التأمين والتعويضات عن الحوادث المدرسية

insurance

تعرضت “أسماء” التلميذة بإحدى المؤسسات التعليمية لحادثة سقوط داخل المدرسة نتج عنه فصل عظمة الورك عن منطقة الحوض، فانشطر جسمها إلى نصفين وتم نقلها إلى مستشفى ابن سينا، خضعت هناك لعملية جراحية. 
وفي إطار المسؤولية المرفقية، وحسب الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، التمس والدها في دعوى قضائية رفعها لدى المكمة الإدارية بالرباط بتحميل الدولة المغربية في شخص وزير التربية الوطنية مسؤولية الحادثة، وأدائهم لفائدته مبلغا تعويضيا، مع إجراء خبرة طبية على الضحية لتحديد الأضرار الناتجة عن الحادث المدرسي، خاصة وأن الحادث الذي تعرضت له “أسماء” ناتج عن تدافع التلاميذ نتج عنه فصل عظمة الورك عن عظمة الحوض ورغم إجرائها لعمليات جراحية إلا أنها أصبحت معوقة تستعين بالعكازين أثناء سيرها مما أثر على حياتها -حسب إفادات الأب في منطوق الحكم-.
المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها الابتدائي، قضت بأداء الدولة المغربية وزارة التربية الوطنية لفائدة المدعي نيابة عن ابنته القاصرة تعويضا قدره 100 ألف درهم مع إحلال شركة التأمين “سينيا” محل مؤمنها في الأداء في حدود العقد الرابط بينهما مع الفوائد القانونية من تاريخ الحكم، وهو الحكم الذي استأنفته وزارة التربية الوطنية..
ماهي حيثيات هذه القضية وما حدود مسؤولية المؤسسات التعليمية؟
تأييد الحكم
تقدم الوكيل القضائي للمملكة إلى محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بمذكرة ضد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط التمهيدي والقاضي بأداء وزارة التربية الوطنية تعويضا قدره 100 ألف درهم مع إحلال شركة التأمين “سينيا” محل مؤمنها في الأداء.
وبعد المداولة في القضية قضت المحكمة الإدارية في المرحلة الاستئنافية بتأييد الحكم المستأنف مع إحلال شركة التأمين في حدود مبلغ 16 ألف درهم والباقي تؤديه وزارة التربية الوطنية.
وعللت المحكمة حكمها الاستئنافي فيما يتعلق بالمسؤولية كالتالي:
أعاب الوكيل القضائي الحكم المستأنف بفاسد التعليل، على اعتبار أن المحكمة أقرت بقيام مسؤولية الإدارة مفترضة وجود إهمال وتقصير لمجرد وقوع الحادثة، مما تكون معه قد افترض وجود خطأ لم يثبت في جانب المرفق العام، وحاسبت الإدارة عن النتيجة لا على أساس تأكدها من وجود خطأ في جانبها.
في حين، وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود نجد المشرع، يستوجب إثبات قيام خطأ أو عدم حيطة أو إهمال في جانب المشرفين على جانب المؤسسة التعليمية التي وقع فيها الحادث وأن العمل القضائي مستقر على ضرورة إثبات خطأ في جانب المشرفين على المؤسسة التعليمية التي وقع بها الحادث، وضرورة تحديد طبيعة هذا الخطأ. وبالرجوع إلى النازلة، فالثابت أن الحادثة كانت جراء سقوط تلقائي للمعنية بالأمر بعدما تعثرت في ساحة المدرسة، وهو ما يؤكده تصريح مدير المؤسسة، وأن ما يؤكد أن المشرفين على المؤسسة حريصين على سلامة التلاميذ ما أفاده أستاذ اللغة العربية الذي سبق له أن لاحظ في وقوع الحادثة أن التلميذة الضحية كانت تعاني من صعوبة في المشي مما اضطر معه إلى استدعاء ولي أمرها، فحضرت الأم وأقرت بأنها لا تتوفر على الإمكانيات لعلاج وبعد أيام قليلة سقطت الضحية بمفردها ليتم نقلها إلى المستشفى وبالتالي فإن القول بوجود إهمال أو تقصير أمر غير ثابت في نازلة الحال.
لكن، بالرجوع إلى الملف الطبي للضحية لا يوجد شيئ يشير إلى كون الضحية تعاني من هشاشة في العظام من جراء سوء التغذية، وتقرير أستاذ اللغة العربية لا يمكن اعتماده على حاله أمام عدم ثبوت ذلك من خلال وثائق طبية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الثابت من وقائع النازلة سقوط الضحية بالساحة عند تواجدها في فترة الاستراحة مما تكون معه تحت رقابة وحراسة المؤسسة، وتبقى المسؤولية قائمة من خلال التوجيه والرقابة والحراسة الشيء المنتفي من خلال تقرير مديرة المؤسسة إذ لم يتم معاينة الحادث دون توضيح أسبابه بدقة إلا بعد الانتهاء من حصة الدرس وعليه تبقى منازعة الوكيل القضائي بهذا الشأن مردودة.
فساد التعليل
حسب الحكم الاستئنافي، أعاب الوكيل القضائي الحكم المستأنف بفساد التعليل عند مصادقته على الخبرة، وعللت المحكمة موقفها بكونها انطلقت في تحديدها للتعويض من مقدمات خبرة قضائية أمرت بها، أسفرت عن تحديد العجز الدائم في 20 في المائة والعجز الكلي في 210 يوما، وعرج في المشي، والآلام على جانب من الأهمية في الوقت الذي جاءت فيه الخبرة خارقة للفصل 62 من قانون المسطرة المدنية، إذ لم يتم تبليغ الحكم التمهيدي الأطراف قبل إجراء الخبرة مما تعتبر معه هذه باطلة سيما وأن الملف ليس به ما يفيد هذا الإجراء، كما أن الخبرة لم تحترم مقتضيات الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية إذ لم يستدع أطراف النزاع خاصة الدولة المغربية في شخص الوزير الأول ووزير التربية الوطنية وكذا الوكيل القضائي مما أثر على حقوقهم، إذ لم تتح لهم الفرصة لحضور الخبرة وإبداء ملاحظات تهم وقت إجرائها كما أن الخبرة جاءت غير موضوعية فالخبير حدد نسبة العجز الجزئي الدائم في 20% دون أن يحدد طبيعة النقصان الطارئ على قدرة المصابة التي تبرر هذه النسبة، وهل راعى في تقديره ما يتوقع أن يطرأ على حال المصابة من تحقق أو تحسن، وبذلك فإن الخبير لم يوضح الوسائل التي اعتمد عليها في الوصول إلى النسبة الواردة في تقريره كما أن المحكمة قضت بتعويض قدره 100.000,00 درهم دون أن تبين الأسباب التي اعتمدتها في تقدير التعويض.
وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 62 من قانون المسطرة المدنية، يتبين أن جزاء عدم تبليغ الحكم التمهيدي الأطراف هو بقاء أجل التجريح مفتوح لفائدة الأطراف وغير مقيد للأجل الوارد بالفصل 62 من قانون المسطرة المدنية، وهو إجراء لم يمارسه الطرف المستأنف سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية مما ينتفي معه الضرر الموجب للاعتداء بالخرق المسطري المحتج به هذا من جهة، ومن جهة أخرى، بالرجوع إلى الملف الطبي للمستأنف عليها يتضح أن به ما يكفي من العناصر للبت في الطلب من حيث نوع الإصابة التي نتجت عن السقوط، ونسبة العجز المؤقت والعجز الجزئي الدائم.
وعليه يبقى ما أفادته الخبرة مجرد تأكيد لما جاء بالملف الطبي للضحية، وعدم حضورية الخبرة من طرف الأطراف المستأنفة لا تأثير له على حقوقها ما دامت أجابت عن موضوع الدعوى وناقشه من خلال الوثائق كما أن المحكمة عند تقديرها للتعويض إنما تأخذ بالخبرة على سبيل الاستئناس لأن التعويض في النازلة يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة أخذا بعين الاعتبار سن الضحية نوع الحادث ومخلفاته وآثاره السلبية على الحياة العادية للضحية دون ضرورة لاتقيد بأحكام مقتضيات المرسوم عدد 84-744-2 المؤرخ في 14/1/1985 المتعلق بجدول تقدير نسبة العجز الناتج عن حوادث السير التي تسببت فيها عربات ذات محرك وعليه يبقى ما انتهى إليه الحكم بشأن التعويض مؤسس وما بالأسباب مردود.
ولهذه الأسباب، قضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتأييد الحكم المستأنف مع إحلال شركة التأمين في حدود مبلغ 16.000,00 درهم والباقي تؤديه وزارة التربية الوطنية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق