مهرجان "امعشار" فرصة لانتقاد الأوضاع الداخلية بشكل ساخر

فستفال إمعشار

تتعدد احتفالات المغاربة بمناسبة عاشوراء، التي تصادف يوم 10 محرم من كل سنة هجرية، وتخلد لذكرى مقتل الحسين بن علي، نجل علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين سنة680 ميلادية من طرف الأمويين، في كربلاء، عندما طالب بحقه في الخلافة. لكن الأمويين قتلوا حفيد الرسول (ص) واحتزوا رأسه، وحملوه إلى الخليفة يزيد بن معاوية في دمشق.
إذا كان الشيعة في العراق وإيران وباكستان ولبنان، يحتفلون بمناسبة عاشوراء من خلال توشح السواد والإغراق في البكاء والنواح ولطم الخدود، فإن أمازيغ الجنوب المغربي، يحتفلون بنفس المناسبة، لكن بطريقة أخرى يغلب عليها طابع الفرح والفرجة، حيت ينظمون كرنفالا للسخرية يسمى في اللغة الأمازيغية بـ: “امعشار”، وهو احتفال تقليدي يقام في سوس والجنوب مند العصر القديم، ولا يزال صامدا إلى اليوم، خاصة في القرى وفي بعض المدن كما هو الحال في تيزنيت.
يرجع بعض المؤرخين أصول كرنفال “امعشار” إلى فترة انتشار اليهودية في شمال إفريقيا، ويستدلون على ذلك بكون المسرحيات أو الأشكال ما قبل المسرحية، التي يتم تمثيلها خلال “امعشار” تضم شخصيات تحمل في الغالب أسماء عبرية. كما أن بعض الأغاني التي يتم ترديدها تتحدث بدورها عن اليهود الذين اشتهروا عبر التاريخ، بتقديس يوم عاشوراء حيت كانوا يصومون هذا اليوم، لأنه يوم صالح نجا الله فيه بني إسرائيل، من عدوهم فصامه النبي موسى عليه السلام، وسار اليهود على نهجه… ويختلف الدارسون حول مرجعية احتفالات عاشوراء بصفة عامة و”امعشار” بشكل خاص، فمنهم من يقول إنها شيعية، ومنهم من يقول إنها يهودية، كما هو الحال بالنسبة للكاتب المغربي محمد الوادي في كتابه “صورة اليهودي في المسرح المغربي” الذي صدر حديثا. وتقام بعض الاحتفالات التي تشبه “امعشار” في بعض المناطق المغربية، وأهمها كرنفال “بيلماون” الذي ينظم يوم 10 ذو الحجة من كل سنة (عيد الأضحى) في مقاطعة الدشيرة في اكادير. وأيضا كرنفال “اوداين ن تعشورت”، الذي يقام في مدينة الراشدية وفي كلميمة تحديدا، في يوم 10محرم .حيت يخرج الناس في موكب كرنفالي، يغنون ويرقصون وهم يضعون أقنعة… وتستمر الاحتفالات طيلة يوم عاشوراء، ويختتم الحفل بسهرة موسيقية تستمر إلى منتصف الليل. وفي مدينة سبتة التي تحتلها أسبانيا في أقصى شمال المغرب، ينظم السكان المسيحيون في مطلع شهر مارس من كل سنة، أي قبل بداية فترة الصيام لدى المسيحيين، كرنفال للسخرية يشبه كرنفال البرازيل الشهير، وهذه عادة يتبعها الكثير من المسيحيين عبر العالم، خاصة في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكرايبي. ويبقى كرنفال ريو دي جانيرو، الأكثر تميزا ويعد معلما سياحيا مشهورا على الصعيد العالمي. ويعتبر مهرجان “امعشار” مناسبة لانتقاد الأوضاع الداخلية بشكل ساخر، ودلك من خلال ترديد أغان خاصة تنجز لهذه المناسبة. ويستمر كرنفال “امعشار” في تيزنيت، لمدة أسبوع على غرار مهرجان البرازيل، وينطلق من يوم 10 محرم إلى غاية يوم 16 من نفس الشهر. لكن هذا العام تم تمديد الاحتفالات إلى يوم25 محرم، حيت نظم حفل ختامي كبير في ساحة المشور وسط المدينة، شاركت فيه جميع فرق”امعشار” في المدينة، وعرف حضور جمهور كبير، وصل إلى حدود 10 ألف شخص. ومن الفرق المشهورة في أعداد مهرجان “امعشار” في تيزنيت نذكر: فرقة “ايت محمد”، التي تمارس أنشطتها في الجزء الغربي من واد “توخسين (شارع سيدي عبد الرحمان حاليا)،ثم فرقة “امعشار اضلحا” وتتمركز في الجهة الشرقية للمدينة. ورغم أن القانون يعفي الاحتفالات التقليدية، من الحصول على تراخيص فإن السلطات المحلية بتزنيت، تجبر فرق”امعشار” على الحصول على التراخيص، تحت طائلة المنع. تنطلق فقرات مهرجان “امعشار”، على الساعة التاسعة ليلا، حيت يخرج الشباب في موكب كرنفالي، يعبر الشارع الرئيسي في تيزنيت (اكي واسيف) في اتجاه ساحات المدينة القديمة. ويرتدي المشاركون ملابس تنكرية ذات تصاميم غريبة، ويقومون بتلوين بشرتهم باللون الأسود، ويضعون أقنعة ولحى مصنوعة من جلد الغنم. وبعضهم يلبس ملابس بالية، عكس كرنفال البرازيل حيث يرتدي المشاركون وغالبيتهم من الإنات، أزياء الأمراء والملوك من خلال اختيار أزياء مزركشة، حافلة بالألوان والزينة والقطع المعدنية والريش الملون ويضعون قبعات وردية… وعندما يصل المشاركون إلى مكان الحفل، يشكل الراقصون، وعددهم يقترب من ثلاثين مشارك، خطا نصف دائري ويشعلون النار في مركز الدائرة، بواسطة ألواح الكارطون والأخشاب. ويستعملون عدة آلات موسيقية، فالبعض يضرب على الدفوف والناقوس، والبعض الآخر ينفخون في المزامير. وتنسجم الموسيقى والأغاني، مع ضربات الأعمدة الخشبية على بلاط الساحات. ويستمر الشباب في الرقص أمام الجماهير الغفيرة من الذكور والإناث، وهم يؤدون أغنية تقول: “هيا اجتمعوا كلكم لتقولوا كلمتكم وليشهد الحاضرون أننا جميعا سواسية ….”.
والى جانب كرنفال “امعشار”، تنتشر عادات أخرى في القرى المجاورة لتزنيت، حيث يشعل الشباب والصبية سبعة أكوام من النار، على خط مستقيم يفصل كل منها ثلاثة أمتار، ويبادرون إلى القفز من فوقها، كما يقفز عداؤو ألعاب القوى وهم يرددون أشعارا خاصة بالمناسبة، معتقدين أنهم يتركون فيها ذنوبهم، كما يرمون فيها تعاستهم وسوء حظهم، خاصة الفتيات اللائي يتخطينها لعلهن يحرقن فيها سوء الطالع، فينعمن بزوج عما قريب. و يعتقد الناس أن من يحترق في نار عاشوراء، فلن يكتب له الشفاء إلا في نفس الفترة من العام المقبل… وكل هذه العادات، تعتبر من بقايا المذهب الشيعي، الذي كان منتشرا في المغرب، خلال القرن الحادي عشر الميلادي. وتطالب الجمعيات المحلية في تيزنيت، من السلطات والمسؤولين رعاية احتفالات “امعشار”، وتوفير الدعم المادي لفرق “امعشار”، ولم لا تأسيس مهرجان خاص للاحتفال بامعشار، وبالتالي الحفاظ على هذا التراث الأمازيغي العريق في القدم، لكي يتحول “امعشار” من احتفال تقليدي إلى كرنفال عالمي كبير، على غرار مهرجان ريو دي جانيرو في البرازيل، الذي يشارك فيه كل عام، أكثر من أربعة آلاف راقص وراقصة، ويحضره جمهور غفير يصل إلى أكثر من 70 ألف شخص. يأتون من مختلف أنحاء العالم ،خصيصا لمشاهدة الكرنفال الذي أصبح قبلة مفضلة للكثير من السياح في العالم. وأعتقد أن رد الاعتبار لاحتفالات التقليدية الأمازيغية وتطويرها، شيء إيجابي لتنمية السياحة الثقافية في مدن الجنوب المغربي .
(إبراهيم وزيد) تويزا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق