المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية

وإن بدا كل عنصر مستقلا عن الآخر، بالنظر إلى البناء العام لبنود الدستور المغربي، فإنهما مرتبطان أشد ارتباط. ولعل أهم تجل لذلك، انتسابهما إلى الحقل الثقافي في مفهومه الخاص. فمعظم التعبيرات الثقافية، يبدو أنها ذات صلة باللغة، سواء باعتبارها موضوعا أو أداة. فالآداب والفنون، في عمومها، إما أنها تتمظهر في اللغة وبها، أو تضمرها بوصفها نموذجا للتفسير والتأويل.
وإن كان العنصر الأول يستجيب لحاجة سياسية، فإن العنصر الثاني لا يقوم دوره إلا على خدمة البعد الثقافي تحديدا. يمكن الحديث، هنا، عن نوعين من الأمن، في إطار هذه المقاربة: الأمن السياسي والأمن الثقافي. الأمن الأول يستهدف الحفاظ على التماسك الاجتماعي للمغاربة، بدرء قدر كبير من المظلومية، التي يحسها قسم كبير منهم تجاه لغتهم وهويتهم وثقافتهم (الأمازيغ). أما الأمن الثاني، فإنه يستهدف تحصين الثقافة المغربية، في مختلف لغاتها وتعبيراتها، ضد التهديدات التي تفرضها العولمة في سياقها الجارف والمتوحش. ففي هذا الإطار، كثيرا ما يبدو التدافع بين العربية والأمازيغية بغير معنى، بالنظر إلى ما تنطوي عليه العولمة، في سياقها الأمريكي ذي القطب الواحد، على مستويي الاقتصاد واللغة (الإنجليزية).
والملاحظ من تسمية المجلس المذكور، أن الأخير يراد له أن يقوم على مبدأين رئيسين: التنوع والوحدة. فإذا كانت اللغات المغربية متعددة، فإن الثقافة المنتسبة إليها واحدة، باعتبارها موضوعا لها جميعا، سواء تعلق بالعربية أو بالأمازيغية في مختلف لهجاتها. هكذا، يمكن الحديث عن نوع من التلاقي بين الدسترة واستحداث المجلس، على مستوى الأهداف البعيدة، بفعل الإكراهات التي تفرض نفسها مغربيا، في بعديها السياسي والثقافي كما أسلفنا.
إن للمجلس أكثر من مهمة، بالنظر إلى الإكراهات الحاصلة. غير أن التوجس من أن يتحول المجلس إلى مجرد إطار شكلي يظل قائما في ظل تضخم المؤسسات الرسمية المعتنية بالموضوع، من قبيل: أكاديمية محمد السادس للغة العربية، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وللإشارة، فإن وجود المجلس يطرح أكثر من سؤال في طبيعة علاقته بالأكاديمية والمعهد المذكورين. أما إذا تم تفعيل المجلس الأعلى للثقافة، فإن الأمر يزداد غموضا والتباسا. فكيفما كان الحال، لا ينبغي للدولة فرض أجوبة عن قضايا استراتيجية، من خلال استحداث إطارات شكلية، سرعان ما تدرك استحالة تدبيرها الملف الثقافي على الوجه الأكمل. وهنا، يصح التساؤل عما اضطلع به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حتى الآن؟ إضافة إلى إرادة الدولة، فإن للواقع المركب دخلا في الموضوع، بحكم ما يفرضه من إكراهات، مادية وغير مادية.
لقد وُجد المغرب، منذ فجر التاريخ، متعددا في طبيعته وإثنياته وتمظهراته الثقافية. وفي الوقت الذي يعتبر هذا التعدد عنصر غنى، يمكن التخوف من أية سياسة تفشل في تدبير هذا الغنى، بما يهدد خصوصية الشخصية الحضارية للمغاربة جميعا. إن اعتراف الدولة بتعدد المغرب، وليس بتنوعه فقط، يسير في اتجاه اعتماد ما يسمى «الجهوية المتقدمة». ويبدو أن فيها حلا واقعيا للمغرب الحديث، على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولكن في إطار من التضامن والتكامل بين جميع الجهات. ومن هذه الناحية، تبرز أهمية المجلس الوطني على المستوى الثقافي، باعتباره فاعلا على صيانة التعدد الثقافي المغربي وتنميته، في مختلف لغاته وتعبيراته.

المساء نشر في المساء يوم 12 – 02 – 2013

عبد الدين حمروش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق