دسترة الأمازيغية أي سبيل لتجاوز الأزمة؟

التجاني الهمزاوي

دسترة الأمازيغية أي سبيل لتجاوز الأزمة؟

في البداية لابد من توجيه الشكر الخالص لمنظمة تماينوت بإنزكان التي بادرت لتنظيم هذا اللقاء، وشرّفتنا بفرصة المشاركة فيه.

لو كان الزمن غير الزمن، ولو كان الوقت مازال يسمح ببسط المقترحات بشأن دسترة الأمازيغية وتفعيل طابعها الرسمي، لقدّمتُ أمامكم إنتاجات أزطـّا أمازيـغ بهذا الصدد. ولكن، سأستنكف عن ذلك لاعتبارين اثنين:

أولا: لأن هذه الأدبيات متاحة ومنشورة بشكل يسمح للجميع الاطلاع عليها. ويتعلق الأمر ب:

–  التصريحات السنوية حول وضعية الحقوق الثقافية واللغوية بالمغرب:2012،2013،2014،2015.

–  التقارير المقدَمة لهيئات المعاهدات بالأمم المتحدة: تقرير الاستعراض الدوري الشامل 2012، تقرير لجنة حقوق الطفل 2013، تقرير لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 2014.

–  مشروع مقترح القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية دجنبر 2012.

–  مذكرة بشأن القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية 2013.

–  مذكرة ودراسة حول القانون التنظيمي للجهات والجماعات الترابية 2014.

–  دراسة بشأن مظاهر التمييز ضد الأمازيغية في القانون المغربي 2014.

ثانيا: لأن الوضع الراهن تجاوَز مستوى التداول والنقاش ليصل إلى وضعية “الأزمة”، وسنعمل على تبرير هذا الوصف أي “الأزمة”، وسنعالج التحديات التي يطرحها هذا الوضع، مع التركيز على تحدّيين أساسيين في اعتقادنا، الأول يهم مختلف الفاعلين والثاني يخص الحركة الأمازيغية.

لماذا وضعية “أزمة”؟

إن المتتبع للشأن الأمازيغي يعي جيدا أن المستجدات الدستورية لسنة 2011 فيما يخص دسترة الأمازيغية، شكلّت مجالا أساسيا لاشتغال النسيج المدني الأمازيغي، وذلك بغاية المساهمة الفاعلة في وضع أسس تفعيل المقتضيات الدستورية ذات الصلة بالأمازيغية.

ولكن بعد مرور أربع سنوات ونصف على التعديل الدستوري، يمكن الجزم بسهولة أن هذا الورش ما زال يراوح مكانه، ولم يحقق نتائج تذكر. لذلك وصفنا الوضع بالأزمة، استنادا للعناوين والمؤشرات التالية:

  1. عناوين الأزمة: خارج النص الدستور

رغم التعديلات الدستورية المشار إليها آنفا، لم يتم تسجيل إلغاء النصوص القانونية التي تكرس التمييز ضد الأمازيغية، ولم تتم القطيعة مع ماضي التمييز السائد قبل الدستور.

فمازال العمل جارٍ بهذه النصوص رغم أنها تخالف الدستور، مثلا: قانون توحيد المحاكم المغربية لسنة 1965 الذي يجعل من اللغة العربية لغة التقاضي بالمغرب، قانون الحالة المدنية ومرسومه التطبيقي الذي يمنع تسجيل الأسماء الأمازيغية، القانون المنظم للدراسة في المعاهد الموسيقية الذي لا ينص على تعليم الموسيقى الأمازيغية في هذه المعاهد.

للأسف رغم المستجدات الدستورية، استمرّ نزيف إصدار قوانين وممارسات مُكرّسة للتمييز في الحاضر، نذكر منها على سبيل المثال:

–       مرسوم لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة صادر في 12 أكتوبر 2012 بنشر دفتر تحملات القنوات العمومية والذي منح للأمازيغية حصة بث لا تتجاوز 6.55 % من مجموع 29 مؤسسة إعلامية عمومية.

–       القرار المشترك لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية صادر في 19 شتنبر 2012 بتحديد شروط ومعايير وطرق صرف دعم إنتاج الأعمال السينمائية، حيث نصت المادة 3 منه صراحة: “على أن يكون السيناريو مرفقا بنسخة باللغة العربية في حالة تقديمه بلغة أخرى”.

–       لائحة الموشحين بأوسمة ملكية لم تتضمن اسم أي فنان أو مبدع بالأمازيغية في حين، تم توشيح كل من هب ودب من لغات وثقافات أخرى.

إذا كان هذا حال الماضي والحاضر، فالمستقبل كذلك لا يبشر بخير، حيث أن الرؤية الاستراتيجية في مجال التعليم، تسعى إلى جعل المتعلم عند نهاية التعليم التأهيلي متمكنا من اللغة العربية قادرا على التواصل باللغة الأمازيغية، متقنا للغتين أجنبيتين على الأقل، وذلك ضمن مقاربة متدرجة تنتقل من الازدواجية اللغوية)العربية + لغة أجنبية( إلى التعدد اللغوي )العربية + لغتين أجنبيتين أو أكثر(. في غياب تام لموقع الأمازيغية في المسار التعليمي، التي تتم برمجتها فقط في التعليم المدرسي، دون غيره من الأسلاك. كما أن العربية تستفيد من امتياز كونها لغةإجبارية في الأسلاك الجامعية لجميع التخصصات. )انظر الرافعة 13 من الرؤية الاستراتيجية(.

  1. مؤشرات الأزمة الدستورية ذات الصلة بالأمازيغية:

–  يأتي هذا النقاش قبيل أسابيع من افتتاح آخر دورة برلمانية في هذه الولاية التشريعية، مما يجعل الزمن عامل ضغط سيؤثر لا محالة، سلبا، على ورش الترسيم.

–  المخطط التشريعي للحكومة قلب الأولويات رأسا على عقب، فالقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية يعتبر قانونا مؤسسا، كان من المفروض أن تستند إليه قوانين تنظيمية أخرى )الجهات والجماعات – المناصب العليا – مجلس البرلمان – السلطة القضائية …إلخ(. مما يحدّ من تأثير هذا القانون المنتظر ويحجّم امتداداته الدستورية.

  1. مجالات الأزمة الدستورية ذات الصلة بالأمازيغية.

الأمازيغية في الدستور:

ـ الديباجة جعلت الأمازيغية أحد مكونات الهوية الوطنية، ولكن لا دليلَ على استبطان هذا التغيير والذهاب بعيدا بالبُعد الحضاري الأمازيغي في المناخ السياسي والمؤسساتي المغربي، نموذج سياسة الدولة في المنظمات الدولية التي تنتمي إليها، والتي لم تقدّم فيها أية إشارة لتدويل التعدد اللغوي والتنوع الثقافي الذي يزخر به المغرب، ويضمنه الدستور )منظمة اليونسكو نموذجا(.

ـ الفصل 5: الفقرة 4 تنص صراحة على أن قانونا تنظيميا سيحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.

الشكل الرسمي الوحيد لتفعيل هذا المقتضى الدستوري هو ما أقدَم عليه السيد رئيس الحكومة من خلال إحداث بريد إلكتروني لتلقي مقترحات في هذا الشأن، وقد يبدو هذا الإجراء في ظاهره ديموقراطيا، باعتبار أنه يفتح مجالا رحبا لمشاركة الجميع في هذا الورش. ولكن هذا ليس كاف فهناك مستويات مختلفة من التراكم والخبرة، لا يمكن معاملتها بنفس الأسلوب، نقصد هنا الحركة الأمازيغية والكفاءات الأكاديمية والعلمية.

ـ الفصل 5: الفقرة 6: هنا ينص الدستور على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره.

تفعيلا لهذه الفقرة، شهدنا تشكيل أغرب لجنة في تاريخ الحوارات العمومية بالمغرب، حيث تم إحداثها في سرية تامة، وتمّ إدراج أسماء منظمات مدنية في عضوية اللجنة دون علمها مما يعتبر تدليسا. كما اتسمت اللجنة بعدم الحسم في عدد الأعضاء حيث تمت إضافة أعضاء آخرين في إطار جبر الخواطر. والأهم في هذا المقام هو أنه منذ انطلاق عمل اللجنة بتاريخ 11 نونبر 2015 لم تسفر بعد عن أي منتوج.

أما بخصوص العمل البرلماني فلم تسجّل هذه الفترة أي ترافع ناضج وفعال من أجل الأمازيغية لدى مناقشة قوانين الجهوية والميزانية والعرائض والعدالة، بل تم تسجيل مواقف وسلوكات مشينة اتجاه مستعملي الأمازيغية في البرلمان.

أما بخصوص المبادَرة لتقديم مقترحات القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ودون الدخول في التفاصيل والوقائع، فأقصى ما يتم تداوله في البرلمان هو المشروع الذي أنتجته أزطا أمازيغ.

  1. التحديات:

أهم تحدٍ يُطرح على مختلف المتدخلين هو التوافق بسرعة حول مضامين القوانين المنتظرة في ظل اختلاف مرجعياتهم، وأعتقد أن الاستناد للمرجعية الدولية لحقوق الإنسان باعتبارها قاسما دستوريا مشتركا، يمكن أن يجيب على هذا التحدي.

التحدي المطروح على الحركة الأمازيغية، هو الحفاظ على استقلاليتها، وألا يتم استعمالها لاستعداء الناس ضد الحكومة والحزب الذي يرأسها، خاصة أن الواقع أثبت أن الجميع يتعامل مع الحركة الأمازيغية بمنطق “إن غابت لا يسأل عنها وإن حضرَت لا تستشار”، تجاهل يتم تغليفه بشعار الأمازيغية مِلك لكل المغاربة، دون تحديد المسؤوليات. نحن جميعا مذنبون تعني أن ليس هناك مذنب، إن الاعتراف بالخطيئة الجماعية أفضل طريقة للحيلولة دون اكتشاف المذنبين الحقيقيين، أو كما عبّر عنه الشاعر الأمازيغي يوبا في قطعة شعرية رائعة:

as lli niv giv amaziv

iggut mad innurzmn d imawn

illa maynnan tgit tagat

illa maynna trit takat

ufiv ixfinu uriyi ihul

ivav ttavn nv av ttalvn

————————————–

 

التجاني الهمزاوي – الكاتب العام لأزطّــا أمــازيغ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق