الوصاية على الجماعات من خلال مشروع القانون التنظيمي  رقم 14.113  

الجماعات

تعتبر الجماعات الترابية حسب الفصل 135 من الدستور “أشخاصا إعتبارية خاضعة للقانون العام تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية و تنتخب مجالس الجهات و الجماعات بالإقتراع العام المباشر”, أما الفصل 145  فيتحدث عن مساعدة “الولاة و العمال رؤساء الجماعات الترابية ” علىتنفيذ مخططات التنمية “كما يمارسون المراقبة الإدارية” .من هنا قد يتساءل المرء عن العلاقة القائمة بين مجلس منتخب بإرادة شعبية لتصريف الشؤون المحلية و “موظفين”  يمثلون سلطة حكومية أراد  لهم القانون الأسمى للبلاد توفير “المساعدة” و “المراقبة” في آن واحد؟ و لتدبير هذه العلاقة نص الفصل 146 من ذات الدستور على قانون تنظيمي يوضح الاختصاصات و شروط التدبير للجماعات .

من خلال مشروع القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات و الذي صادق عليه مجلس النواب في دورة أبريل الماضية سنحاول إبراز بعض النقاط التي قد تنافي ما جاء في قسمه التمهيدي و الذي يتحدث عن “شروط تدبير الجماعة لشؤونها بكيفية ديمقراطية” خصوصا ما تعلق بوصاية وزارة الداخلية من خلال العمال أو من ينوب عنهم على هذه المجالس و هي النقطة التي كانت دائما مثار جدل بين الأحزاب السياسية الوطنية خصوصا المتواجدة في صف المعارضة و التي تبين بمرور الزمن أنها ليست إلا ورقة  تفاوضية لتحسين المواقع ما دام الجميع تقريبا قد اختبر تدبير الشأن العام و الأمور لم تتغير كثيرا في اتجاه استقلالية أكبر للجماعات.

 

أولا دورات المجلس و جدول أعماله

تعد دورات المجلس العادية محددة بحكم القانون لكن الدورات الاستثنائية ربطها مشروع القانون التنظيمي في مادته 36 بطلب الرئيس أو ثلث الأعضاء شرط موافقة الرئيس أو الأغلبية المطلقة. و تعقد بعد خمسة عشر يوما .في حين يمكن عقد هذه الدورة بطلب من العامل أو من ينوب عنه في أجل عشرة أيام و بجدول أعمال يحدده هذا الأخير. و هنا مفارقة إذ كيف اصبح مجلس منتخب يمثل المواطنين غير قادر على الاجتماع  الا بشروط بطلب من منتخبين و بدون شروط اذا كان الطلب من السلطات المحلية ؟و كيف لا يمكن لذات المجلس عقد دورة استثنائية لدراسة عريضة مقدمة من طرف المواطنات و المواطنين أو جمعيات المجتمع المدني لدراسة حالة مستعجلة؟؟

و بخصوص جدول الأعمال يلاحظ كذلك امتياز سلطة الوصاية على المنتخبين. فحسب المادة 39 يمكن للعامل او من ينوب عنه بحكم القانون إدراج كل النقط التي يريدها في جدول أعمال المجلس في حين لا تدرج عرائض المواطنين و المواطنات و جمعيات المجتمع المدني الا بعد قبولها من طرف المجلس كما  يمكن رفض إضافة أية نقط في جدول أعمال الدورات  و التي يتقدم بها أعضاء المجلس بصفة فردية أو عن طريق الفريق الذي ينتمون اليه الا إذا كان الطلب مقدما من طرف نصف عدد أعضاء المجلس.

هذا و يمكن للعامل او من ينوب عنه الاعتراض على كل نقطة مدرجة في جدول الأعمال يراها لا تدخل في اختصاصات الجماعة و بالتالي امكانية اللجوء للقضاء الاستعجالي و لا يمكن للمجلس التداول في هذه النقطة  حتى يبت فيها القضاء  تحت طائلة عزل أعضاء المجلس أو حله أو توقيفه حسب المادة 41.

 

 

ثانيا قرارات المجلس الجماعي

يعد برنامج عمل الجماعة و النظام الداخلي للمجلس أولى القرارات التي يتخذها المجلس الجماعي المنتخب .وهنا تبرز وصاية جهاز الداخلية من خلال العمال و من ينوب عنهم, حيث تتحدث المادة 78 من مشروع القانون التنظيمي للجماعات عن تنسيق المجلس مع العامل في  وضع برنامج عمل الجماعة دون تفصيل ماهية التنسيق. أما النظام الداخلي للمجلس فللعامل أن  يتعرض عليه أو على أي مقرر للمجلس و على هذا الأخير بعد التعرض إجراء مداولات جديدة و في حالة إصراره على قراره فإنه يتم وقف تنفيذه الى حين استصدار حكم القضاء الاستعجالي بطلب من العامل أو من ينوب عنه طبقا للمادة 117.

يمكن للسلطات الحكومية المكلفة بالداخلية أن تتخذ بموجب قرار جميع الإجراءات اللازمة لحسن سير المرافق العمومية  الجماعية  و يمكن للولاة و العمالحسب الحالة ممارسة بعض المهام  بتفويض من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية كما جاء في المادة 112 من مشروع القانون التنظيمي للجماعات و الذي أعطى عامل العمالة أو الإقليم مهام المراقبة الإدارية على شرعية قرارات رئيس المجلس و مقررات مجلس الجماعة من خلال وجوب تبليغ نسخ من محاضر الدورات و مقررات مجلس الجماعة و كذا نسخ من قرارات الرئيس المتخذة في إطار السلطة التنظيمية إلى العامل أو من ينوب عنه داخل أجل 15 يوم طبقا للمادة 116. و عليه فلا تكون مقررات المجلس الواردة في المادة 118 و عددها سبعة قابلة للتنفيذ الا بعد التأشير عليها من طرف العامل أو من ينوب عنه في أجل عشرين يوما أما المقررات الخاصة بالتدبير المفوض و شركات التنمية المحلية فلابد لها من تأشيرالسلطة الحكومية المكلفة الداخلية.

 

 

ثالثا ميزانية المجلس و التعيين في المناصب

يتم التعيين في جميع المناصب بإدارة الجماعة بقرار لرئيس الجماعة لكن تلك المتعلقة بالمناصب العليا لا بد لها من تأشير السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية حسب المادة 127

أما فيما يخص الميزانية فلابد أن تعرض على تأشير العامل و في حالة عدم اعتماد الميزانية قام عامل الإقليم بوضع ميزانية التسيير كما جاء المادة 188 من مشروع القانون التنظيمي للجماعات .وإذا رفض العامل الميزانية المعتمدة من طرف المجلس وجب عرضها مجددا على المجلس للتصويت  و في حالة لم يأخذ رئيس المجلس بعين الاعتبار أسباب رفض التأشير تقوم الداخلية بوضع ميزانية بعد استفسار الرئيس طبقا للمادة 195 من نفس المشروع.

 

من خلال كل ما سبق يتضح أن جهاز الداخلية لا يزال باسطا سيطرته على الجماعات الترابية خصوصا الجماعات التي يلزمها التأشير على كل قراراتها التي تتخذها بشكل ديمقراطي بعد مداولات المجالس .كما أن جدول أعمال الدورات يتدخل فيه العمال و من ينوب عنهم من خلال إضافة نقط أو طلب حذف أخرى بل من حقهم دعوة المجلس لعقد دورات استثنائية بجدول أعمال  موضوع كليا من طرف سلطات الوصاية.

لكن مع كل هذا يظل المأمول انتخاب مستشارين جماعيين ذوي كفاءات عالية تخفف من حدة هذه الوصاية الشيء الذي يستلزم تكوين المنتخبين و تأهيلهم قانونيا من طرف أحزابهم في ظل التساؤل عن عدد المرشحين المحتملين للانتخابات المقبلة المطلعين على القوانين المنظمة لسير شؤون الجماعات؟

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق