المدارس المغربية.. مُسلسل تراجيدي لعُنف مُتبادل بين التلميذ والأستاذ

3onf

يبدو أن لمسلسل الاعتداء المتبادل داخل أسوار المؤسسات التعليمية بين أطر التدريس والتلاميذ، فصولا تراجيدية لا تريد أن تنتهي بعد. فمِن تلميذ أو والده اعتدى على أستاذ بالضرب والجرح إلى تلميذ مكسور الأطراف أو الأسنان.

ولعل من بين آخر الاعتداءات، تعرض أستاذ نواحي آسفي إلى تعنيف من طرف والد أحد التلاميذ ساقه إلى المستشفى من أجل تضميد جراحه عبر خمس غرز على مستوى الأنف، إلى جانب اعتداء طال إحدى الأستاذات أواخر أكتوبر المنصرم نواحي مراكش والتي كان من نصيبها لكمة على مستوى الوجه حددت مدة عجزها في 30 يوما.

في الجانب الآخر، يجد العديد من التلاميذ والتلميذات أنفسهم عرضة لعنف مبالغ من طرف الأستاذ، كان آخرها تعرض خولة التزراني، البالغة من العمر اثني عشر عاما لكسر في القدم ورضوض على مستوى العنق، بعد عدم إنجازها إحدَى الواجبات المدرسية، إلى جانب طفلة تارودانت التي لم تتجاوز السابعة من عمرها والتي فقدت ثلاثة من أسنانها بفعل قوة ضربة تلقتها على الرأس من طرف أستاذها ليصطدم رأسها بالطاولة والحكايات كثيرة.

التلميذ المغربي.. “معجون” بالعنف

من جانبها، تساءلت الأستاذة بمجموعة مدارس “بوروطا” نواحي مدينة قلعة السراغنة مريم مسرار، عن الطريقة الناجعة التي يستطيع معها الأستاذ التعامل مع تلميذ تربّى في وسط عائلي يمارِس عليه العنف منذ سنواته الأولى، وأخذِه على إنجاز واجباته المدرسية دون اللجوء إلى العقاب البدني الخفيف بعيدا عن العنف المبالغ فيه والذي قد يسبِّب أزمات صحية ونفسية لاحقة والتي ترفضه بشكل قاطع.

أستاذة التعليم الابتدائي وفي تصريح لهسبريس، ترى أن للتلميذ المغربي شخصية معجونة بالعنف، تجعله يستجيب لأوامر الأستاذ والانتباه أكثر عن طريق النَّهر والصراخ والتهديد بالعقاب والعقاب البدني خصوصا ، أزيد من مُحاولة إقناعه بأن عدم إنجاز واجباته ومذاكرة دروسه قد تجعله “يتخاصم” مع أستاذه، لأن التلميذ لا يجد أدنى مشكل في أن يتم إخراجه من القسم أو أن يُحرم من بعض الأنشطة أو أن يُغضِب أستاذه، لكن الضرب والتعنيف أكبر مشاكل التلميذ التي تجعله يراعي إنجاز واجباته المدرسية ويهتم بها.

وحول أسباب اعتداء التلاميذ على الأساتذة خصوصا في مراحل الإعدادي والثانوي، تعتقد المتحدثة أن النظرة العامة تجاه الأستاذ أصبحت تتسم بنوع من الدونية والاحتقار، ” عندما يرى الآباء آثار التعنيف على يدي التلميذ مثلا، لا يتوانَونَ لحظة في سبِّ وشتم الأستاذ وقذفه بأقبح النعوت أمام مسمع الأبناء، ما يشكل نوعا من الاستصغار للأستاذ تكبر مع التلميذ، في الوقت الذي كنا فيه حين تمدرسنا، نمتنِع عن إخبار آبائنا عند تعرضنا للعقاب مخافة أن تصبح العقوبة مضاعفة جراء التهاون؛ فالأستاذ دائما على حق وهي النظرة التي تغيرت اليوم”.

التلميذ يفجر كَبتَه الاجتماعي داخل المدرسة

قال رشيد الجرموني الباحث في سويولوجيا التربية، أن بعض التلاميذ المغاربة يُعانون من العديد من المشاكل المجتمعية والنفسية والأسرية، لا تسمح بمعاملتهم بالطريقة الاعتيادية بل عبر مزيد من المواكبة والاهتمام.

وأضاف المتحدث في تصريح لجريدة هسبريس، أن فئة من التلامذة تعيش ظروفا صعبة، وتأتي إلى المدرسة في محاولة لتفجير الكَبْت الاجتماعي التي تعيشُه خارجها إلى جانب الكبت النفسي والاقتصادي، الأمر الذي يتحول إلى عنف عبر أقل استفزاز أو إهانة يعيشها. موضحا أن حالات الاعتداء المتكررة على الأساتذة أصبحت ظاهرة وابتعدت عن كونها حالات معزولة، وهي تقدِّم مؤشرا خطيرا ارتِباطا بالعلاقة الجديدة التي أصبَحت تربطُ المجتمع المغربي بالمدرسة، ولعل تمثله البارز هو التوترات داخل الفصول المدرسية، حيث من بين الأساتذة من يفكر في تقديم استقالته لأنه أصبح يعتبر القسم “ساعات في الجحيم”.

المُدرِّس فقد قيمته الرمزية الاعتبارية

ويرى الباحث في علوم الاجتماع، أن المجتمع المغربي يعيش تراجع قيمة المدرسة والقيم بصفة عامة، الأمر الذي ظهر بشكل كبير على مستوى تلاميذ الجيل الحالي الذي يؤمن بالحرية أكثر من أي وقت مضى ولعله يعيش بعض أجواءها، حيث أصبح التلاميذ يتمرَّدون على المدرسة وعلى سلطة المدرسة حتى أصبح التحدث عن انهيار دور المدرسة والمدرس، لم تعد للمُدرِّس قيمته الرمزية والاعتبارية.

ومن بين الأمور التي تغذي هذه الظاهرة، أشار الخبير في علوم التربية أن نظرة الآباء والمجتمع لدور المدرسة وللأساتذة شابها نوع من الحقد والاستصغار ولم يعد المدرس يتمتع بمكانة في المجتمع ودائما يُنظر إليه بصورة التّقديح، ولعل النكات التي تروج عن الأساتذة والمعلمين تعكس هذه العلاقة المتوترة؛ إضافة إلى نعت الأساتذة بـ”المشاغبين ومُثيري الفوضى” من طرف السلطات العليا بالبلاد في مرحلة سابقة، مما حط من قيمة المدرسة والمدرسين.

أما في ما يتعلق بالأساتذة والمدرسين؛ “فهم أيضا لم يعودوا يتمتعون بالدور الريادي للمعرفة، حيث أن حقل هذه الوظيفة أصبح يعرف نوعا من الامتياز بعيدا عن عالم التَّميُّز والعلم” يقول الجرموني الذي يقترح إنجاز دراسة عميقة من أجل تفسير ظاهرة العنف.

وأشار المتحدث، إلى ضرورة توفر المؤسسات التعليمية على أطباء نفسانيين ومساعدين اجتماعيين، “فلا يمكن تحميل الأساتذة أكثر من قدراتهم وتكليفهم بالدعم النفسي أو إعادة التربية، والعلم لا يستقيم مع الشعور بالإحباط”.

ماجدة أيت لكتاوي

هيسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق