«ممنوع الطلق والرزق على الله»

هو التصدي للوضعية الحالية التي يوجد عليها هذا الصندوق، وإدخال إصلاحات عميقة عليه.
اليوم، ينتقل النقاش حول الصندوق من مرحلة الترويج الانتخابي إلى مرحلة الجد، وفي كل هذا تترتب الاعتبارات والأولويات و»يشاع» نوع من الخطاب السياسيوي حول الموضوع، وكأن النقاش قد حسم نهائيا، في حين تقول المعطيات إن إصلاح الصندوق لا يمكن أن يتم فقط لأن حزب العدالة والتنمية يريد ذلك، أو لأنه يرغب -كما يدعي المناوئون- في ربح ورقة حاسمة نحو بوابة الانتخابات الجماعية المقبلة؛ ولكن حتى بالنسبة إلى خبراء الاقتصاد والمالية، فإنهم أميل في هذا الملف الحساس إلى التريث وتقليب الأمر من جميع جوانبه، لأن كل قرار متسرع فيه يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية قد تكون كارثية على الاستقرار الاجتماعي في البلاد.
رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، مقتنع تماما بأن التكلفة الاقتصادية للوضع الحالي للصندوق على الدولة غالية جدا، ويؤدي إلى إثقال ميزانيتها، لأن الاستمرار في دعم المواد الأساسية بالشكل المعمول به سيسدد ضربة قاضية إلى مالية الدولة وسيعيق المشاريع الاجتماعية التي جاءت الحكومة من أجل تنفيذها.
ولكن في الظرفية الاقتصادية الصعبة الحالية، التي تجتازها الاقتصاديات المشابهة للاقتصاد الوطني، هل يمكن التخلي، فجأة ودون سابق تمهيد وإجراءات قبلية مصاحبة، عن الفئات العريضة من المستهلكين وتركهم وجها لوجه مع مصيرهم «الاستهلاكي»؟
الجواب العلمي والسلوك السياسي الرزين يقول لا، لا بد من المرور من مرحلة وسطى، مؤهلة للمرحلة الأخيرة التي يلغى فيها الصندوق، جزئيا أو كليا، حتى يكون الانتقال سلسا وغير مكلف اجتماعيا.
لكن الحلقة الأهم التي ينبغي ربحها في هذه المرحلة هي حلقة التواصل، بالتصدي للإشاعات التي تتناسل كالفطر والتي تروج لأشياء خطيرة، ربما تقدم القرار الذي تعتزم حكومة بنكيران اتخاذه في هذا المجال على أنه مجزرة سيجري ارتكابها ضد الطبقات المستهلكة.
هذه هي الحرب الأهم التي على بنكيران وحكومته التصدي لها، فحزب العدالة والتنمية وضع إصلاح صندوق المقاصة نقطة برنامجية ضمن دعايته الانتخابية، لكن «تنزيل» هذه النقطة البرنامجية يحتاج إلى عمل إعلامي وتواصلي منسق، يشرح للناس ما هي حقيقة الإجراءات التي ستُتَّخذ وما هي انعكاساتها المباشرة على المواد الاستهلاكية، وكيف يمكن أجرأة دعم مالي للطبقات المسحوقة كتعويض للدولة لهؤلاء، وهل صحيح أن هناك تعويضا جزافيا للأسرة المعوزة في حدود 600 درهم.
ربما تكون الملفات الموضوعة على طاولة هذه الحكومة من أصعب الملفات، لأن ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بتجربة يقودها الحزب الإسلامي العدالة والتنمية، مع ما يعنيه ذلك من تحديات كبيرة ومن انتظارات واسعة للمغاربة الذين يريدون، اليوم، أن يقرنوا الشعار بالممارسة، وأن يحتكموا إلى المنتج الدستوري الجديد الذي يربط الممارسة بالمحاسبة؛ فساعة دفع الحساب لا ريب أنها ستأتي، وسيدرك المغاربة حينذاك الصالح من الطالح.
توجد حكومة العدالة والتنمية أمام محك الوفاء بالتزاماتها، فقفشات رئيسها واستنجاده بلغة العفاريت والتماسيح لم يعد لها محل من الإعراب، وتمرير الزيادات في المحروقات هضمها المغاربة على مضض، مع ما كان لها من تكلفة اجتماعية عالية، زيادة على تحديات أخرى في مجالات التشغيل وإنعاش الاقتصاد ومجابهة العجز وتحسين صورة الحكومة في مجالات ترتبط بالقيم وثقافة حقوق الإنسان والإيمان بالمجتمع المدني وبحضور النساء في تدبير الحياة العامة.
إنه اختبار «الانتداب الانتخابي» الذي من أجله صوت المواطن المغربي، فدفتر الحساب مفتوح، وحتى صاحب البقالة الصغيرة استعد للمرحلة وكتب بالخط العريض «ممنوع الطلق والرزق على الله».

 

حكيم عنكر نشر في المساء يوم 11 – 02 – 2013

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق