وزراء البطاطس

بعد قرابة ستين عاما مما سميناه الاستقلال، فإن الإنجاز الوحيد الذي حققه المسؤولون المغاربة هو الفساد.
بعد كل هذا العقود الطويلة من الاستقلال، وعوض أن نملأ البلاد بالثروة التي يستفيد منها الجميع، فإن أغنياءنا، الذين نعرف جيدا كيف اغتنوا، ملؤوا الأبناك الأجنبية بملايير الدولارات، وبأشياء كثيرة أخرى، وصرنا البلد الوحيد في العالم الذي يهرب مسؤولوه وأغنياؤه ثرواتهم رغم أننا لا نعاني من حرب أهلية ولا من أوضاع أمنية خطيرة ولا من زلازل ولا من كوارث طبيعية، فكارثتنا الوحيدة والكبرى هي مسؤولونا.
بعد كل هذه السنوات من الاستقلال، لا يزال الناس لا يثقون في البرلمان ولا في الحكومة ولا في أي شيء، لذلك يغيب أزيد من 70 في المائة من الناس عن صناديق التصويت، دون احتساب الذين لم يتسجلوا بالمرة في اللوائح الانتخابية. والغريب أن بناية البرلمان كانت في عهد الحماية محكمة يقف فيها المجرمون والمنحرفون، ومنها يتم إرسالهم مباشرة إلى السجن، فدارت بها الدوائر لتصير في زمن الحرية والاستقلال بناية يجتمع فيها الوزراء ونواب الأمة لكي يدافعوا عنا.
بعد كل هذه السنوات من الاستقلال، رأينا الكثير من الخونة الذين كانوا يضعون أيديهم في يد المستعمرين وهم يتحولون إلى «وطنيين أقحاح» ينعمون بخيرات البلاد التي باعوها من قبل للمستعمرين، بينما عانى المناضلون الحقيقيون من الفقر، وأحيانا صاروا يتسولون.
في الماضي، قاوم مغاربة كثيرون الاستعمارين الفرنسي والإسباني. لكن، دعونا اليوم نلقي نظرة على جنسيات عدد كبير من مسؤولينا. أكيد أننا سنصدم عندما نجد أن الفرنسيين والإسبان الذين خرجوا سنة 1956، عادوا إلينا وهم يلبسون البلغة والجلباب والطربوش. وإذا بحثنا أكثر، سنجد أن المسؤولين المغاربة هم الأكثر تعطشا لاكتساب الجنسيات الأجنبية. لماذا نلوم، إذن، المغاربة البسطاء الذين يقيمون في بلدان أجنبية واكتسبوا جنسياتها من باب الضرورة؟
كان المغاربة لأزيد من 40 عاما تحت حماية الاستعمار؛ واليوم، ولمدة 60 عاما وهم يرزحون تحت حماية الفساد. من الأسوأ إذن؟ هل الاستعمار أم الفساد؟ إنهما على كفين متساويين، لذلك من حق المغاربة أن يعتبروا أنفسهم لا يزالون مستعمرين من طرف الفساد.
أسوأ شيء نمارسه اليوم هو النفاق، لأننا لا نقوم بأية محاسبة لكل هاته السنوات التي مرت. إننا، اليوم، لا نزال نمجد تلك الفترة التي ورثناها عن الحسن الثاني، ولا أحد يعرف لماذا يمجد البعض فترة عرفت نهج سياسة تجهيلية وتفقيرية وقمعية غريبة. والمضحك أكثر هو أن البعض سموا تلك الفترة بفترة «الديمقراطية الحسنية»، رغم أن الحسن الثاني لم يصف نفسه يوما بكونه ديمقراطيا، ومع ذلك فإن منافقين كثيرين استعملوا مصطلح «الديمقراطية الحسنية» وكأنه كتاب مقدس نزل بعد القرآن.
في كل السنوات التي مرت، كانت هناك نقاط مضيئة لشرفاء مغاربة غلبتهم المؤامرات فانزووا في الظلال أو قضوا نحبهم في ظروف مختلفة، لكن الأغلبية الساحقة كانت عبارة عن كومة عفنة من المنافقين والوصوليين. في تلك الأيام، كان الحسن الثاني يسخر من الأحزاب ومن المعارضة ومن السياسيين عموما، ولم يتردد يوما في القول إنه مستعد لتعيين سائقه الخاص وزيرا أول. كان على حق، لأن تجربة الوزراء الأولين أو غير الأولين في المغرب بينت أن لا فرق بينهم وبين سائق خاص، أي أنهم يقومون تقريبا بنفس المهام التي يقوم بها الخدم والسائقون. وخلال الفترة التي كان فيها المحجوبي أحرضان وزيرا للدفاع، تمت تسميته بوزير البطاطس، لأنه كان مشرفا على فواتير البطاطس والطماطم والعدس واللّوبية.
الحاصُولْ… حْريرْتنا حْريرة.

عبد الله الدامون نشر في المساء يوم 18 – 11 – 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق