مـن وحي مـدينة إفــني …

سيدي إفني1

 مـن وحي مـدينة إفــني ….          

بقلم عمر افضن: [email protected]

عمر أفضن

ـ تمثـــــــال كباص :
التماثيل المنصوبة على الحديقة ” بلاصا دي اسبانيا” ، اختفت من مكانها ،  في الساعة التي نزل فيها  علم اسبانيا ، بجانبها ساعة  المدينة  توقف عقاربها  ، تشرف على  الساحة التاريخية   ،يتذكرها  الناس يوما ، وهم عائدون  إلى بيوتهم متعبين.
الجنرال الديكتاتور القديم  خلع تاجه، نزل عن عرش المدينة ، ومضى في حسرة ومات بأزمة قلبية ، مثل سائر خلق اللهمن المستبدين.
الغزالة  هنالك بحديقة “كلومينا” تلفتت يسرة ويمنة، لتتأكد من خلو الوادي  المتعجرف، وانطلقت فوراً  نحو البحر…
الوحيد الذي بقي في مكانه، هو تمثال “كباس” الذي أزالو رأسه ، وخلعوا لباسه ،  لأن الرجل  قتل مفطوما  في  زمنه  ، فلم تشأ أمه أن تعيد ثديها إلى داخل الثوب،كي لا ينزعج ، ويستيقظ من رقاده اللذيذ.
ـ الراحــلة صباح :
صباح ، ترتدي صندلة و جوربين رخيصين  وتمضي….
منذ سنوات  وهي تقطع الطريق نفسه مارة بقلب المدينة، حيث يتزاحم المتطفلين  في انتظار فرصة للهجرة .
هذا الصباح، تنتابها برودة  “تكوت” الساحرة ، ظنت غير مرة أن ثمة دموعاً ممزوجة ب ” إصروبان”  تتجمع في عينيها، تمرر إصبعها اليابسة فوق الجفنين فلا تعثر على شيء.
وتمضي، تهب أنفاس أشبه ب ” الشرقي” ،  قاسية في الأزقة، يضطر المتطفلون من البحارة  إلى رفع ياقات معاطفهم المهترئة، تحكم قبضة يدها فوق معطف احد المتطفلين  الباهت، كي لا تتسرب الأنفاس إلى صدرها، إذ تكفيها المرارة التي تنمو في داخلها هذا الصباح.
وتمضي، لكن صندلة البلاستيك  قطعت  عند الكعب ، تشفّ  من شدة احتكاك رجلها  الصلبة عن بؤس لا حدود له، تتوقف لحظة، تشد الصندلة ـالملونة بالأخضرـ  بخيط  تلف به رجلها ، ينظر إليها بعض  “البركاكا” في إشفاق: إنها رحلة قاسية.
غير أنها تمضي إلى مكانها المألوف مقهى  رغيف الإسفنج  عند ” عمر”   بجوار  المارشي الاسباني   كعادتها منذ سنوات.
ـأرملة المقــــــــاوم :
لم يبق من 400 درهم  راتبها الضئيل شي، اشترت كعادتها كل شهر أدوية  لكي تنام في البيت آل للسقوط ، ومهدد بالإنهيار في أي لحظة  منذ  الفيضانات . اقترضت عند  محمد “مول الحانوت”  كيس ” خنشة”  دقيق من حجم 20 كلغ ،  لتعجينها ً  للحفيدة  في الشهر، و اشترت بنطالاً  من  ” الجوطيا” ترتديه البنت تحت الصاية . اشترت حلوى “جوج دريال” للأولاد …، وما تبقى لديها من دراهم ، اشترت لأول مرة منذ سنوات، كحلاً ” تزولت”،  لعينيها وشئ من السواك والحناء ، من عطار اقرع  ،   يختبئ عادة  خلف صندوقه  في الحانوت بمنحدر سوق “الجو طيا” .

العجزة  نساء ورجال قدماء المحاربين،  كانوا في عناق دائم، ينتظرون مصطفيين بانتظام  الموظف  الأنيق ورفيق الدرب عيسى،  كي يستقبلهم  في بهو الخزينة ، و يؤذوا  تعويضا عن قتالهم من اجل اسبانيا.
ـ   جنـــــــــــازة  :
الدكتور الطويل ذو اللحية القليلة ، مات  في مقتبل العمر،  يعتقد أنه سيعاين حياة  رفاهية في البلدة ، لأنه منذ اشتغل  دكتورا في الطب العام ، يستقبل المرضى مجانا  على الدف في عيادته  بعيدا عن المدينة المنسية ، لعله ينسي  الألم للناس ،فتهز أردافهم على الدف ، سبع عشر واحد في رقصة أحواش احتفاء بموسم الصبار، أمام  مقر الجماعة القروية التي يرأسها ، لكل واحد من هؤلاء الراقصون  قصة لا يعلم أسرارها أحد سواهم.
الدكتور السياسي  “الساذج ”  وصى بنقل جثمانه إلى بلدته الصغيرة “مستي” ،  أيقن وهو يموت  في الفيافي  بسبب “لكصيدا”، أن المرضى  والراقصون ، بل خفافيش الظلام ، لن يتخلفوا عن حضور جنازته، وقد يتباكون دموع التماسيح ، فقط نساء البلدة هم  العارفات بما أسدلهن الرجل  من فعل خير،  يلطمن خدودهن  وينزفن دموعا .
الدكتور عبلا ،  مات وخفافيش الظلام  مستغرقون  في قيلولة ما بعد الظهر، تأهباً لليلة طويلة من الرقص المحموم، فلم يعود  أحدا يلقي نظرة على قبره  سوى أبناء بلدته ، ومن عابري السبيل، وأربعة من أهل البر رفاقه في المدينة المجاورة ، وكلب الحي البائس ذي الذنب المقطوع.

ـ زنــــــــــــزانة الرئيس:
في زنزانته  ، ضوء باهر في العمق،. منذ أغلقوا عليه الباب الحديدي وهو يجيل النظر في ما حوله بفضول، ويلوب في مساحة ضيقة دون أن يهدأ أو يستقر له البال  .
قرب الركن، ، يلمس الرغيف الآتي من مدينته  في حذر، إنها لقمة  تثير الأعصاب تذكره ، بالسكرتارية ، والسبت الأسود ، و البلدية ، بل ذكريات من الكازينو …. ثمة شخص آخر يسكنه ؟ ولماذا لم يأكل طعامه؟
يحاول أن ينام، يؤرقه منظر الرغيف الصامت،. يدفن رأسه تحت “الوسادة “، فلا ينام لأن ثمة رغيفاً محيراً لا يبوح بأي كلام. وتذكر حكاية  الحمار والأسد ،  وكيف أن الثعلب “شماتة “،  تلك القصة  التي تروض النفس ، ومنها يتعلم الحكمة ،  أخد الكتاب مؤنسه  يتناول  خبز أمه، يدفن رأسه مرة أخرى  تحت الوسادة ، هذه المرة يتذكر أشعار الخيانة  يتردد همسا ،  ترتعد شفتاه   شوقا للصراخ ،  يساير مطلعها بسيمفونية على مرارة  قائلا  :

يلقاك يحلف أنه بك واتق       فإذا تورى فهو العقرب.

يعطيك من طرف اللسان حلاوة        يروغ منك كما يروغ  الثعلب .

اغضب الحراس ، عندما سمعوا دندنته   أتوا به ، يقتادونه إلى الخارج،  يتذكر  في ارتياب، وبتشمم من وراء الباب.  يستمع إلى صوت خافت يقترب منه يرد على إيقاعه  أكثر حماسا ، يتساءل عن هذا الصوت العجيب ،فانبرى هاتف من السراب ، يردد عاليا تسمعه  كل الزنازين ، أنا،  تونروز،  ابنتك قائلة : ”
لا تأسفنَّ على غـدرِ الزمانِ لطالمـا
رقصت على جثثِ الأســودِ كلابا
لا تحسبن برقصها , تعلوا على أسيادها
تبقى الأسودُ أسوداً والكلابُ كِلابا.

 

    ـ ختــــــــــــــــــاما .

الحَضارة هِيَ الأُم… “عَلّمواأَوْلادَكْم أَنَّنا بَشَر”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق