سابقة في الشأن الديني : تكريم أئمة المساجد لمرشد ديني بأكلو


أقام أئمة المساجد بجماعة (اثنين اكلو) يوم السبت 24 شتنبر 2022 بإقليم تزنيت حفلاً تكريمياً بمسجد الإمام مالك بزاوية سيدي وكاك للمرشد الديني الأستاذ الباحث الحسين تكفوت، المتخرج ضمن الفوج الخامس بمعهد تكوين الأئمة بالرباط سنة 2010 وعيّن هناك منذ ذاك الوقت إلى الآن.

وهذا اللقاء التكريمي الذي نظمه أئمة الجماعة المذكورة بتنسيق مع المجلس العلمي بتنسيق مع المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية، وجمعية الزاوية للبيئة والتنمية، يعتبر أول مبادرة من نوعها على الصعيد الوطني فيما نعلم، وكان حفلاً بهيجاً وممتعاً، أشرف على تنظيمه أئمة من الجماعة نفسها منهم الفقيه محمد العكيدي، والفقيه أحمد المزلي، والفقيه أخراز حسن، والفقيه الحسن الطركزي، والفقيه كوجا الحسْن الذي نسّق فقرات الحفل، ونشَّط تسيير برنامجه الحافل بالقصائد والكلمات.
سنة 2022 سنة التكريمات بسوس:
إذا كانت سنة 2017 تُعرف في سوس (بعام الحزن) لكثرة من مات فيها من خيرة الفقهاء، وكبار الأعلام، وأقطاب الصوفية؛ فإن سنة 2022 يحق لها أن تكون سنة التكريمات، لأن أهل سوس ميّالون بطبعهم إلى الكرم والإحسان، وساعدتهم بيئتهم على ذلك، لاسيما بعد كثرة الغلاء وارتفاع الأسعار بسبب جائحة كورونا.
فمنذ أن فتح تلاميذ المقرئ سيدي إبراهيم جبارة البعمراني المشهور بـ: (أمراح) باب التكريمات لشيخهم في أواخر يوليوز 2022 بمدرسة سيدي زكري ببعمرانة؛ تبعهم بإحسان طلبة المقرئ البصراوي سيدي سعيد الخربي في 14 غشت 2022 فأقاموا تكريماً لأستاذهم بداره بهشتوكة، فصار على منوالهم تلاميذ أربع قراء آخرين حسب علمي، فضلاً عن غيرهم مما لا نعرفهم، فكلهم طراً يستعدون لتكريم أشياخهم في الشهور المقبلة، حتى ضاقت أبواب التكريمات بكثرة الداخلين عليها. وآن الأوان لطلبة الفقهاء أن ينافسوا تلاميذ الوراشين والقراء، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، ولا أحد منا تدفن معه أمواله، ما عندكم ينفذ وما عند الله باق.
وفي هذا الخضم كرّم أئمة أكلو مرشدهم الديني الأستاذ سيدي الحسين تكفوت، فكأن هذه السنة أبت إلا أن يكرم فيها الفاضل، ويرفع فيها قدر خدام أهل القرآن، فهو كثر الله من أمثاله من جنود الخفاء الذين نذروا حياتهم لخدمة الأئمة، والعطْف عليهم، والتواضع لهم، ومساعدتهم في كل وقت وآن. وقبل الشروع في ذكر ما جرى في هذا الحفل؛ يستحسن التعريف أولا بالمحتفى به، وتقلباته العلمية، والكتب التي ألّفها، وسائر الوظائف التي تقلدها.
نبذة موجزة عن المآخذ العلمية الأولى للأستاذ الحسين تكفوت:
ولد المحتفى به سنة 1982 وتعلم الحروف الهجائية في بلدته -اشوغاغ بقبيلة نكنافة إقليم الصويرة- على يد الشيخين سيدي محمد اغريش، وسيدي مولاي محمد اشاغوغ، فحفظ خمسة أحزاب عندهما، ثم انتقل لمسجد الفتح الكائن بحي الموظفين بأكادير عند والده سيدي إبراهيم بن الحسين المتوفى في 20 أبريل 2010 وكان يزاوج عنده بين حفظ القرآن ومتابعة الدراسة بالمدرسة الابتدائية ابن سينا، ثم إعدادية المتنبي، فثانوية رضا السلوي، إلى أن حصل فيها على باكلوريا آداب عصرية تخصص: (لغة اسبانية) سنة 2003 وكان طيلة هذه الفترة يحفظ القرآن على يد والده، ويساعده في تحفيظ القرآن للولدان، حتى ختمه على يديه أربع ختمات.
مزاوجة التعليم بين المدارس العتيقة والجامعة:
جرت العادة أن من حصل على البكالوريا يتابع دراسته في الكلية، ومن الطبيعي أن يختار مترجمنا كلية الشريعة لحفظه القرآن والمتون الفقهية والنحوية، جامعاً بذلك بين أصالة التعليم العتيق الأصيل، ومعاصرة التعليم الأكاديمي الجامعي، فحصل بها على الإجازة سنة 2006.
ثم التحق بمدرسة إداومنو، وأخذ عن شيخ الجماعة بها الفقيه الصالح سيدي عبد الله أيت وغوري حتى مر على المتون الصغيرة والمتوسطة من سنة (2004 إلى 2006) ثم انتقل سنة 2007 إلى مدرسة إكضي وأخذ عن شيْخها الفقيه الصالح المربي سيدي الحاج إبراهيم ريس، ونجله ووارث سرّه سيدي الحاج عبد الله، فحصل كذلك على شهادة (باكلوريا التعليم العتيق) هناك، وكان مساعداً للفقيه بمدرسة إكضي، ومدرّساً لبعض المواد مثل الميراث، وعلوم القران، وعلوم الحديث.. ثم رجع مُدرِّساً لمدرسة إداومنو -لما دخل قانون التعليم العتيق حيز التنفيذ- فبقي هناك سنتين، ثم حصل على شهادة الماستر من المعهد العالي للدراسات الإسلامية بجمهورية مصر العربية سنة 2015، جاعلاً مسك ختام دراسته الجامعية بتسجل الدكتوراه بجامعة القاضي عياض.
البحوث العلمية الجامعية:
للأستاذ الباحث عدة بحوث علمية نال بها شهادات علمية عليا في كليات مختلفة داخل المغرب وخارجه، أولها:
1-مذهب الصحابي من خلال أحكام القران لابن العربي المعافري رحمه الله، وهو في الأصل بحث لنيل الإجازة في كلية الشريعة تحت إشراف فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الكريم أبراييم.
2- الفكر الأصولي عند الامام ابن العربي المعافري من خلال تفسيره أحكام القران تحت إشراف الدكتور محمد علي محجوب بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية بجمهورية مصر.
3- اختلاف الفهوم في تصرفات النبي الأمين صلى الله عليه وسلم -دراسة أصولية وفقهية- وهو في الأصل بحث لنيل الدكتوراه سجلها بكلية الآداب جامعة القاضي عياض، تحت إشراف الدكتور مصطفى رياح.
الوظائف العلمية التي تقلدها المحتفى به:
– مساعد لوالده في تحفيظ القرآن.
– أستاذ التعليم العتيق في مدرسة إداومنو بهشتوكة سنتي 2005-2006.
– أستاذ مساعد في مدرسة إكضي العتيقة سنتي 2007-2008
– مرشد ديني بجماعة أكلو منذ سنة 2010 إلى الآن.
البواعث والأسباب الدافعة إلى التكريم:
تكمن أهم هذه الأسباب في دماثة أخلاق الأستاذ الفاضل سيدي الحسين، وشدة تواضعه، وحسن تأطيره لأئمة جماعته البالغين أكثر من أربعين، ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، وقضاء أغراضهم الإدارية وشدة توقيرهم واحترامهم، وكذا الدفاع عنهم، ومحاولة مساعدتهم قدر المستطاع على فك النزاعات والخصومات التي تنشب فينة وأخرى بينهم وبين بعض أفراد الجماعة المشارطة، كل هذا مع نقاء السريرة وصفاء الطوية، فكم من فتنة خمد فتيلها، وخلافٌ صار بتدخله وفاقاً، فألقى الله محبته في قلوبهم، فحق له بذلك أن يكون مثالاً يحتدى به لكل السادة المرشدين ليقتدوا بطريقته، وليتبعوا صنيعه، وليقتفوا آثاره.
مجريات الحفل التكريمي:
افتتح اللقاء المقرئ سيدي إبراهيم ادري بآيات بينات من الذكر الحكيم أعقبته كلمة افتتاحية لرئيس المجلس العلمي الأستاذ المقتدر محمد الصالحي شكر فيها اللجنة المنظمة ولم يخف انبهاره بحفاوة الاستقبال، ودقة التنظيم، خاتماً كلمته بوصية للجنة المنظمة بتنظيم حفلات أخرى لفائدة الأئمة والخطباء المستفيدين من العجز، وأكد أن المجلس سيُدعّم مثل هذه المبادرات مستقبلاً. ثم ألقى بعده السيد الفاضل التهامي عقيل كلمة باسم المندوبية نوه فيها بمثل هذه المبادرات الحسنة. ليختم السيد حسن اليحياوي وكوجا الحسن هذه الجلسة الافتتاحية الرسمية بوصلة رجزية المنسوبة للإمام الشافعي:
إن لله عباداً فطنا * تركوا الدنيا وخافو الفتنا.
ثم بعد ذلك سد باب النثر وفتح باب الشعر وكلمات حول المحتفى به، فألقى السيد وسميح أحمد قصيدة عن المحتفى به، لم أستطع الوقوف على مطلعها،وبعد أداء صلاة العصر قرأ الأئمة سورة الفتح قراءة جماعية، تلتها كلمة عضو الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، ألقاها ابنه السيد ريس أحمد، مطلعها:
لقاء ما له عندي من نظير * جمال ينطوي فيه سرور
له صيت يذاع بكل صقع * له ذكر جميل مستثير
ثم كلمة باسم جمعية الزاوية للبيئة والتنمية للسيد الدكتور مبارك لامين أعقبتها كلمة السيد الفقيه كوجا لحسن باسم أئمة جماعة أكلو شكر فيها الحاضرين على تلبية الدعوة كما شكر كافة المتدخلين من أئمة ومحسنين بدعمهم المادي والمعنوي لإنجاح الحفل، ثم كلمة باسم الأئمة المرشدين ألقاها الأستاذ الباحث سيدي محمد أيت علي، ثم قصيدة السيد الفاضل الأستاذ المحترم سيدي لحسين السيبوس إمام مؤطر بمدينة تزنيت مطلعها:
شب الهوى بفؤاد وامق الطرب * سرى الضرام رفيق الوجد واللهب
ثم التحق بالحفل السيد قائد قيادة أكلو بمعية نائب رئيس الجماعة الترابية لأكلو، فألقى السيد عبد المالك الديوان كلمة باسم الجماعة الترابية باكلو، ثم التحق بالركب السيد مندوب الأوقاف لسيدي إفني الدكتور سيدي حسن بلمختار، ورئيس المجلس العلمي به الأستاذ المقتدر الفاضل أحمد السعيدي فألقيا كلمة عن المحتفى به، عبرا فيها عن فرحهم وسرورهم بهذه المبادرة النبيلة، ثم بعد ذلك فتح باب التكريمات.
الجوائز التي قُدمت للمُكرَّم:
قدمت للمحتفى به هدايا ثمينة، وأسفار خارجية جمعت بين تسلية مرح الدنيا وثواب أجور الآخرة، الأولى عبارة عن شهادة تقديرية من أئمة أكلو قدمها السيد قائد قيادة أكلو، والثانية: وهي عبارة عن بعض المؤلفات والكتب قدمها رئيس المجلس العلمي السيد محمد الصالحي، والثالثة: شهادة تقدير باسم جمعية الزاوية للبيئة والتنمية قدمها الحاج محمد الحريري، والرابعة: شهادة عرفان وتقدير قدمها السيد ادوكرام حسن، والخامسة: سلهام وطربوش قدمهما السيد محمد العكيدي نيابة عن اللجنة المنظمة. وبعد هذا حضر رئيس المجلس العلمي لإفني الأستاذ أحمد السعيدي، ومندوب الشؤون الإسلامية الدكتور حسن بلمختار فألقيا معاً كلمة عن المحتفى به، والسادسة: لوحة فنية مزخرفة قدمها مصمّمها الإمام الفنان السيد الديب محمد، والسابعة: عبارة عن تذكرة ذهاب للديار المقدسة لأداء العمرة قدمها السيد بودلال مختار، والثامنة تذكرة سياحية للسفر إلى تركيا.
جاعلين مسك الختام بكلمة الإمام المرشد الأستاذ عبد الرحمان مستعين عضو الوحدة الإدارية لمؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية بالمندوبية الإقليمية مع تسليم المحتفى به هدية ثمينة عبارة عن لوحة ختم القرآن الكريم صمّمها الأستاذ المتفنن عبد الله بو الحياء عضو الوحدة المذكورة، وما كانت هذه الهدايا أن تساق للأستاذ تكفوت من مختلف الهيئات والجهات، والمؤسسات، والأفراد لولا خدمته -أكثر من عشر سنوات- بتفان وإخلاص لحملة القرآن أهل الله وخاصته.
مسك الختام:
هذه إذن قبسات يسيرة مما جرى في هذا اللقاء التكريمي المبارك، الذي يعد أولى مبادرة على الصعيد الوطني فيما أعلم، أعني أن يكرم الأئمة مرشداً دينياً، فوجب علينا أن نشجع مثل هذه المبادرات بتوثيقها والإفصاح عما وقع فيها، لأنه جزء من التاريخ الديني المعاصر بسوس، وصفحة لامعة من صفحات الإخاء والتضامن فيه.
ولما تعذر عليّ تقديم هدية لأخينا سيدي الحسين تكفورت؛ بادرت إلى كتابة هذه الأسطر التي ستخلد هذه الذكرى كعربون على صدق المحبة، والمشاركة في المهنة، لأنها أنقى وأبقى، سائلين المولى عز وجل أن يوفقه في عمله، وينفع بعلمه، آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق