العدالة والإحسان ما بعد المرشد

وبقدر ماكانت هذه المركزية الشديدة عامل قوة للجماعة في بداية التاسيس والتوسع، بقدر ماصارت عامل ضعف للجماعة التي وجدت نفسها مكبلة عاجزة عن التفاعل مع المتغيرات الكثيرة التي تحيط بها، وذلك من فرط طغيان هيبة الشيخ وكارزماه التي منعت تلقائيا اي عضو مهما كان موقعه في الجماعة من تغيير مسار التنظيم.او اقتراح بدائل اخرى أمامه.
الان الجماعة في مفترق طرق، وخليفة عبد السلام ياسين مهما كان موقعه وشخصه وتاثيره، لن يصل الى مكانة المرشد ووزنه وهيبته ، ولهذا فان اولى المهام على جدول اعمال الجماعة هي الانتقال السريع والسلس من القيادة الفردية للتنظيم، الى القيادة الجماعية،و من الروية الراشدة لفرد الى التصور الذي يعكس التيار الغالب في التنظيم، من اليوتوبيا التي تغلب الآمال على الممكن، الى الواقعية التي تتعامل مع الكائن في انتظار ما يجب ان يكون.
ان انتخاب المرشد القادم (اذا كان ضروريا الإبقاء على منصب المرشد واستحالة الاستعاضة عنه بالامين العام او الرئيس ) يجب ان يكون ديمقراطيا تعدديا ،وفي مناخ مفتوح على تباري أكثر من شخص واكثرمن مشروع وروية لمستقبل الجماعة، امام أوسع قاعدة للجماعة ممكنة. العدل والإحسان يجب ان تتخلص من عقدة الخوف من اختلاف الرؤى داخلها، لان الاختلاف في الراي والتقدير والتحليل والتوقع علامة من علامات الصحة الجيدة في التنظيمات والأحزاب والجماعات. وان الخوف كل الخوف من الفكر الواحد ومن عسكرة التنظيمات المدنية ومصادرة حيوية الاختلاف داخلها .
القيادة الجديدة مطالبة بتجاوز المازق الذي دخلته الجماعة منذ سنوات، وهو المتمثل في غياب الجواب عن السؤال الأهم في حياة اي جماعة سياسية.وهو : اي نظام تريد؟ وكيف السبيل للوصول اليه ؟ومن هم حلفاء اليوم وخصوم الغذ؟
هناك غموض كثيف يلف الموقف السياسي للجماعة من النظام الملكي. فمرة يبعث عبد السلام ياسين رسالة الى الملك ينصحه فيها بما يعني انه يقبل بالنظام لكن له ملاحظات على أدائه. ومرة تخرج ابنة المرشد نادية ياسين وتقول ان النظام الجمهوري هو الأصلح للمغرب، ثم لا يصدر اي توضيح من قيادة الجماعة حول هذه الآراء لشخصية كانت فاعلة في وسط التنظيم آنذاك. ثم يخرج فتح الله أرسلان عضو مجلس الإرشاد والناطق الرسمي باسم الجماعة، ويقول: ان العدل والإحسان تريد نظاما ملكيا كالذي يوجد ف البلاد الأوربية. ثم بعد مدة يصرح الشيخ ياسين ان وراثة الملك ليست من الاسلام !
هذا الغموض ليس في مصلحة احد. فهو يعزل الجماعة عن عموم المغاربة الذين يتطلعون الى التغيير، وخاصة الطبقات المتعلمة والوسطى والتي لا يمكنها ان تقفز مع الجماعة في الظلام، كما حدث عندما نزلت العدل والإحسان الى مظاهرات 20 فبراير دون تحديد سقف لمطالبها معتقدة وجازمة بان النظام سيسقط في اسابيع او اشهر.! وهذا الامر كشف حجم الخطأ في معرفة موازين القوى، واتجاهات الراي العام في البلاد، التي تريد إصلاحا جذريا وحقيقيا لكن داخل النظام لا خارجه. وهو ما يعبر عنه بالملكية البرلمانية.
ثم ان الغموض هذا لا يستفيد منه الا صقور السلطة الذين لا يريدون للجماعة ان تندمج في اللعبة السياسية وان تاخذ مكانها الذي تستحقه في الحقل السياسي، على غرار حزب العدالة والتنمية الذي تجمعه قواسم مشتركة كثيرة مع الجماعة .
جماعة العدل والإحسان ليست رابطة روحية، وليست زاوية تقليدية، وليست حركة احتجاجية، انها تيار سياسي اولا وتربوي ثانيا،وأن الوصول الى السلطة واحدة أهدافها. ولهذا فانه لا يتصور ان يدخل المغرب الى مرحلة انتقال ديمقراطي حقيقي، دون ادماج هذه الحساسية في حزب سياسي، يتقدم الى الانتخابات، ويشارك في البرلمانات، ولما لا في الحكومات ،ومهمة الاندماج هذه مسؤولية ثلاثة اطراف. القصر والحكومة والعدل والإحسان. كل طرف عليه ان يقدم لائحة من التنازلات ليلتقي الجميع في الوسط ، حتى لا يبقى في الحقل السياسي المضاد الا القوى الهامشية التي اختارت عن طواعية البقاء خارج النظام. كنت اتوقع ان يبعث القصر رسالة تعزية في وفاة شيخ كبير وشخصية لها وزنها مهما اختلفنا معها الى عائلته كمقدمة لفتح صفحة جديدة في علاقات طال توترها وان الاون لتطبيعها. ربما مازال الوقت لذلك من يدري.

توفيق بوعشرين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق