بورتريه : مصطفى الحسني يتجاوز العراقيل ويتحدى إعاقة البصر  

بورتريه

من قرية العونات عروس القبائل الدكالية وجوهرة القرى الضاربة في القدم، أرض البطولات والأمجاد والعلماء والمتصوفة، أرض المجاهدين والمناضلين، بزغ نابغة من سلالة الشرفاء العونيين اسمه “مصطفى” ابن الفقير الشيخ المتصوف، الحاج العربي العوني.

هذا الشاب الذي يعد من الفئة الكثيرة التي تشتغل في صمت وخفاء، والذي لم تمنعه إعاقة البصر عن تحقيق ما عجز عنه الأصحاء )أصحاب النظر القوي( فصار بذالك بطلا في التحدي والمسارعة مع الزمن. انطلق لوحده دون إشارة من أحد أو اتكالية على مرافق، يخطو خطوة ثبات ومروءة في صمت من ممرات منطقة العونات إلى مدينة الرباط معتمدا على حاسته الإضافية التي وهبها الله له، لم ينتظر قطار الزمن المتبذل حتى يهاجمه اليأس وينزل به ما نزل بالعديد من ضعافي البصر والمكفوفين مثله، ليكسر حاجز إعاقة البصر بنفسه متحديا بذلك جدارا عاليا بحصوله على الإجازة في اللغة العربية ليواصل سيره في جنح الظلام بعزيمته المستمرة عن طريق حاسة اللمس أو ما يعرف بــ “البرايل”، متشبعا بروح التفاؤل وإبعاد هاجس التشاؤم عن قلعته المحصنة بثوابت المثابرة والصبر. لم يشعر يوما بالملل من مهنة مربي متخصص في المرافقة وتأهيل الأشخاص المعاقين، لأن وقته بفعل المسؤولية التي أصبحت على عاتقه قسـّمه ما بين العمل كـمنسق مع المؤسسة الدولية للأفلام السينمائية بمراكش ومشرف على المكفوفين في التنقل من مدينة الرباط إلى الحمراء؛

شخصية فريدة زمانه الماضي و الراهن والمستقبل، لا تفارقه الإبتسامة ولا يختزل الحنان في وجه الآخر، سواء داخل بيته الصغير المتواجد بحي يعقوب المنصور “القامرة، الرباط” أو مع أسرته وأصدقائه ومعارفه الذين يفتخرون بتحديه الصامت وبحنانه الموزّع .

شخص يراوح اليوم الحادي والثلاثين (31)  من عمره وكأنه ابن السبعين لمجالسته الرعيل الأخير والجيل الحالي في طريقة أسلوب تناغم كلامه وإلقائه العفوي في تنشيط السهرات الفنية والثقافية بمختلف المدن المغربية وتدريسه لميدان الطب بمدرسة “تكوين الأطر الصحية” بالعاصمة الإدارية الرباط .

نسج مصطفى الحسني ابن الشيخ المتصوف الحاج العربي، حلما ورديا مكـَّنه من تحقيق كل ما كان في خانة مستحيلاته، بحصوله على دبلوم الترويض الطبي من تونس برتبة ممتازة، ودبلوم التأهيل الوظيفي..

لم يكن مصطفى الحسني إنسانا عاديا، فهو قبل أن يصبح مدرسا في الطب، ومـُرَوضا فيه، ومرافقا للمكفوفين؛ أبدع أيضا طباخا يحضر شهيواته بطعم يده، يرى الأشياء ببصيرة قلبه أحسن من رؤية العين، هذه المعجزة الربانية التي أنعم الله بها عليه، جعلته يخطف الأضواء في سن مبكرة الشيء الذي دفع بجمعية المكفوفين وضعاف البصر يوكلون إليه مهمة صفة كاتب عام لها..

مصطفى الحسني، الأسمر اللون، الطويل القامة، الرقيق المنكبين، الباسم دوما لحظات تأثره، إذ غالبا ما يبخل إلى تعميم النصح والحـِكم على من يجالسه في توزيع البسمة على الوجوه التي دمرها الأمل والحزن وهـَمُّ الدنيا، ينخرط في أوقات معينة يختارها بدقة من أجل تحريض الناس على فعل الخير والتكافل والتسامح والاجتهاد والعمل والتحلي بالصبر والقيم الإنسانية الفاضلة، فهو يؤمن بقضايا إنسانية وبالقدر أيضا، يعتبر نفسه فضلا عن كونه مرافقا ومساعدا لمن يتقاسمون معه نفس المعانات و الإعاقة..

يطل مصطفى الحسني دوما على أصدقائه بنفس الطلة، بالبساطة المعهودة والتواضع المكشوف، فهو يتفهم وضع المتحدث إليه و يقرئ ملامح وجه المبصر له، ليفهم من ذلك الماثل أو الواقف أمامه ، أن عامل الإعاقة بأنواعها قدر من عند الله عز وجل وليس من فعل أحد، وأن مصطفى الحسني وغيره من بعض المكفوفين يعتبر شيء هائل للغاية والتمعن في هذا المخلوق، حيث يرون الأشياء بدقة رغم أنهم……….. فـلله في خلقه شؤون.

عبد المغيث عيوش    – تيزنيت 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق