رأي : تعدد الزوجات بين الشريعة الإسلامية ومدونة الأسرة المغربية ( الجزء الأول )

عبد المجيد بوتنبا

موضوع تعدد الزوجات موضوع حساس، فالحديث عنه يتطلب جرأة كبيرة نظرا للاختلاف القائم بين مؤيديه والمعارضين له فقها أو قانونا. ولنتفق أولا على أن مدونة الأسرة لسنة 2004 مبنية إلى حد ما على الشريعة الإسلامية التي أوردت اهتماما بليغا للأسرة في المجتمع لقوله صل الله عليه وسلم: ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته “، ومدونة الأسرة سارت على نفس النهج حيت جاءت في توجيهاتها إلى اعتماد إصلاحات جوهرية، وصياغة مفاهيم حديثة خصوصا التي تتعلق بكرامة وإنسانية المرأة، باعتبار أن ” النساء شقائق الرجال ” كما جاء على لسان المصطفى صل الله عليه وسلم، وكما روى كذالك بقوله ” لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم “.
وفي ما يخص مسألة التعدد فقد شكلت موضوع اهتمام في خطاب الملك محمد السادس في افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية التي صادفت يوم 10 أكتوبر 2004. فما هو سند هذا التعدد؟ وما موقف الفقهاء منه؟ وما هي شروط وقيوده عند الفقهاء عامة وفي ظل مدونة الأسرة على الخصوص؟
• تعريف وسند تعدد الزوجات
يقول ابن منظور أن التعدد في اللغة يعني الإكثار وفي الاصطلاح الفقهي هو الإكثار من الزوجات في حدود المسموح به شرعا أي أربع زوجات، خلافا للمذهب الشيعي الذي لم يحدد العدد المسموح به بدليل قوله تعالى: ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء ” على عكس أهال السنة الذين حددوا العدد في أربع زوجات بدليل قوله تعالى ” مثنى وثلاث ورباع “، وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية : أي انكحوا ما شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنتين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا، وقال ابن عباس رضي الله عنه بخصوص هذه الآية وعلى نهجه قال جمهور أهل العلم ” المقام مقام امتنان ولإباحة، فلو يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكر.، ردا على المذهب الشيعي الذي لم يحدد العدد. وقال الإمام الشافعي رحمة الله عليه وقد دلت سنة رسول الله صل الله عله وسلم المبنية عن الله أنه لا يجوز لأحد غير الرسول صل الله عليه وسلم جمع بين أكثر من أربع نسوة، وهذا هو الخطأ الثاني الذي وقع فيه المذاهب الشيعية في التفسير الخاطئ للآية السالفة الذكر. وجاءت السنة النبوية لتزيد الآية وضوحا لعدد المسموح به شرعا، والأحاديث كثيرة في ذلك، وسنفرد فقط ثلاثة أحاديث أولا فيما أخرجه مالك في الموطأ أن النبي صل الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة : ” أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن “، وفي ما روي عن قيس بن الحارث أنه قال: ” أسلمت وعندي ثماني نسوة فجئت النبي صل الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: ” اختر منهن أربعا “، وكذا قوله صل الله عليه وسلم لنوفل بن معاوية الديلمي وقد أسلم وعنده ثماني نسوة : ” إختر أربعا أيتهن شئت وفارق الأخرى “.
وقال أبو زهرة موضحا من يخالف رأي الجمهور في المسألة: ” وعدم جواز الجمع بين أكثر من أربع هو رأي جمهور الفقهاء، ولم يخالفهم إلا من يفيد بخلافه عن جماعة المسلمين ” .
وبالرجوع إلى ما قبل الإسلام فقد كان الزواج عشوائيا ( سنفرد له مقالا إن شاء الله )، وجاء الإسلام فوضع للتعدد حدا يقف عند أربع، و جعل له شرطا جوهريا أساسا وهو العدل بين الزوجات، والعدل هو الأساس الذي بنيت عليه الشريعة الإسلامية مند نزول الوحي دون تمييز بين العباد، ومن هنا الاقتصار على أربع نسوة كما يستفاد من الآية الكريمة والأحاديث النبوية السالفة الذكر.
• شرط العدل بين الزوجات
وبعد هذه اللمحة التاريخية حول أصل التعدد سنفرد الحديث عن شرط العدل بين النساء، فانطلاقا من قوله تعالى: ” ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتدروها كالمعلقة “. فمن خلال قراءة هذه الآية يتبين أنه بغياب العدل يغيب التعدد والاكتفاء بزوجة واحدة، وفي موضوع العدل وحسب ما بينه أهل العلم وفي هذه الآية هو العدل فيما يتعلق بالأمور الظاهرية أي المعنوية من نفقة وملبس ومساواة بين الأولاد والكلمة الطيبة حسب ما رواه القرطبي رحمة الله عليه.
ويجمع المفسرون على أن هذه الآية تتعلق بالمحبة أي فيما يخص الميل القلبي، وهذا الميل يصعب العدل فيه، لأن الشخص لا يتحكم في مشاعره وأحاسيسه. وبالرجوع إلى السنة النبوية العطرة حيث أن الرسول صل الله عليه وسلم كان أكثر ميلا لزوجته عائشة رضي الله عنها، أكثر من ميله إلى الزوجات الأخريات، لكن هذا لا يمنعه من العدل في الأمور المادية، وفي هذا الصدد قال: ” اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك “، وقال السيد قطب رحمة الله عليه في تفسير الآية 129 من سورة النساء ” ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتدروها كالمعلقة “” إن الله الذي فطر النفس البشرية يعلم من فطرتها أنها ذات ميول لا نملكها ومن تم أعطاها لهذا للميول خطاما، خطاما لينظم حركتها لا ليعدمها ويقتلها” بمعنى آخر أن هذا الميول أي ميل القلب إلى إحدى الزوجات يؤثرها على الأخريات فيكون ميله إليها أكثر من الأخرى أو الأخريات، وهذا الميل لا حيلة فيه، وأن الإسلام لا يحاسبه على ما لا يملكه، ولا يجعل هذا إثما يعاقب عليه فيدعه موزعا بين ميل لا يملكه وأمر يطيقه، وأن الله يصارح عباده بأنهم لن يستطيعوا أن يعدلوا بين النساء ولو حرصوا، حيث أن الأمر خارج عن إرادتهم. لكن هناك ما هو غير خارج عن إرادتهم، هناك العدل في المعاملة، العدل في القسمة، العدل في النفقة، والعدل في الحقوق الزوجية كلها حتى الابتسامة في الوجه، والكلمة الطيبة ..وهذا هو المطلوب.
ومن هنا يمكننا القول بأن التعدد لحصوله مشروط بالعدل في الأمور الظاهرية، وعدم الميل كليا في المحبة القلبية، وفي هذه النقطة انقسم الفقه إلى فريقين:
الأول: يبيح التعدد ولو لم تكن هناك ضرورة تقتضيه، ويشترط فقط مراعاة العدل والإنفاق على الزوجات والأولاد.
الثاني: يذهب إلى جواز التعدد مع تقييده بضرورة تقتضيه، بالإضافة إلى شرط العدل والقدرة على الإنفاق( وهذا هو مذهب مدونة الأسرة كما سنرى فيما بعد ). وقد عبر الشيخ محمد عبده عن هذا الموقف بالقول:” الشريعة عندما سمحت بالاقتران بأربع نسوة فإنها لم تفعل ذلك لكي يقضي الرجل شهوته في من شاء، بل كانت هذه الإباحة محددة بفكرة العدل. وكان الملحوظ فيها أن تكون لدواعي خاصة تضطر بالرجل إلى اتخاذ زوجات أخر، أما في الشريعة الإسلامية فهو أن تكون الزوجة واحدة على حد قوله.”
… يتبع

 

 

بقلم عبد المجيد بتنبا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق