ربورتاج: طلبة الحي الجامعي بأكادير وسط أجواء روحانية في صلاة التراويح

بثياب طاهرة، تفوح منها روائح زكية، يسارع طلبة الحي الجامعي في جوف مدينة أكادير خطواتهم كي يلحقوا  بالمصلين، وهم متوجهين نحو مسجد الحي فرادى ومثاني ومجموعات… طلبة، يهرولون في سكينة نحو بيت الله المتواضع في آخر ركن من رحاب الحي الجامعي. يلتمسون نفحة قدسية وبركة ربانية يتكرم بها رب العزة على عباده في كل ليلة من ليالي رمضان… في الطريق نحوالمسجد ذاته، نطق ـ عبد الله أنوض ـ طالب بكلية العلوم، البالغ من العمر 24 ربيعا، وهو أيضا قاطن بالحي الجامعي،  يقول وهو يخلف خطواته ورائه، أجيئ إلى هذا المسجد يوميا لأنه يجلب أجود المقرئين والحافظين لكتاب الله من الطلبة من مختلف أجنحة الحي…

يبدأ العشرات من الطلبة بالتوافد  بعد صيام يوم كامل، من غرفهم المرقمة بين الأزقة الضيقة لكل جناح…  ينسابون من على سلاليم إسمنتية متموجة كشلال منهمر، لكنه صامت وهادئ… يتجهون نحو مسجد الحي، يقول القاطنون أن مساحتة لا تتناسب وعدد الأفراد القاطنين بالحي، يتوزعون على حصيرة وزربية. منهم من يتلو القرآن ومنهم من يصلي ركعات، ومنهم من يذكر الله ويسبحه.  تساووا فيما بينهم في النهار بنفس الجوع ومصارعة النفس والأهواء. والآن يسارعون في الأجر والثواب،  خشوع وسكون غريب ينزل على المكان، لا يكسره شيئ.

يقول  “محمد.أركنوس” وهو طالب في شعبة الكمياء، الحقيقة أنني لا آتي هنا بسبب القراء وحدهم، ولكن لهذا الحشد الكبير من الطلبة، والذي يصبح في لحظات قليلة ساكنا وخاشعا، وهو مشهد يجعلني أشعر بالرهبة والدفئ، ويشعرني بنعمة كبيرة غير ظاهرة وهي نعمة الأمن التي يفتقد إليها رحاب الحي خارج رمضان.

على جنبات المسجد وفي جميع أرجاءه وفي داخله، ينتصب مجموعة من الشباب. هم كانوا من قبل متعادين حسب انتمائهم الفصائلي، واليوم حريصين على ملئ وتسوية الصفوف، وإزالة أي حسابات من حقد وكراهية قد تفسد خشوع الصلاة، يتوحدون أمام الله، لكنهم يختلفون فيما يحملون من أفكار.

يصدح صوت الآذان ويعلو في سماء مدينة أكادير مناديا لمن تأخر لقيام صلاة العشاء والتراويح… هاهو أحمد، أحد الطلبة في شعبة الدراسات الاسلامية يتوسد رجليه ليخصص بضع دقائق قبل الصلاة لجرد بعض فضائل هذا الشهر المبارك… يقول أحمد والبشاشة تبدوا على محياه :إنها والله لنعم ورحمات تتنزل في هذا الشهر الفريد، هذا الشهر العظيم. كيف لا وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم. تشعر فيه النفوس بالتخلص من سفاسف الأمور التي تلهينا طيلة العام حتى يطل علينا الشهر الفضيل، والذي قال فيه نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: ـ جاءكم المطهرـ. إنه حقا وصدقا، لمطهر من جميع الآفات والأدران لمن صفت نفوسهم وخضعت واستسلمت لبارئها عز وجل… واختتم الطالب أحمد داعيا الله: إنها لرحمات نعيشها وأمن وطمانينة في هذا البلد الطيب السعيد. سائلين من المولى جل في علاه أن يديمها علينا وعلى جميع المسلمين في بقاع الكون كله. كما نسأله الهداية لمن لم يذق بعد هذا النعيم سواء من أهلنا وأحبتنا وأقاربنا أو من الإنسانية جمعاء. وان يجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن وان يفرج كرب المكوروبين وينفس هم المهمومين ويشفي مرضى المسلمين إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد دقائق قليلة، يدخل أحد الطلبة القاطن بالحي شاب يتقطر حيوية ونشاطا، ختم القران في سن الرابعة عشرة… يقال أنه أمَّ سكان بلدته من قبل في سن مبكرة… هاهو ذا اليوم يكبر لإقامة صلاة العشاء من داخل الحي الجامعي. بدأت الصلاة، آيات بينات من طالب شاب قادم من أحد مداشر جهة كلميم واد نون يؤم المصلين، حفظ القرآن في سن مبكرة مع والده في الكتاتيب.

أتناء الصلاة تسلم النفوس إلى بارئها وتخشع القلوب وتنصت الأرواح لآيات من القرآن الكريم، فيسكن العشرات من  الطلبة ملبين نداء الرحمان وراجين الرحمة والغفران في شهر العتق من النار، إحساس يقول عنه  ـ عبد الله أنوض ـ لا يمكن لهذا الإحساس أن يوصف، لكن يمكن القول أن رمضان هو شهر الرحمة والتواب.

هي صلاة التراويح، صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة ثم ترك الاجتماع عليها  مخافة أن تفرض على أمته رأفة ورحمة بهم، لكن المسلمين استمروا في صلاتها جماعة بعد أن جمعهم سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بإمام واحد، لتصبح التراويح من أهم مظاهر العبادة التي تجمع وتوحد المسلمين، واستمر المغاربة بعدهم يؤدون هذه السنة النبوية العظيمة، مؤكدين على تشبتهم بعقيدتهم وهويتهم الإسلامية الراسخة والمتجدرة.

هكذا ضلت أجواء التراويح في قلب الحي الجامعي بأكادير توقظ نفوسا فتزكيها كل حين، وستستمرحتى آخر يوم من هذا الشهر المبارك.

من إعداد: هشام بوفقير

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق