معركة المديرين مستمرة … وقرار التعليق عين العقل

وليس هذا بِدعا أن يقع نظيره في ظرف تجتاح فيه فرحة عارمة قلوب من حجوا إلى وقفة الرباط، واحتكوا بالآلاف الحاجين إلى تلك البقعة، واستمعوا للشعارات المنددة بمواقف الوزارة من مطالب هذه الهيئة التي ما عادت تطيق الاستمرار في العمل في اللاوضوح… ولكن الذي يتجاهله الكثير من المستعجلين هو أن للمعارك صولات وجولات، وكر وفر، و”خطوة خلف و خطوتين أمام”،..وهكذا. والمعركة التي نخوضها اليوم تتطلب كل هذه التقنيات. والاعتقاد أن الاستمرار في “ركوب الرأس”، رغم كل محاولات “الآخر” لفتح الحوار، وتقديم المقترحات؛ ستكون نتيجته – ولا شك- على عكس ما تبغيه نفوسنا، وتتشوف إليه أفئدتنا المتلهفة إلى الكرامة وحرية الاعتبار.
لقد عرفت وقفة الرباط نجاحا استثنائيا أذهل كل المتتتبعين كما المشاركين. إذ عرفت حضور أزيد من عشرة آلاف مديرة ومدير في حشد أبان لصناع القرار التربوي في هذا البلد أن هذه الهيئة ليست بالحائط القصير الذي يمكن القفز عليه بسهولة، وأن كل محاولات الاستدراج التي يمكن التوسل إليها ( من قبيل تجييش اللجان لكسر طوق المقاطعة، والتهديد باتخاذ “الإجراءات القانونية بالصرامة اللازمة”، والاتهام بالعصيان،…)للْفَتِّ من عضد اللحمة المتينة التي أسستها لسنين، ظروف المعاناة و”الحكرة”؛ لن تزيد إلا في تمتين الصفوف، وتوحيد الجهود، وتقوية نَفَس النضال، وتوطيد الثبات على مبدأ الوحدة.
لقد جاءت هذه الوقفة، كما ستأتي مثيلاتها أمام النيابات والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ، للتأكيد على أن نضال الهيئة الإدارية مستمر ومتواصل، وأن صوت الهيئة سيبقى مرتفعا، مجلجلا، يصدع بالحق ويدفع عنه كل وشايات التثبيط، ومحاولات التشكيك في مصداقية القرارات الحكيمة للهيئات المقررة، ويواجه تساقطات الخانعين على طريق النضال ، اللائذين إلى الصمت، الخائفين من “بعبع” التهديد بالاقتطاع، و”قطع الأرزاق” في زمن الربيع الشعبي، وتساقط أنظمة الاستبداد و”الحكرة”،…
وقفة الرباط الحاشدة كانت بالفعل رسالة قوية إلى من يهمهم الأمر، مفادها أن هاتين الهيئتين وجمعيتهما قويتان في وحدتهما، مصرتان على المضي حتى النهاية لانتزاع كافة حقوقهما العادلة والمشروعة، وأن التعامل معهما بمنطق”سير حتى تجي” لا ينفع في شيء؛ لذلك كانت هذه الرسالة القوية والرائعة (وقفة الرباط) انذارا لصناع القرار في هذه الوزارة تغني عن كل حوار، أو تفاوض. ويظهر أنها قد حققت الشيء الكثير؛ بل حققت كل شيء. فلم يبق أمام من يهمهم الأمر إلا الاستجابة لمطالب الهيئة. لذلك اعتبر العقلاء من المكتبين الوطنيين الاستمرار في شد الحبل مع الوزارة ومع الحكومة التي دخلت على الخط في شخص مجلسها الحكومي بل في شخص رئيسها السيد ابن كيران الذي دعا للقاء رئيسي المكتبين، والاستمرار في الزحف بعد الوصول إلى القمة، سيكون مآله-لا محالة (!)- عكس المبتغى.
لقد وعى عقلاء المكتبين أن المرحلة دقيقة جدا، وأن الانجرار خلف الدعوات التي تدعو إلى الاستمرار في التصعيد حتى النهاية، رغم المكاسب النوعية التي حققتها الجمعيتان في حوارهما مع الوزير “الوفا”، سيكون له من العواقب ما لن يتحمله-أبدا- الذين لا يرون من الكأس إلا جزءه الفارغ !.
ف”قصة” الوفا مع الأساتذة المبرَّزين المعروفة، وما استتع ذلك من تنازلات وتساقطات واعتذارات، تعطي أكثر من إشارة إلى أن المرحلة تحتاج إلى المزيد من المناورة العاقلة، والمواجهة المسؤولة، وضبط النفس، وعدم الاغترار بنشوة النصر إلا بالمقدار الذي يحقق المصلحة العامة لرجال ونساء الإدارة.
فتعليق جزء من البرنامج النضالي المسطر-رغم أهميته – في اعتقادنا، خطوة استباقية، ومناوة ناجحة فوتت على السلطات التربوية المسؤولة، “الانقضاض” على هيئة الإدارة التربوية التي كانت ستسقط ضحية سوء “التقدير القانوني” لطبيعة المعركة التي تخوضها لانتزاع حقوقها العادلة، مما سيضع الوضع الاعتباري والقانوني لدورها المُفَاِوض في “كف عفريت” ! وينتهي بها إلى مطب الدفاع عن النفس، والبحث عن الحلول التوافقية، وتقديم التنازلات المذلة؛ بل وذهاب الريح، وتشتت الجهود، والتساقط على الطريق،…
إن الذين يدعون المكتبين الوطنيين للمزيد من التصعيد الزاحف، والاستمرار المتواصل في شد الحبل حتى النهاية، هم طائفتان؛ طائفة مدسوسة على هيئة الإدارة التربوية وتحمل مشروع الإجهاز على نضالات هذه الهيئة، وتعلم جيدا أن الاستمرار في التصعيد سينتهي إلى المآل التراجيدي المعروف (مراسلات فردية وملزمة للسادة والسيدات المديرين والمديرات بالاعتذار عن هذا “العصيان” والذي سيتأكد بعد المرحلة الثانية للجان المتابعة إن تمت مقاطعتها، مما سيوقع السادة المديرين بين سندان الاعتذار ومطرقة الإعفاء على غرار ما وقع للأساتذة المبرزين)، وطائفة من عامة رجال ونساء الإدارة التربوية ممن يستسهل هكذا معارك، وتستهويه كثرة العدد، وشدة الصراخ، ويظن في نفسه وإخوانه جنودا يمتطون صهوات الجياد على مشارف مدن عدو مستسلم بين أعتاب جموعهم الحاشدة، فيهيج للمزيد من الدعوة للزحف ولَمَّا ينتبه إلى خوار قاعدته المتداعية، وتهافت حججه الواهية أمام مناورات محاور قوي الحجة، شديد المرافعة، عظيم البأس… !!!. وكلتا الطائفتيْن تشكلان خطورة كبيرة على المسار الحكيم لحراك الجمعيتين الوطنيتين، ولمستقبل نضالهما المشترك .
واخيرا لا يسعنا إلا أن ندعو المكتبان الوطنيان إلى المزيد من التعبئة، ورص الصفوف، والانتباه إلى دخلاء المنظومة، وصيادي الماء العك
ر؛كما ندعوهما إلى المزيد من المناورة، وتقدير التوازنات، وإعمال منطق المرونة؛ كلما استدعته الضرورة، وفرضته طبيعة المواجهة، …
وإنها لمعركة حتى تحقيق كافة المطالب العادلة…

صالح ايت خزانة نشر في اشتوكة بريس يوم 12 – 12 – 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق