بورتريه حول الخيمة في الصحراء المغربية.. حين يتجسد في الخيمة كل الموروث الثقافي والحضاري لأهل الصحراء

الصحراء المغربية
ظلت الخيمة الصحراوية تُلهب مخيلة الإنسان المغربي في صحرائه منذ الأزل بما توفره من سبل العيش الكريم حيث وحشة المكان والزمان، فأضحت رمزا للكرم والاستقرار الذي يسعى إليه أهل الصحراء، ومنبعا لثقافتهم . فقد شكلت الصحراء دوما تحديا صارخا للإنسان، بما تتضمنه تفاصيل الحياة اليومية فيها من تحديات كبيرة لعل أبرزها الطقس الذي لا يكاد يستقر على حال، لكن هذه التحديات لا تنسحب على الإنسان الصحراوي الذي استطاع قهر الصحراء وجعلها طوع أمره في حله وترحاله.
وساهمت الخيمة في تذليل الصعاب أمام الإنسان الصحراوي ، فهي مسكنه والمكان الذي يوفر له لحظة الاستقرار المنشودة. وتعتبر الخيمة أول وحدة اجتماعية يمكن مصادفتها لدى المجتمع الصحراوي، فهي لا تعتبر فقط وحدة مكانية للاستقرار المادي بل توضع ضمن إطار مجموعة العلاقات التي تجمع عدة أفراد داخل أسرة واحدة. وتأوي الخيمة كل مستلزمات الحياة من أواني وأغطية وأفرشة ومواد غذائية ترتب بشكل يسمح باستقبال الضيوف وإطعام الوافدين وإيواء النازلين دون ضجر أو إزعاج في جو يطبعه الانسجام والبساطة التي تعكس المروءة والكرم والجاه عند أهل الصحراء.
كما أن إعداد الخيمة لا يخلو من طقوس احتفالية تلازمها من أول خطوة حتى تنتصب شامخة في لحظة انتصار على الطبيعة، فرغم بساطة شكل الخيمة إلا أن نسجها ليس بالأمر السهل قد يستغرق أياما معدودة لا تتعدى الشهر الواحد.
وتبتدئ مراحل نسج الخيمة الصحراوية بإحضار صوف الأغنام أو وبر الإبل وفرز الجيد منه ليمر بمراحل منها االعزيلب أي النسج، ثم االمحيطب أي جعل الصوف خيوطا انسيابية، فمرحلة االفريكب وهي مرحلة إعداد ما يعرف ببالفليجب أو تلك القطع التي تشبه الحصير والتي ستشكل الدعامة الأساسية للخيمة.
فالخيمة تعد المسكن الذي يصنعه الإنسان الصحراوي من وبر الإبل وصوف الأغنام والماعز بطريقة تقليدية، وعلى شكل قطع وشرائط االفليجب و تتكون من 7 إلي 10 أشرطة، يتم جمعها و خياطتها بواسطة إبرة كبيرة االمخيطب وخيط من ذات جنس الخيمة اخيط النيرةب .
ويتم رفع الخيمة بواسطة عمودين االركايزب، يوضعان على شكل متعاكس، ويشد هذان العمودان بعضهما ببعض بحبل يسمىب الحمارب، ويتم تثبيت الخيمة مع الأرض بواسطة أوتاد تسمى االخوالفب، كما يتم تقسيم الخيمة إلى قسمين بواسطة االبنيةب إلى قسم خاص بالرجال و آخر للنساء. وتتعدد أشكال وأنواع الخيمة لكن أبرزها تلك المصممة على شكل مثلث، وهذا التصميم ليس اعتباطيا فهو يقيها من الزوابع الرملية وهطول الأمطار بيد أن السمة الأبرز للخيمة هي شكلها الانسيابي ومرونتها في الحل والترحال، فقد لا يستغرق نصبها أو فسخها إلا بضع دقائق معدودات.
غير أن الخيمة الصحراوية بعد أن كانت رمزا لقساوة العيش والعزلة وسط الصحراء، أصبح لها اليوم مفهوم جديد عند أهل الصحراء خصوصا في الأقاليم الجنوبية للمملكة التي أعادت لها الاعتبار، كرمز حضاري وموروث ثقافي يتطلب المحافظة عليه. فإقامة أهل الصحراء في المدن داخل المنازل لم يبعدهم عن حياة البداوة والحنين إلى العيش داخل خيمة ولو في عطلة نهاية الأسبوع، خصوصا في فصلي الشتاء والربيع بعد نمو النباتات الخضراء على الأراضي القاحلة.
لقد تطورت الخيمة في وقتنا الحاضر وأصبحت مجهزة بأحدث وسائل الراحة العصرية، من أفرشة وأوان وتلفاز وصحون هوائية وثلاجة، (تستخدم الطاقة الشمسية)، حيث أصبح أهل الصحراء يعيشون البداوة بأساليب الراحة، وأصبحت بالتالي الخيمة الحالية لا تشبه الخيمة الأصلية إلا في الشكل. هناك رغبة شديدة لدى الناس في التخلص من ضجيج المدينة والذهاب إلى العيش وسط هدوء الصحراء ولو لأيام معدودة داخل خيمة، إذ لم يكتف بعض أهالي الصحراء بقضاء الوقت في الخيمة خلال عطلة نهاية الأسبوع بل تعدى ذلك إلى نصب الخيام بحدائق المنازل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق