تقرير أوعمو بشأن المشاركة في رحلة دراسية حول تقييم السياسات العمومية بإسبانيا وفرنسا

إضافة إلى أعضاء من الجمعية المغربية للتقييم، في رحلة دراسية تناولت التجربتين الفرنسية والكاطلانية بإسبانيا في مجال خبرات تقييم السياسات العمومية على الصعيد الجهوي. وفيما يلي تقرير في الموضوع:
تقييم السياسات العمومية
أداة عصرية لتقويم وتطوير الأداء العمومي

لا يمكن أن يكون للبناء الديمقراطي أثر عمودي في حياة الإنسان، إذا لم يستشعر المواطن بأنه معني بالشأن العام ومشارك فيه ومتتبع لكل ما يروج حوله ويحوم في فلكه من سياسات عمومية، يكون المواطن مصدر تمويلها بمساهمته في الدخل الوطني.

ويعتبر التقييم عنصرا حاسما وجوهريا وفاعلا ضمن عناصر الحكامة الرشيدة. وهو لا ينحصر في مجال مجرد إبداء الرأي أو النقد أو الحكم،  وإنما هو صيرورة دائمة ومستمرة تستهدف تحسين الأداء في جو من الشفافية الكاملة والنجاعة والفعالية.

وأكاد أجزم بأنه بقدر ما نكثر الحديث في المغرب عن الحكامة الرشيدة في جميع المجالات – لدرجة أصبحت معها منهجا ملزما بحكم الدستور الجديد – بقدر ما تظل مواكبة أدوات تقييم السياسات العمومية ضعيفة، ويبقى هذا التقييم منحصرا في جزء يسير من  بعض السياسات العمومية ، ويظل في كثير من الأحيان ذا طابع داخلي ومحدود.

والأدهى من هذا كله، هو غياب ثقافة وتقاليد النشر الواسع للمعطيات حول السياسات العمومية وضعف تداول المعلومة والتمكين من وسائل الوصول إليها.

وإذا كان الدستور الحالي قد أكد في كثير من مبادئه وقواعده على مقاربات التشارك والمشاركة، وأصر على ضرورة اعتماد أدوات الحكامة وخلق مؤسساتها وإسناد وظيفة تقييم السياسات العمومية إلى البرلمان ، والعمل بمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن ذلك كله لن يتم تفعيله بالشكل المطلوب، إلا إذا كان مصاحبا بتوفير آليات متعددة للتقييم على جميع المستويات الداخلية منها والخارجية، والحرص على أن تمارس مهام التقييم في شفافية مطلقة تضمن التمكين من الاطلاع والنشر وتلقي الملاحظات والانتقادات بناء على معطيات واضحة ودقيقة تقرب أكثر من الحقيقة.

والملاحظة الثانية التي تثير الانتباه هي أن المرجعية التأسيسية لأدوات تقييم السياسات العمومية ما زالت غائبة، وما زلنا ننتظر تنزيل الدستور عن طريق القوانين التنظيمية والعادية .

ومن واجبنا تنبيه المشرع إلى أدوات التقييم ليضع لها قاعدة مرجعية مؤسساتية ضامنة لممارسته وإلزاميته.

ولقد مكنتني الرحلة الدراسية ضمن الوفد البرلماني المغربي – هذه الرحلة التي نظمتها الجمعية المغربية للتقييم إلى جهتي كاطلانيا باسبانيا و باكا   PACA)  Provence Alpes Côte d’Azur) ) بفرنسا من أن أكتشف ضمن المجموعة التي شاركت في هاته الرحلة أن فرنسا تصدت في تشريعها منذ سنة 1999 إلى التأكيد على أهمية وإلزامية تقييم السياسات العمومية لتشمل كل قطاعات الدولة المركزية منها واللامركزية، بجانب الأداء الذي تقوم به المحاكم المالية في موضوع دعم وتعزيز التسيير، فاستطاعت أن تقطع أشواطا كبيرة في هذا الاتجاه، حيث لا تكاد مؤسسة تخلو من مديرية أو مندوبية للتقييم، إضافة إلى توسيع شبكات المقيمين المتخصصين سواء في مجال التقييم الداخلي أو الخارجي وخلق إطارات متعددة لتطوير البحث العلمي بتنسيق مع الجامعات ونشر ثقافة التقييم العمومي على غرار الجمعية الفرنسية لتقييم السياسات العمومية ومختلف مكاتب الدراسات المتخصصة.

أما اسبانيا، فإنها هي الأخرى أسست لتقييم السياسات العمومية من خلال قوانين متعددة منذ سنة 2008 لتشمل السياسات العمومية للدولة أو السياسات العمومية للجهات، وبالخصوص التي تتمتع منها بالحكم الذاتي. هذا بجانب ما بقوم به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وكذلك المحاكم المالية.

ولقد مكننا اطلاعنا على تجربة المعهد الكاطلاني لتقييم السياسات العمومية Ivàlua من التعرف على المناهج الدقيقة وآليات البحث والتتبع المستعملة، وذات الطابع الاستباقي والمواكباتي، والتي تنطلق حتى قبل وضع السياسات العمومية، وتشارك في بلورتها وتتبع مختلف مراحل دراستها وتنفيذها، وتنشر تقاريرها بصفة مرحلية أو نهائية .

وتتكون هذه المؤسسة من عدة جهات عمومية ومؤسسات جامعية ومهنية، وتتمتع بالاستقلال التام،  كما تتوفر على إمكانيات كبيرة لأداء وظيفتها التقييمية. وقد تستعين في مهمتها بمراكز جامعية أو بخدمات مكاتب دراسات خارجية حسب طبيعة البرنامج موضوع التقييم .

وينشط هذه المؤسسة مجموعة من الأطر الشابة المتمرسة في عدد من التخصصات ، والتي أثبتت حنكتها وتجربتها، بجانب قدرة كبيرة على إنجاح آليات التقييم .. حتى أصبحت مؤسسة Ivàlua مؤسسة مرجعية للتصديق وإبداء الرأي في عدد من البرامج التي تابعتها وعالجتها.

وتقوم هذه المؤسسة الكاطلانية بنفس الدور التقييمي الذي تقوم به الجمعية الفرنسية لتقييم السياسات العمومية في النظام الفرنسي، وبشكل أكثر اتساعا وأكثر مرونة.

فالعروض التي حضرناها بمعهد كاطالانيا لتقييم السياسات العمومية Ivàlua طيلة صبيحة يوم الثلاثاء 26 مارس 2013 مكنتنا من استيعاب دلالات تقييم السياسات العمومية وميكانيزماتها ومعاييرها، مقارنة مع وظيفة الآلة القضائية . وهي كلها وظائف مستقلة ومتكاملة وتمارس خارج التأثير السياسي وفقا لضوابط ومعايير معمول بها ومتفق عليها في الأنظمة الديمقراطية.

كما أن العروض التطبيقية التي حضرناها بمديرية ومصلحة كاطالانيا للتشغيل مكنتنا من الاطلاع على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق