أكادير : لقاء علمي حول الحداثة والسياسة من منظور مغربي.

يعيش عالم اليوم العديد من الأحداث المآساوية والتي تتجلى وتنعكس في مرآة حقيقة القضية الفلسطينية، وفي ظل إنحياز السياسيين الليبراليين المتطبعين مع الكيان الصهيوني وأمام موجات العضب والرفض لكل ما هو غربي، اختار الفريق البيداغوجي لماستر الادارة حقوق الإنسان والديمقراطية والأكاديمية المدنية للديمقراطية وحقوق الإنسان أن تعيد النقاش الى موطنه الطبيعي وهو الجامعة المغربية.

حضرهذا النقاش مفكران نقديان تتلمذا على أيديهم الألاف من أساتذة اليوم في الفلسفة السياسية والسوسيولوجية السياسية، المفكر رشيد علمي الإدريسي والمفكر عبد المالك الوزاني بجامعة القاضي عياض. وقد كان هذا الإختيار من وحي فصل التجربة السياسية للدول اللليبرالية عن الفكر السياسي الفلسفي والسوسيولوجي النقدي في موضوع الحداثة والسياسية من منظور مغربي.

في بداية اللقاء كانت الكلمة للمنظمين والمشرفين على هذا اللقاء علميا الأستاذ عبد الحكيم أبو اللوز رئيس فريق البحث في الدراسات القانونية والإستراثيجية والأستاذ رشيد كديرة المنسق البيداغوجي لماستر الإدارة حقوق الإنسان والديمقراطية والاستاذة اكرام عدناني مسيرة لأشغال الندوة.

تناول الكلمة في البداية الأستاذ رشيد العلمي الإدريسي محلقا في رحلة علمية عن تناقض فكر الحداثة وواقع الحداثة، بدأ رحلته من الأغورا اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد وانتهى الى جغرافيا فكر الحداثة بامريكا اللاتينية التي تعيش تماثل  مع السياسة الليبرالية الإستعمارية وفي ذلك يقول الجغرافيا الفكرية والسياسية للحداثة الغربية تتناقض حين تدعي التفكير الأحادي الديكارتي” أنا أفكر انا موجود” واستعاضتها الدراسات الفكرية لأمريكا اللاثينية بعبارة عميقة عنوانها “نحن نفكر” وفي ذلك إشارة الى أن التفكير في الحداثة يتخطى الواقع السياسي للدول الأوروبية، وهي إعادة التفكير في الحداثة باعتبارها مفارقة بين الدفاع عن قيم الحداثة كالحرية والمساواة والديمقراطية رفقتا ومصاحبة لرفض التعين التاريخي لكل أشكال السياسات الإستعمارية والإضطهادية كما نعيشها في اجلى صورها مع تدمير الإنسية الفطرية والإنسانية لفلسطين. وفتح النقاش عن ادعاءات الطرفين الرافض للحداثة االفكرية بما يسمى ما بعد الحداثة في الفكر الألماني أساسا ورفض الحداثة في موطنها الإستعماري. إن هذا النقد المزدوج للفكر والسياسة لماهما المفكر رشيد العلمي الإدريسي في فكرة أساسية مفادها أن الحداثة مشروع إنساني بشري قد ينحرف في إدعاء كمال ميتافيزيقي ولكنه في نهاية المطاف هو مشروع واقع وفكر متجدد يؤول فيه النصيب الأكبر للمثقف المغربي أساسا الكوني لحاقا لتنوير الفكر في اتجاه تغيير الواقع السياسي.

وبعد ذلك تناول الكلمة المفكر عبد المالك الوزاني السوسيولوجي السياسي المعروف ليتعمق التحليل النقدي السوسيولوجي في المثون التاريخي مدارها الحداثة من منظور مغربي. وافتتح درسه من اخر مفكر أشار اليه الأستاذ المفكر رشيد العلمي الإدريسي وهو ليو ستراوش قائلا إن علم السياسة مناطه الفلسفة السياسية وليس النظرية السياسية. لقد حاول في ذلك الإشارة الى الجدل السياسي فكرا وعملا سياسيا بشأن ماكيافيل. لقد اعتبر ماكيافيل النواة السياسية الفكرية والعملية للحركة الوطنية الإيطالية أولا والكونية ثاينا. اعتبر في ذلك ان اعطاب الحداثة السياسية فكرا وعملا سياسيا حينما تم التفكير في السياسة الميكيافيلية كقطع جميل بين النظام القديم وبين نظام مستحدث. لذلك يقول أن تملك الحداثة ليس له باب واحد بل هي أبواب متفرقة استحضر في ذلك أحد المنظرين المعاصرين eugen weber  الذي رسم الصور الواقيعية السياسية للحداثة في الغرب الفرنسي الذي كان يعتقد في ظل نظام ملكي فرنسي أن المرحلة التقليدية أو القدامة هي مصاحبة للحقل الترابي القروي، واستحضر طوكفيل سنة 1848 حينما تمت دسترة الإقتراع العام وسرد حكاية طوكفيل الذي نعرفه مفكرا متنقلا بين أمريكا وفرنسا كاتبا الظام القديم والثورة والديمقراطية في أمريكا. وهو يحاول تطويع الفكر لتحقيق الفكرة السياسية العلمية الواقعية.

حاول طوكفيل أن يترشح في بلديته المساة طوكفيل وأن يشرح للفلاحين البسطاء فكرة الإقتراع وكان عليه ان يلزمهم شروط سياسية عملية ربما تكون متناقضة مع فكر تحرره السياسي، حيث الزمهم بالبقاء معه دون تواصل مع الخصوم السياسيين في رحلته الى مدينة  مجاورة حيث مقر التصويت وتساءل عبد المالك الوزاني: اليس ذلك تطويع للفكر من اجل السياسة؟ اليس ذلك تناقضا في الحقيقة بين الجانب المتنور السياسي والفكر السياسي لزوميات العمل السياسي كما نعيشها في مغرب اليوم؟ في سؤاله تحدث عن الباب الفرنسي للحداثة وقال ان التجربة السياسية الفرنسية مرت عبر عوامل أو عناصر التنمية أولها الزام الجماعات الترابية ببناء شبكات الطرق لجسر الحدود الترابية بين المدينة(المدنية)وبين القرية والجبل، فكان الهدف هو بناء أمة لم يعرفها الذي سكن الجبل او القرية أجنبيا أو غريبا. وكان العنصر الثاني بناء شبكة المواصلات حتى تستطيع (القرى) اللحاق بركب الحداثة، وكان العنصر الثالث وآخرها هو اجبارية التمدرس بقانون صادر عن الجمعية الوطنية الفرنسية. تساءل بعدها الم تتحق هذه الشروط في الدولة التحديثية المغربية؟ وقال ان المغرب يجب أن يستدعي فكرة التمايز المؤسساتي بمنهج وظيفي بنيوي وبوحي فرنسي قديم لمونتسكيو مفاده أن تعاقد المجتمعات يستدعي التفكير في بناء مؤسسات ذات وظائف معقدة ومتعددة. ان التمايز المؤسساتي معناه التفكير في فصل السلط الذي قد يقود الحداثة التي تمتح من الفكر السياسي وليس من العمل السياسي الناشئ في أوروبا في القرن 16.

يقول المفكر عبد المالك الوزاني أن أزمة الحداثة السياسية بالمغرب هي في الحقيقة أزمة فهم للسوسيولوجيا السياسية والفلسفة السياسية التي تحكم مغرب اليوم. مشيرا في ذلك الى أن كتابات نجيب بودربالة وباسكون وعبد الله الحمودي كانت تفكر في المغرب خارج الهيمنة الفكرية والسياسية المنتصرة للتحديث المهيمن. معتبرا أن الحداثة في المغرب في نسختها الغربية أدخلت قسرا والحداثة في صيغتها المغربية كانت لتنمو. وخلص الى القول إن الحداثة تمايز مؤسساتي وتمايز أخلاقي وتمايز سياسي وأخيرا تمايز فكري. فالحرية والمساواة في قيمها أبواب مفتوحة بشرط أن نتملك الحداثة فكريا وليس سياسيا.

وفي الختام ثم تكريم الأساتذة المفكرين رشيد علمي الإدريسي وعبد المالك وزاني من طرف طلبتهم وانتهى اللقاء بفكرة أساسية مفادها أن الحداثة جميلة في تلاقيها الفكري وبشعة في ممارستها السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق