“تاﮔاديرت ن بيرومين” … موقع أثري منيع بجماعة أكلو / مرفق بصور

Présentation2

       شكل هذا الموقع الأثري المنيع، الواقع على إحدى قمم الهضاب المطلة من الشرق على مدشري “إدولحيان” و “إد الرايس”، غير بعيد من شاطئ البحر، مصدرا دائماللعديد من التساؤلات والإجابات الجاهزة، حول تاريخه وأصله وفصله وقيمته  التراثية، بفعل ما دأبت العامة من الساكنة المحلية على إحاطته به من التفاسيرالمتسرعة الأقرب إلى الأساطير منها إلى افتراضات مقنعة، وذلك على غرار ما دأبت على تقديمه من مثل هذه التفاسير في تعاطيها لما تحتضنه البلدة من مواقع أثرية وجيولوجية، وما عاشته من مواقف، وشهدته في الماضي، وربما في الحاضر أيضا  من أحداث هامة، طبيعية كانت أو إنسانية.

تضافرت هذه المتواترات، وأخرى غيرها على حفز الاهتمام بهذا الجانب من تراث البلدة ، من قبل فعاليات جمعوية من داخل “مركز أﮔلو للبحث والتوثيق” ومن خارجه، فكان الإلحاح على تنظيم خرجة دراسية إلى هذا المواقع، على غرار الخرجة التي كان المركز قد نظمها قبل بضعة أشهر إلى مغارة “إيفريإيحشا”، وذلكقصد معاينة هذا الموقع أيضا، والإنصات إلى ما عسى أن تحكيه آثاره وتنطق به بقايا معالمه، مما له صلة بتاريخ البلدة و ماضي ساكنتها، أو على الأقل لتحري الحقيقة فيما يساق عنه من آراء وأحكامباتت متداولة إلى حد أن البعض منا لا يكاد يدرك افتقارها إلى إعمال العقل والنقد، فيصدقها على علاتها لتتحولبذلك إلى عائق يحول بينه وبين البحث عن غيرها مما يزكيه الواقع أو التاريخ أو الحس السليم بشكل عام.

من أجل ذلك بادر المركز إلى تنظيم هذه الزيارة التي كان قد أدرجها  ضمن برنامجخرجات هذه السنة، وقد انتظمت فعالياتها في الساعات الأولى من صبيحة يوم الأحد 15 يونيو 2014 م، بمشاركة أكثر من عشرين فردا من فعاليات جمعويةمحلية، ومن مدينة تيزنيت، تضم أساتذة وطلبة وصحافيين ومهتمين بالتراث الثقافي، فكانت انطلاقتها في مرحلة أولى من أمام مدرسة سوس العالمة بالزاويت، عبر السيارات في اتجاه مدشر”إيدولحيان”، حيث التقى جميع المشاركين، وتناولوا وجبة الفطور، استعدادا لانطلاق الزيارة في مرحلتها الفعلية، وفق البرنامج المسطر لها.

Présentation4

وحوالي الساعة العاشرة انطلق الجميع مشيا على الأقدام، في اتجاه “أﮔوني ن بيرومين” مرورا بدوار “إد الرايس” الذي أفادنا بعض المشاركين أنه عرف في السنوات الأخيرة نموا عمرانيا وديموغرافياكبيرا مما حدا بساكنته إلى بناء مسجد خاص بها بغاية فك ارتباطها في الشأن الديني بجارتها ساكنة دوار “إيدولحيان”. وقد كان طقس اليوم لطيفا ومناسبا، بفضل السحب التي حجبت أشعة الشمس، والهواء الغربي المنعش الذي ما انفكت أمواج المحيط تشمل به بسائط المنطقة وأوديتها وهضابها، فتهيأت بذلك الشروط الملائمة لمواصلة السير نحو الموقع القصود دونما كبير عناء.

Présentation5

سرنا في اتجاه الشرق سالكين المسلك الصغير الوحيد الذي اختطته أرجل المارة من الناس والدواب على مسيل الفج غالبا، وعلى أحد جانبيه أحيانا، وواصلنا السير في هذا المنخفض باحثين عن الهضبة التي تقع عليها “تاﮔاديرت”، ومع أنا لم نتخذ دليلا يرشدنا، فقداهتدينا إليها بتوجيه من بعض من كان قد زارها من قبل، ووقفنا أخيرا عند سفحها الغربي، ومن هناك أخذنا في تسلقها، كل من جهته، رغم شدة وعورتها، وانعدام المسالك المطروقة قبلا، أو حتى القابلة للطرق، ووصل الجميع أخيرا إلى قمة الهضبة حيث الهدف المقصود، موقع “تاﮔاديرت ن بيرومين”،وذلك بعد قطع مسافة حوالي كيلومترين من منطلقنا مدشر إيدولحيان، في ظرف حوالي ساعتين أو أقل.

وعلى قمة الهضبة انتشر الجميع فرادى وجماعات في جنبات الموقع يستكشفون معالمه، ويتفحصون محتوياته، ويلتقطون لها ومعها العديد من الصور، ولم نكن مزودين بأدوات القياس اللازمة لقياس أبعاده، وفي غيابها يمكن تقدير المساحة التي كان يغطيها بما يتراوح ما بين مائة ومائتي متر مربع على وجه التقريب، وذلك على قمة هضبةفي مستوى ارتفاع قمم هضاب المنطقة، وهي مثلهاذات بنية صخرية شديدة الوعورة، ومغطاة عن آخرها بصخور صلدة كبيرة الحجم، بحيث قل أن تجد بينها الأحجام الصغيرة العادية، وأيضا قل أن تتخلل التربة هذه الصخور بجميع أحجامها، فكان غطاؤها النباتي نتيجة لذلك ضعيفا لا يتعدى بعض النباتات التي تتحمل مثل هذا الشظف، وذلككالزقوم واليتوع ونباتات شوكية أخرى، بحيث لم نعاين ولو شجرة أرﮔان واحدة داخل محيط الموقع، كما أن ما عايناه من هذه الأشجار في المنطقة كلها قليل جدا.

Présentation1

أما من حيث منظوره الثقافي فإن الموقع يضم معالم وآثارا تشهد بما لا مجال للشك فيه بأنه كان مسرحا لنشاط أو لأشكال من الأنشطة الإنسانية، غير أنها في الحالة التي آلت إليها حاليا لا تفصح عن نوع هذه الأنشطة وعن مجالاتها وحجمها، فهي لا تعدو أكواما من الأحجار التي كانت ربما أجزاء ولبنات لسياجات حجرية مما يسمى محليا “إيغونيون”،     ولا وجود لآثار الجدران المبنية من الترابوفق ما هو متعارف عليه محليا، ولا لمعالم واضحة لمحتويات الموقع ولآثار البنايات والبيوت و الغرف وغيرها من المرافق، بحيث من الصعب جدا أن يتبين الزائر مورفولوجية الموقع، وأن يعيد رسم معالم  هيكلته الهندسية العامة، أو حتى أن يتخيلها.

على أن أبرز الشهادات التي لا يخفيها، ويلقي بمسئولية تلقيها وقراءة دلالاتها على كل زائر، هي معالم واضحة لنطفية مستطيلة طويلة، أو ربما لنطفيتين مستطيلين متجاورتين من جيل النطفيات المعالجة بمادة الجير، ربما قبل أن تعرف المنطقة مادة الأسمنت، أو قبل أن تنتشر فيها. هذا، ويضم الموقع أيضا شهادات من نوع آخر عايناها في بعض جنباته، وهي الحفريات التي يجريها بها المنقبون عن الكنوز، وهي حفريات  تخريبية لا تنجو منها المواقع الأثرية وكذا المدافن والأضرحة، وحتى المواقع الجيولوجية كما عاينا ذلك عند زيارتنا لإفرياحشا.

Présentation7

نخلص من هذا الذيذكرناه، وما لم نذكره عن المنظور الثقافي للموقع إلى أن ما عايناه فيهمن شواهد ومعالم لا تفصح في حالتها الراهنة عن طبيعةوحجم الأنشطة الإنسانية التي كان مسرحا لها، أو لعل الأصح أن نقول: إننا لم نحسن الإنصات إلى ما تفصح عنه في هذا الصدد، فترك ذلك الباب مفتوحا لدى المشاركينللتفسيرات السهلة الجاهزة الآنفة الذكر، وفي أحسن الأحوال لتساؤلات وافتراضات جادة في البحث عن إجابات مقنعة، لكنهامتباينة الاتجاهات، كما أن عناصر إثباتها لا ترقى إلى ما يوفي بالمطلوب.و ذلك ما عكسته آراء المتدخلين أثناء الجلسة التي التأمتبعين المكان  قصد عرض ومناقشة ما عسى أن يكونوه من آراء وارتسامات ذات الصلة.

وفي هذا الصدد برزت أثناء هذه الجلسة ثلاثة افتراضات أو آراء هي التالية :

ـ القول بأن “تاﮔاديرت ن بيرومين” هي من الآثار البرتغالية بالمنطقة، ويستفاد ذلك حسب هؤلاء من اسمها، ومن أسماء بعض الأسر في الدواوير القريبة منها، ومن العديد من المعطيات والقرائن التاريخية، وهذا الافتراض الذي هو في الحقيقة إجابة أكثر منه افتراض ليس وليد اليوم، فهو حاضر دوما في الثقافة الشعبية، ويساق عادة لتفسير المآثر التاريخية وغير التاريخية حتى البعيدة منها عن سواحل البحر،من حيث هو مجال المستعمرات البرتغالية، وهو لذلك افتراض لا يقوى على مواجهة التمحيص.

ـ قول مخالف للافتراض أعلاه، ورافض بشكل خاص للأصول البرتغالية لهذا الموقع، بدعوى أن لا شيء يؤيده مما عايناه من بقايا شواهده ومعالمه، فهي لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها مما نعاينه في جهات أخرى من البلدة، وبالإضافة إلى ذلك لا منافذ ممكنة إلى الموقع أو منه إلى الجهة الغربية حيث البحر الذي من المفترض أي يأتي منه الغزاة البرتغاليون أو غيرهم، فهو وعر وشديد الانحدار من هذه الجهة، وليس كذلك من الجهة الشرقية الموالية للتجمعات السكنية المحلية، ومن ثم افتراض أنه ذو صلة بهذه التجمعات وتابع لها وربما كان واحدا منها.

Présentation3

ـ أما القول الثالث فهو امتداد للقول الثاني وتطوير له، وهو لذلك الخلاصة التي انتهت اليها المناقشة،ومؤداه أن “تاﮔاديرت ن بيرومين” ليست إلا  تصغيرا لـ “أﮔادير” أي الحصن بالمفهوم المتداول لإﮔودار في مختلف مناطق سوس، وأن نسبتها إلى “بيرومين” هي نسبة إلى هذا المجرى المنخفض الذي تقع فيه المسمى “أﮔني ن بيرومين”، فليست هي المضافة إلى “إيرومين” حتى نظن أنها من مخلفات هؤلاء، وإنما المضاف إلى “إيرومين” هو هذا الفج العميق الذي يتخلل هذه المرتفعات في اتجاه “إيدولحيان”، فمعنى “تاﮔاديرت ن بيرومين” هو الحصن الصغير، أو المخزن الجماعي الصغير لساكنة المنطقة، الواقع في “أﮔني ن بيرومين”، فيبقى السؤالالذي علينا مواجهته هو: ما السر في نسبة هذا الفج كله إلى “إيرومين”؟ ومن هم هؤلاء ؟ وهو الإشكال الذي ليس من السهل مقاربته.

وترددت أثناء هذه الزيارة وكذلك بعدها إشارات تفيد أن هناك موقعا آخر غير بعيد من “بيرومين” يحمل أيضا اسم “”تاﮔاديرت”، وبه أيضا أثار لأنشطة إنسانية، وهو ما سيعمل مركز أﮔلو للبحث والتوثيق لاحقا على تنظيم رحلة استكشافية إليه إن شاء الله.

هذا، وحوالي الساعة الثانية بعد الزوال قفل المشاركون فرادى وجماعات، راجعين إلى قاعدة الانطلاق، حيث تناولوا وجبة الغذاء ثم تفرقوا، في انتظار خرجة أخرى إلى موقع آخر إن شاء الله.

بقلم الأستاذ جامع بنيدير






مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق