روبورتاج بجريدة المساء : تيزنيت مدينة الفضة بالمغرب

معرض

“أحلى الكلمات لها تأثير أقل على المرأة من المجوهرات الصامتة”، بهذا المثل الأمازيغي، ودعت تيزنيت نهاية الأسبوع المنصرم مهرجان “تيميزار للفضة ” في نسخته الرابعة، تحت شعار “الصياغة الفضية، هوية، إبداع وتنمية”، وذلك في ظل غياب أي دراسة تشخيصية لواقع الحرفيين بمدينة تيزنيت ونواحيها الذي يشكو من جملة من “الاختلالات والتعثرات” التي قال عنها الحرفيون بأنها “تؤثر سلبا على المحصلة العامة للمنتوجات التقليدية بالمنطقة، وتعيق تنمية أوضاع المشتغلين بها رغم الاعتراف الرسمي بمدينة تيزنيت كمدينة للفضة بامتياز على الصعيد الوطني”.

بعد صراع محموم … تيزنيت مدينة الفضة

تمكنت مدينة تيزنيت من الحصول مؤخرا على صفة مدينة الفضة، وذلك في إطار صراعها المحموم مع مدينة الصويرة التي دافعت كثيرا عن أحقيتها في الحصول على هذه الصفة وانتزاعها من منطقة معروفة بمادتها الخام وبكثرة الصناع التقليديين فيها، لكن اللجنة الوطنية المكلفة بتتبع الملف قررت في نهاية المطاف، منح الصفة الفضية لمدينة تيزنيت، على اعتبار أن الاحتفاء بهذا المنتوج التقليدي يجب أن يتوجه أساسا لمبدعي التحف التقليدية من الصاغة المنتشرين بتيزنيت، وليس للباعة الذين يكتفون فقط بالمتاجرة في التحف الفنية وبيعها بالصويرة وغيرها من المدن المنتشرة بمختلف تراب الوطن.

وحسب منظمي المهرجان “الفضة” فإن تيمة المهرجان تعتبر بمثابة مشروع تنموي محلي يسعى لتثمين المنتوج التقليدي من الفضة، يساهم في تسويق صورة مدينة الفضة على أوسع نطاق، وذلك كله في انتظار رسم المعالم الأساسية لمهرجان الفضة بمواصفات وطنية ودولية، مضيفين أن مهرجان الفضة يأتي في سياق الاستجابة لمطمحين أساسيين، أولهما يتعلق بالساكنة المحلية، والثاني يرتبط بتحسين أوضاع المشتغلين في ميدان الفضة، فضلا عن إبراز المكنون الطبيعي للإنسان المحلي، عبر إخراج موضوع الفضة من البعد المحلي إلى البعدين الوطني والدولي، في أفق تنظيم صالون دولي للفضة على غرار ما تم في تجارب أخرى كتركيا على سبيل المثال.

أنامل مبدعة 

النسخة الرابعة لمهرجان الفضة، عرفت تألق عدد من الصاغة التقليديين من أبناء المنطقة، بعرض جملة من المنتوجات الفضية التي نحثثها أناملهم في صالة شبيهة بالسور العتيق بالمدينة القديمة لتيزنيت، تم تثبيتها بساحة المشور التاريخية.

            وقد حاول الحرفيون المغاربة، وإلى جانبهم حرفيو الفضة بدول أجنبية كفرنسا وتركيا ونيجريا، إبراز مهاراتهم اليدوية على الحلي الفضية، عبر وضع أشكال هندسية ترمز للتراث المحلي، وتعبر عن كون الفضة رمزا من رموز الحضارة العريقة، ورافدا من روافدها التنموية والاقتصادية.

كما تمثلت أبهى مظاهر التألق لدى حرفيي المنطقة، في إنتاج أكبر خنجر فضي مرشح للحصول على رقم قياسي في موسوعة “غينيس” العالمية، صُنع هيكله من الخشب، كما تم تغليفه بالمعدن، فيما يبلغ طوله ثلاثة أمتار، وقد استغرقت مدة إنجازه شهرا ونصف من العمل اليومي الدؤوب، بمبلغ إجمالي وصل إلى 15 ألف درهم على مستوى المادة الأولية، كما تم إدخال عدة تحسينات عصرية عليه، دون أية نقوش تقليدية حتى يبدو خنجرا يصلح استعمال أمثله في مناسبات عديدة.

ومعلوم أن مدينة تيزنيت، كانت ولا تزال سوقا رائجة لبيع منتوج الفضة الأصيل، وهو ما زاد حسب جمعية “تيميزار للفضة” من عدد ممتهني حرفة الصياغة الفضية الذين يشتغلون في أكثر من 150 محل لصنع وبيع الحلي، ويتوزعون على قيساريات وأسواق المدينة العتيقة  (اللوبان، النور، عزيز، البركة)، ، فيما يتركز معظمهم بالمحلات المطلة على ساحة المشور التاريخية، وبمجموعة من الأسواق المحيطة كـ (سوق الباشا، أقشوش، الدلالة، وسوق الجازر القديمة)، علاوة على مركب الصناعة التقليدية المتواجد بشارع 20 غشت، ووحدات إنتاجية أخرى بأحياء المدينة العتيقة، دون احتساب البازارات المنتشرة والصياغين المشتغلين بمنازلهم الخاصة داخل المدينة القديمة.

وقد حرص المنظمون للمهرجان على إبراز أهمية الفضة (النقرة) من خلال إبراز دورها وارتباطها الوثيق بالهوية الحضارية والتاريخية والثقافية للمنطقة، فضلا عن رمزيتها كحاملة لقيم إبداعية وجمالية كموروث مادي منقول، خاصة وأن تقنية “حلية المشبك الفضي” المعروف محليا باسم “تازرزيت” تشكل مثالا ونموذجا واضحا لاندماج تيزنيت في محيطها الثقافي والقبلي، على اعتبار أنها تستوحي زخارفها ورسومها ورموزها وأشكالها الهندسية من لتراث المحلي، إلى درجة أنها أصبحت ركزا للمدينة برمتها.

ومعلوم أن الحلي الفضية بتيزنيت، تخصص عادة لتزيين المرأة على الرأس والصدر، ولتزيين العنق والبطن واليدين، وعاد ما يستعمل “التاج” المرصع بالزجاج الأحمر والأخضر في تزيين الرأس، و”الخلالة بالحجاب” و”النقود القديمة” في تزيين الصدر، كما القلادة المرصعة بالأحجار الكريمة في تزيين العنق، فضلا عن استعمال “المضمة” المرصعة بالزجاج الممزوج بالنقود القديمة من الفضة فوق اللباس حول البطن، و”الدملج بالربع الحساني” في تزيين اليدين.

تقنية “النيال” مهددة بالاندثار

            إحياء هذه التقنية المهددة بالاندثار تم عبر ورشة اختار منظمو المهرجان أن تضم مجموعة من الصاغة الراغبين في تعلم إدماج “النيال” الذي استخدمه اليهود القاطنين بتيزنيت في صياغة حليهم ومتوجاتهم الفضية، وذلك على أمل توظيفها مجددا في المصوغات الفضية.

            ويشير أحد الصاغة في لقاء مع “المساء” إلى أن تقنية تطعيم الفضة بالنيال الأسود، تبدأ برسم الأشكال الهندسية على الورق لتيم تقطيعها بعد ذلك بواسطة آلة حادة تسمى “الشفرة” فيما تسمى العملية برمتها بـ”التخرام”، وبعد التقطيع وتبيان الزخارف، توشح القطعة بمادة “النيال الأسود”  التي يتم إعدادها مسبقا.

            وحسب نفس الصائغ، فإن تقنية “النيال” يتم فيها طلاء الفضة على اعتبار أن لون مادة “النيال” لون أسود يسمح بإضفاء نوع من الجمالية على الحلي المصنوعة، والتي يمتزج فيها اللون الأسود بالأبيض، ويُصنع من مادة الكبريت والزئبق الأسود والرصاص وقليل من الفضة، كما يُهيأ في إناء خاص يسمى “البوط” ويُشترط فيه أن يكون جديدا، وأن يكون تحت درجة حرارة متوسطة، حيث يضاف إليه الرصاص والكبريت  والزئبق، ليُسْبَكَ بعدها في مسباك (عبارة عن قالب)، حيث يصبح قابلا للاستعمال على درجة حرارة خفيفة جدا، حيث يتم تذويب “النيال” على قطعة الفضة بشكل خفيف يشبه إلى حد ما ذوبان قطعة الشمع.

            وبعد تهييء الحلي الفضية التي تضم حفرا مزركشة ذات جمالية وأشكال هندسية متقابلة ومختلفة، يتم طلاء المصوغ الفضي بمادة “النيال” على درجة حرارية منخفضة جدا، حتى تعم المادة جل المصوغ، ثم يحتفظ به في مكان بارد لمدة ساعة من الزمان على الأقل، وفي حال ما إذا كانت درجة حرارة المصوغ مرتفعة فإن مادة “النيال” معرضة لظهور فقعات ونتوءات تجعله معرضا للضياع وتفقده جماليته في نفس الآن، وبعد الاحتفاظ به في درجة حرارية منخفضة لمدة ساعة واحدة يحك بمبرد لإزالة مادة “النيال” الخارجة عن الحيز الأبيض في الوقت الذي يتم فيه الاحتفاظ بمادة النيال الموجودة بين مداخل القطعة الفضية، ليتم  بعد ذلك تلميع المصوغ كلية بآلة خاصة حتى يصبح قابلا للعرض والبيع.

            ومعلوم أن المصوغ الذي يضم مادة “النيال” غير قابل للذوبان على الإطلاق، على اعتبار أنه معرض للكسر والإتلاف في حالة تذويبه، كما أن التفاعلات الكيميائية التي تحدث عند عملية التذويب لا تسمح بذوبان مادة الرصاص التي اصطلح الصاغة على تسميتها بـ “لجدام”، ونظرا لصعوبة توظيف هذه التقنية في المصوغات الفضية، فإن عددا من الصاغة المحليين يعمدون إلى توظيف تقنية “التخرام” التي ساعدت كثيرا على توظيف “النيال” في المصوغات الفضية المحلية.

السوق الأصيل

يعتبر السوق الأصيل من أقدم الأسواق التقليدية التي تحتضن العديد من الورشات المتخصصة في الصياغة الفضية، لكن واقعه المزري يحول دون جعله قبلة سياحية كغيره من أسواق الفضة بالمدينة، خاصة وأن أشغال إصلاحه تأخرت كثيرا إلى درجة تضرر معها الحرفيون الذين يملكون محلات تجارية به.

وقد احتج تجار السوق الأصيل في مناسبات سابقة، ضد تأخر أشغال تهيئة السوق الأصيل بالمدينة بشكل لم يعد مقبولا لدى التجار والحرفيين الذين يعانون يوميا مع الأشغال المتوقفة أحيانا والبطيئة أحيانا أخرى، فبعد انطلاقها في الرابع عشر من شهر يناير من سنة 2012، استبشر التجار خيرا، وانتظروا إتمام تهيئة السوق بفارغ الصبر، خاصة وأنهم تلقوا وعودا مباشرة من العامل السابق بإعادة هيكلته، وجعله من الأسواق الهامة بالمدينة على صعيد ترويج المنتوجات التقليدية المحلية، لكن انتظارات العاملين به، سرعان ما تلاشت بتأخر الأشغال لمدة تزيد عن ثلاث سنوات.

وفي لقاء مع “المساء” قال بعض المتضررين إن “السوق المعروف محليا بـ”تيكمي ن النقرة” وعند البعض الآخر بسوق “سي بلعيد”، بحاجة إلى التفاتة حقيقية، وإلى عناية خاصة جدا، باعتباره أول سوق بالمدينة، ساهم في تخريج عدد لا يستهان به من حرفيي الفضة الكبار، علاوة على أنه يتمتع بمقومات تاريخية تؤهله للقيام بدور طلائعي في تسويق الفضة، وغيرها من المنتوجات التي اشتهرت بها يد الصانع المحلي”، وطالب المتحدثون بـ”الإسراع في إتمام الأشغال المتعثرة، وإنقاذهم من الإفلاس الذي يهدد محلاتهم المتضررة من تأخر الأشغال”، داعين إلى العناية بالبنايات الأثرية بالمدينة حفاظا عليها من الاندثار، باعتبارها منتوجا سياحيا مرتبطا بنشاط اقتصادي يحدد مستقبل المدينة، بإمكانه أن يكون رافعة للتنمية، خاصة وأنه يتعلق بأهم خصوصية تميز الإقليم عن غيره من الأقاليم. ومعلوم أن السوق الأصيل بمدينة تيزنيت، أنشئ بالمدينة منذ سنة 1846، وقد كان قبلة لسياح المدينة من مختلف الأعمار والأصناف، قبل أن تنافسه العديد من الأسواق المحدثة بالمدينة، ومحلاته التجارية تتواجد الآن في عهدة الصناع التقليديين، الذين ورثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ عدة عقود.

بقلم محمد الشيخ بلا ,,, جريدة المساء عدد السبت 31 غشت 2013

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق