الدرقاوية صورة لي مع شيخ والدي ‘سيدي صالح الصالحي الإلغي’ على يساري، و’سيدي إبراهيم ريس’ فقيه مدرسة إكَضي العلمية
مع والدي -رحمه الله- أثناء حديثه مع مولاي الهاشم من زاوية تاكَانت رفقة وفد برلماني في زيارة لمدينة سيدي إيفني

في تيزنيت يوم 20 أبريل 2021، بقلم:

ذ.خليل بن محمد بن مبارك أجبابدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق