قضية الصحراء.. الملف الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الانتظار

ليس فقط على مستوى التوازنات الإقليمية والأوضاع الأمنية في المنطقة، ولكن أيضا كنزاع أصبح يؤرق بال الدول الكبرى بشكل غير مسبوق.
ووضع التقرير الأممي مشكل الصحراء في إطار التحديات المختلفة التي يطرحها، خاصة تطورات الوضع في مالي، حيث أورد التقرير أن هناك اهتماما شديدا لدى مجموعة أصدقاء الصحراء بإيجاد حل لهذا النزاع وتفادي استئناف الأعمال العدائية، حيث وصفت إحدى الدول، التي قام المبعوث الشخصي بزيارتها، الحالة في المخيمات ب«القنبلة الموقوتة»، غير أن الوضع في مالي، حسب ما أورده التقرير، لم يوفر لحد الآن زخما جديدا للمفاوضات على الرغم من التهديدات التي يشكلها.
وما يزيد في حدة التحديات المرتبطة بالوضع ب«تندوف»، في علاقته بالتطورات الجارية بدولة مالي، انسداد الأفق وحالة الإحباط لدى الشباب الصحراوي، حيث أكد التقرير أن هذه الإحباطات تجعل الشباب هدفا مغريا للتجنيد من قبل الشبكات الإجرامية والإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
ولم يفوت التقرير الأممي الإشارة إلى الدور الجزائري في أي حل مرتقب للملف، خاصة أنه أكد على «ضرورة المضي قدما في تحسين العلاقات بين المغرب والجزائر، وتبادل الزيارات على المستوى الوزاري الذي أدى إلى زيادة الاتصالات والتعاون بين الطرفين»، حيث حث الأمين العام للأمم المتحدة البلدين على «مضاعفة جهودهما لكي يتسنى لهما التمتع بالفوائد التي يمكن أن يجنياها من تحسين العلاقات وفتح حدودهما المشتركة تحقيقا لمصلحة المنطقة ومصلحة المجتمع الدولي ككل».
وفي هذا السياق، يرى محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، أن «الملاحظة الأولى على مستوى التقرير هي عودة ثقة المغرب في المبعوث الأممي، وهذا تحول إيجابي، والملاحظ هو نوع من التوازن في تقرير روس بعدما لوحظ سابقا أن هناك انحيازا واضحا للمبعوث الأممي لصالح الطرف الآخر».
والملاحظة الثانية التي يثيرها العمراني بوخبزة، تتمثل في أن «التقرير الأممي قدم قراءة في القضية بشكل غير معزول عن الإطار الذي توجد فيه قضية الصحراء، لأنه فيما قبل كان الحديث عن الملف كأنه يهم ثلاثة أطراف، لكنه اليوم لم يعد مرتبطا فقط بهذه الأطراف الثلاثة، لأن هناك واقعا في دول جنوب الصحراء والساحل ومستجدات أمنية تؤرق القوى الكبرى».
وتحدث أستاذ العلاقات الدولية عن وجود «مشكل آخر يتعلق بانتشار الأسلحة خاصة بعد انهيار نظام القذافي وظهور قوة كبيرة في المنطقة لم تعد محصورة في الحدود الجغرافية لإقليم دولة معينة، وهناك من تحدث عن تنظيم القاعدة والتنظيمات الموالية له، والمعطى الآخر هو أن التقارير تتحدث عن تورط عناصر من البوليساريو في حالات تتعلق بالحروب أو اختطاف رعايا دول أجنبية، وكذلك أن هناك نقاش حول مآل المساعدات التي تمنح لمخيمات تندوف، وبالتالي السياق لم يعد يسمح بنظرة تجزيئية للقضية».
وأكد بوخبزة أنه «عندما أثار المغرب حيادية المبعوث الأممي فإنه وضع النقط على الحروف، ولا بد أن هناك «صفقة» ما بين الأمين العام للأمم المتحدة والمغرب، إضافة إلى الاتصالات الهاتفية بين الملك محمد السادس والأمين العام للأمم المتحدة حول طلب المغرب سحب الثقة من روس، وربما أن هذا دفع المبعوث الأممي إلى أن يعيد النظر في منهجية الاشتغال، ثم أن يعيد النظر في طريقة إعداد التقارير»، حيث سجل أنه «على هذا المستوى كان من المتوقع أن يكون التقرير الذي سيعده في آخر المطاف محايدا وألا يكون منحازا كما كانت العادة في السابق».
وشدد بوخبزة على أن «السياق لم يعد يسمح بالانحياز لأن هناك قوى كبرى عبرت بشكل علني وواضح عن دعمها لمشروع الحكم الذاتي، وهذا المعطى يجب أن يأخذ بعين الاعتبار من قبل المبعوث الأممي، لأنه اتضح جليا بأن الحل السياسي هو الأنجع وأن المشروع المقدم هو حل سياسي، فهو مشروع سياسي لحل هذا الإشكال».
لكن المثير في التقرير هو الموقف من قضية حقوق الإنسان، التي شكلت محطة مواجهات متكررة بين الأطراف المتنازعة، بل وتحولت إلى «فزاعة» تروج لها الأطراف الأخرى كلما سنحت لها الفرصة بذلك، في محاولة لطمس حقيقة الأوضاع في مخيمات اللاجئين في تندوف فوق التراب الجزائري.
وعلى الرغم من إشادة التقرير بالجهود التي بذلها المغرب على مستوى حقوق الإنسان، والدور الذي لعبه المجلس الوطني، وأيضا فتح المجال أمام المنظمات الدولية لزيارة المنطقة، فإنه تضمن موقفا سيشكل تحديا حقيقيا للدبلوماسية المغربية، وهو الوارد في باب التوصيات والملاحظات، حيث أكد التقرير أن «الحاجة إلى رصد مستقل وحيادي وشامل ومستمر لحالة حقوق الإنسان في كل من الصحراء والمخيمات تصبح أكثر إلحاحا».
ويعتبر هذا الموقف، حسب المراقبين، تحولا في زاوية النظر لمسألة حقوق الإنسان، رغم أن التقرير وقف على نفس المسافة من كلا الأطراف وأنه لم يحدد ماهية هذا الرصد المستقل والحيادي والشامل إن كان يتعلق بتوسيع صلاحيات بعثة «المينورسو» أو صيغة أخرى لمراقبة حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي يحتم على الدبلوماسية المغربية حسب المواقبين رفع درجة اليقظة والحذر وتأكيد دعم الحلفاء، خاصة فرنسا، للموقف المغربي الرافض لأي توسيع لصلاحيات المينورسو.
وفي هذا الإطار، يؤكد العمراني بوخبزة أن «المغرب لم يعد يدافع فقط على مستوى ملف حقوق الإنسان بل أصبح بدوره يثير الوضعية في المخيمات، لأنه فيما قبل كان المغرب يدافع فقط ضد ادعاءات الأطراف الأخرى بوجود
انتهاك لحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، ولكنه أصبح اليوم يحاول أن يكون في موقع هجوم عندما يثير وضعية حقوق الإنسان في المخيمات ويطالب بضرورة إحصاء اللاجئين ووقوف المنظمات الدولية بشكل مباشر على الوضعية في المخيمات».
واعتبر المتحدث ذاته أنه «بشكل عام فملف حقوق الإنسان لم يحمل مستجدات، وأن التقرير كان نوعا ما متوازنا لا يتسم بالانحياز التام للطرف الآخر، إضافة إلى الإلحاح على ضرورة الإسراع بحل النزاع بالنظر لانعكاساته، ليس على العلاقات الثنائية المغربية –الجزائرية فقط، ولكن أيضا على الوضع في المنطقة، خاصة وأن القوى الكبرى أصبحت الآن على وعي وعلم بأن هناك استعجالية لضرورة حل هذا النزاع وعدم تأجيله، لأنه فيما قبل كان التأجيل يخدم أجندة بعض الدول الكبرى ولكن أصبح مطلبا لهذه الدول».
ورغم استعجالية إيجاد حل لملف الصحراء، فإن الموقف الجزائري يبقى عائقا أساسيا أمام إنهاء نزاع مفتعل عمر لعقود، ليبقى المبعوث الأممي إلى الصحراء يحاول في كل مرة إقناع الطرف الجزائري بضرورة إنهاء حالة «الحرب الباردة» مع المغرب، الذي يمد يده لإنهاء حالة الركود والاحتقان بما يخدم مصلحة شعوب المنطقة ويستتب الأمن والاستقرار.

المهدي السجاري نشر في المساء يوم 16 – 04 – 2013

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق