تقرير عن رحلة مركز أكلو للبحث والتوثيق إلى مغارة "إيفري إيحشّا"

مغارة إفري إحشا 2

       في اهتمام منه بالمواقع الجيولوجية، والمآثر التاريخية بالجماعة،وضع “مركز أﮔلو للبحث والتوثيق” برنامجا مفتوحا لرحلات دراسية إلى بعض المواقع التي تواتر ذكرها في الذاكرة المحلية، مثل “إفريإيحشّا”، و”تاﮔاديرت ن بيرومين”، والنقوش الصخرية بجواميز “تيمزضاون” وغيرها، وذلك لما لوحظ في أحاديث الساكنة عنها، عبر الأجيال، من خلط راسخ بين ما هو أسطوري وما هو  خيالي وما هو واقعي، فبات من اللازم شد الرحال إليها، رفقة المهتمين من مثقفي البلدة وفعالياتها الجمعوية، بغرض استكشاف ما قد تختزنه من خبايا ودلالات عن تاريخ المنطقة وساكنتها، أو التأكد على الأقل من صحة أو خطأ ما يقال عن تلك الخبايا والدلالات.

          في هذا الإطار نظم المركز زيارته الأولى إلى موقع “إفريإيحشّا”يوم 7/11/2013 وذلك في رحلة ضمت 26 مشاركا ومشاركة، من مثقفي البلدة وفعالياتها الجمعوية، ومراسل صحفي من موقع تيزنيت24، وقد انطلق الجميع على الساعة الثامنة والنصف صباحا مشيا على الأقدام، من أمام مدرسة سوس العالمة بالزاويت، صعودا في اتجاه دوار “أوكّان” الذي وصلته الطلائع الأولى حوالي الساعة التاسعة والنصف، وبعد زيارة لأطلال الحي القديم لهذا الدوار، وتناول وجبة الفطور بالجناح التابع للمسجد، استأنف المشاركون مسيرتهم، عبر مسالك جبلية وعرة، صوب دوار “إيبخشاش”، حيث كانت تنتظرهم السيارة التي تحمل مختلف لوازم الرحلة من أدوات وأواني والمواد الغذائية اللازمة، ونظرا لوعورة المسالك المؤدية إلى المغارة فقد تم توزيع هذه اللوازم على المشاركين الذين تولوا حملها، كل على قدر استطاعته، إلى عين المكان.

             واصل المشاركون سيرهم محملين بهذه اللوازم في اتجاه المغارة التي يبدو أن أحدا منهم لم يكن متأكدا من موقعها بالضبط، ولا من الطريق المؤدية إليها، وبدت الرحلة في هذه المرحلة كأنها استكشافية، فتعددت الآراء واختلفت حول الوجهة الصحيحة، وانتشر المشاركون في هذا الاتجاه وذاك، إلى أن التقينا بأحد الرعاة الذي دلنا على الطريق الذي لولاه ما كنا سنسلكه لشدة وعورته.

          تقع هذه المغارة على بعد حوالي كيلومترين غربي “إيبخشاش”، على السفح الجنوبي لـ”أﮔوني” الذي يحمل أيضا اسم “إيحشّا”، فهي إذن تحمل اسم هذا الفج العميق، وهو مجرى صخري للسيول، يمر شمالي دوار “إيبخشاش”، في اتجاه البحر إلى غربيه، عميق في بدايته، ويزداد عمقا كلما اتجه إلى الغرب ليصل إلى أبعد مدى له، وهو في تقديرنا أزيد من  100 متر عند موقع المغارة، حيث يشتد انحدار سفحي  المجرى، مما يصعب معه النزول كما الطلوع من وإلى قعر المجرى، وكذا من وإلى موقع المغارة.

          انحدرت الطلائع الأولى من المشاركين من أعلى السفح إلى المغارة، وطلع إليها آخرون ممن قدموا عبر الوادي من جهة الغرب، ووصل الجميع  إلى مدخلها حوالي منتصف النهار، وانطلقت فئة منهم  فورا إلى اكتشاف عمقها وأخذ صور لجنباتها، فيما انصرفت فئة أخرى إلى جمع الحطب وإشعال النار قصد إعداد الشاي أولا، وأخرى إلى إعداد وجبة الغذاء، وقد تبين  أثناء هذه الاستعدادات أننا قد نسينا السكر في “أوكّان” حيث تناولنا وجبة الفطور، وأننا نسينا تماما إحضار كؤوس الشاي، فتكفل شابان على التو بالذهاب لإحضار ما نحن في حاجة إليه من دوار “إد الطالب”، ولم يغيبا طويلا فعادا ومعهما ما يلزملإعداد الشاي للجميع، هكذا، وكل صعب على الشباب يهون.

          في انتظار طعام الغذاء، جرد المشاركون مصابيحهم الكهربائية، وواصلوا،فرادى وجماعات،استطلاعاتهم لمجاهل المغارة، إضافة إلى محيطها، ومجالها الجغرافي بشكل عام، وتخلل ذلك تبادل ثنائي إلى ثلاثي أو رباعي  للآراء والملاحظات وكذا للافتراضات حول تاريخ المغارة وأبعادها الهندسية، وما إذا كانت مسكونة أو مهجورة، طبيعية أو إنسانية وثقافية،وبشكل خاص حول ما يحكى عنها في الذاكرة المحلية من أساطير وحكايات، وما إلى ذلك مما هيأ الجميع للمشاركة في المناقشة التي انتظمت بعد ذلك حول هذا الموضوع.

مغارة إفري إحشا

          لم يتأخر النداء إلى تناول طعام الغذاء،فانقسمنا إلى أربع مجموعات قوام ثلاثة منها ستة أفراد، فيما قوام الرابعة سبعة أفراد، غير أنا واجهنا،بسبب وعورة المكان، صعوبات في اختيار المساحات الكافية لتحلق كل مجموعة على طعامها على شكل حلقات كالعادة، فتدبرت كل مجموعة أمرها في أماكن متباعدة، وتدبر كل أمره في اتخاذ مكانه ضمن مجموعته، فتحلقوا على الطعام كيفما اتفق، فكان أن أضفت هذه الصعوبات عناصر من التشويق، ومن الجديد الذي ليس مألوفا على هذه المرحلة من الرحلة مما لابد أن يجد مكانه ضمن ذكريات المشاركين.

          بعد الانتهاء من تناول طعام الغذاء بدا لأحد المشاركين أن يرفع صوته مؤذنا لصلاة الظهر، لكن ليس من أعلى مكان كما جرت بذلك العادة، وإنما من قعر الوادي الذي انحدر إليه منفردا، فتردد صدى صوته المؤثر على طول هذا الفج وبين جنباته، مما لا بد له كذلك أن يجد مكانه ضمن ذكريات المشاركين، فتوضأ البعض منهم وصلى على انفراد، إذ لا مسافة كافية لإقامة الصلاة بشكل جماعي.

          انساب الوقت سريعا، وأخذت لحظات العودة تقترب، وكان لابد قبلها من الاستماع إلى ملاحظات المشاركين ومعرفة انطباعاتهم وآرائهم عن مغارة “أﮔنيإيحشّا “، وتقويمهم للرحلة بشكل عام. فإذا كان ما كنا نسمعه من القيل والقال عن “إفريإيحشّا” كثيرا، وكانت المعطيات التي تساق عنه مختلفة في مضامينها و منطلقاتها ومرجعياتها، فما الذي أكدته هذه الزيارة، مما تكون لدينا نتيجة لذلك عن هذه المغارة من أفكار وتصورات ، وما الذي كذبته، وما الذي غيرته؟

خلاصات

          من أجل مقاربة هذه التساؤلات وغيرها، تجمع المشاركون أمام مدخل المغارة، وتولى أحدهم تنظيم تدخلاتهم التي يمكن إجمال الخلاصات التي انتهت إليها فيما يلي:

1 ـ من حيث أبعادها الحالية تبلغ مسافة المغارة من مدخلها إلى أقصى نقطة أمكن الوصل إليها 105 أمتار، ويمكن تجاوز هذا الحد إذا ما تمت إزالة الأتربة والأحجار التي يبدو أنها سقطت لاحقا وحالت دون التعمق في المغارة أكثر، بمعنى أن عمق المغارة ربما أكثر من عمقها الحالي.

          أما عرض مدخلها فهو سبعة أمتار، ونفس المسافة أو أكثر قليلا في مقاطع بوسطها، وأقل من ذلك عموما كلما اتجهنا إلى داخلها، فيما يصل ارتفاع أعلى مقطع منها إلى ثلاثة أمتار ونصف.

2 ـ التأكيد على أن هذه المغارة طبيعية المنشأ، وذلك منذ زمن موغل جدا في القدم، مما لا قبل للحديث عنه إلا لعلماء مختصين، وعلى الرغم من غياب حديث عنها من هذا القبيل فإنا لا نرى أي داع للقول بأنها من فعل البشر.

3 ـ كذا لا شيء،سوى الجهل بها، يبرر القول بأن للبرتغال علاقة بهذه المغارة، ولا بغيرها من مآثر طبيعية وتاريخية بالبلدة،  فليس من المقبول أن نتنازل عن كل ما هو هام من تراثنا المادي واللامادي وننسبه عن طواعية إلى البرتغال وغير البرتغال.

4ـ وضع ما يروج عن المغارة من تفسيرات وحكايات ذات المنحى الأسطوري الغيبي(1) في سياقه الثقافي، وذلك من حيث هو محاولات بدائية لتفسير الظواهر الطبيعية التي يحار الإنسان في معرفة مصادرها وأسبابها، ومن ثم رفض كل التفسيرات الجاهزة ذات الصلة بهذا المنحى،باعتبارها عوائق إيبيستيمولوجيىةتحول دون البحث الجاد.

5 ـ في ارتباط بهذا المنحى أجمع المشاركون على شجب الممارسات التي تتعرض لها المغارة، من طرف المشعوذين الذين يبحثون عن الدفائن والكنوز، مما من شأنه نشر الدجل وتخريب معالم المغارة.

6 ـ ليس في المغارة، كما هي عليه حاليا، ما يؤشر على أنها كانت مسكونة من البشر، وذلك من قبيل النقوش أو ما إلى ذلك من رسوم وكتابات على صخورها، باستثناء كتابات حديثة العهد في جوانب من مدخلها، وليس فيها حاليا حتى ما يفيد أن الرعاة كانوا يأوون بأغنامهم إليها، غير أن من شأن القيام بالحفريات في مواقع معينة منها أن يصحح مثل هذه الأحكام،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ  هي حكايات عديدة منها ادعاء أن معزة دخلت من المغارة وخرجت بعيدا في عين أﮔلوبأماراغ، وحكاية أخرى عن معزة كلمت الذي حملها من المغارة قاصدا بها أحد الدواوير المجاورة وأمرته بردها إلى حيث أخذها.

ونشير إلى أسراب من الحمام البري هي التي اتخذت سقف المغارة مساكن لها كما تفيد ذلك فضلاتها المتكومة في العديد من الأماكن بأرضية المغارة، وقد نغصنا عنها اليوم راحتها فهاجرت أعشاشها، وظلت من حين لآخر تقوم بغارات في سماء الموقع في انتظار رحيلنا.

          هذه هي أهم الخلاصات التي يمكن أن نخلص إليها من هذه الرحلة، وهي خلاصات من زوار غير مختصين، مما يعني أنها قابلة للتعديل والنفي أو التأكيد ، ومما يعني أيضا أن زيارة المغارة قد غيرت بعض التصورات التي لدينا عنها، وطرحت بدلا منها تساؤلات وتساؤلات.

توصيات:

        من التوصيات التي تخللت مداخلات المشاركين ما يلي:

1 ـ إنجاز خريطة عامة لجماعة أﮔلو تشتمل من بين ما تشتمل عليه على مختلف المواقع والمآثر التاريخية التي تحتضنها هذه الجماعة، قصد التعريف بها.

2 ـ حث مصالح الجماعة على الانخراط في الاهتمام بهذا القطاع من خلال وضع علامات التشوير قصد إرشاد من يهمه الأمر إليها.

3 ـ تنظيم رحلات استكشافية أخرى إلى كل من “بيرومين” وإلى موقع النقوش الصخرية، وذلك في أقرب الآجال.

بقلم : جامع بنيدير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق