محطة إنزكان قبل "الأضحى".. احتيال ومغامرات "استثنائية"

محطة إنزكان

في محطة إنزكان لن تجد صعوبة في سماع وجهتك، فأسماء المُدُنِ والبَلْدات البعيدة تُرَدّد في سماء المحطة على مدار الساعة، خاصة الدار البيضاء ومراكش والرباط، لكنك ستتعب في العثور على مكان شاغر في حافلة تنطلق في الوقت الذي تريد أنت، وبالثمن الذي ترغب فيه.
فهذه أيام الذّروة، ولا يفصلنا عن عيد الأضحى سوى أقل من يومين، والجميع يسابق الزمن من أجل العثور على مقعد في حافلة تُقِلُّه إلى أهله وأحبابه ليقضي رفقتهم أجواء هذه الشعيرة الدينية. هسبريس زارت هذه المحطة الطرقية، وأنجزت الريبورتاج التالي:

قانون العرض والطلب أم قانون الغاب

زحام شديد من أجل الظفر بمقعد شاغر، خاصة بالنسبة لوجهات ” نادرة ” كالجنوب الشرقي. تسأل الرجل الذي يقف خلف الشباك عن مقعد شاغر، ويجيبك :

ـ اليوم عامر.

ـ وغدا؟

ـ حتى لغدّا واجي ونشوفو.

طبعا لن يحجز لك عن بعد، لأن ثمن اليوم ليس هو ثمن الغد، فهناك دائما من يستغل مأساة عابري السبيل من المسافرين. قرب الشبابيك ثلاث شبان من أزيلال في نقاش حاد مع شخص رابع. يقولون أن أحد ” الكورتية ” احتال عليهم بشكل غير مباشر، فقبل أن يحجز لهم تذاكر السفر اتفقوا على أن وجهتهم أزيلال كما كان يصيح هو بنفسه، ولما دفعوا له النقود سلمهم التذاكر، وقال لهم بأن الحافلة ستتوقف في دمنات فقط، “وهناك أتدبر لكم في وسيلة تقلكم إلى أزيلال، سواء عبر سيارات الأجرة أو أي وسيلة أخرى” بتعبيره، ثم تركهم باحثا عن ضحية أخرى..

الشبان الثلاثة عمال يشتغلون بضيعات خميس أيت عميرة، كما صرحوا بذلك لـ”هسبريس”، ويعتبرون ما حدث لهم احتيالا، ويتساءلون عمن يضمن لهم وسيلة نقل أخرى في الـ 50 كيلومتر المتبقية التي تفصل دمنات عن أزيلال، وقد دفعوا مبلغ تذاكر اتجاه ” أكادير أزيلال”.
قصدوا مكتب المراقبة الطرقية، لعل موظفا هناك يدلهم على حل ويسترجعون نقودهم للبحث عن حافلة أخرى، لكن المكتب كان مغلقا حينها.

قصص الاحتيال كثيرة يكون ضحيتها في الغالب مواطنون بسطاء يبحثون عن أثمان منخفضة، ويحجزون تذاكرهم لدى وسطاء مزيفين دون أن يقصدوا الشبابيك المخصصة لذلك.

الأثمنة مرتفعة حسب ارتسامات المسافرين وزيادات طالت وِجهات كثيرة، والسعر مرشح للارتفاع أكثر كلما كثر الطلب وقل العرض خاصة مع الساعات القليلة المتبقية لعيد الأضحى. لكن مسؤولا عن مراقبة الأسعار نفى لـ” هسبريس ” أن تكون الأسعار مرتفعة، فقط المواطنون لا يعرفون بأن الحافلات مصنفة حسب الدرجات ولكل درجة ثمن خاص بها، وأن هناك سقف للأثمان محدد سلفا لا يحق لأرباب الحافلات تجاوزه ولا يتجاوزنه “.

” الخطّافة “.. مغامرة غير مضمونة بثمن أقل

يركنون سياراتهم بعيدا عن المحطة الطرقية، ثم يجوبون محيطها طولا وعرضا بحثا عن مسافرين عالقين في المحطة دون أن يجدوا حافلة تقلهم إلى وجهتهم..

لا يستطيع أحد أن يميزهم عن الوسطاء الآخرين والكورتيه في خضم الصياح وترديد أسماء الوجهات، فمن ” حق ” كل شخص أن يصيح إلى أن تجف ريقه. أنت في إنزكان ولا أحد سيسألك من أنت وماذا تريد؟ لما يجدون زبونا يساومونه في الثمن، وفي الغالب يكون أقل مما يطلبه أصحاب الحافلات، ثم يخبرونه بأن الأمر يتعلق بسيارة خاصة.

قد يتراجع المسافر للوهلة الأولى، ويعتقد أن الأمر ليس سوى مقلبا لاستدراجه من طرف عصابة تحترف اللصوصية، خاصة مع ارتباط اسم “محطة انزكان ” في أذهاب الكثيرين بالسرقات واللصوصية والطرق المتطورة في النصب والاحتيال، لكن عندما يجد مسافرين آخرين يعرفهم أو يعرف وجهاتهم يتأكد بأن الخطاف هي فرصته الوحيدة ليهرب من جحيم المحطة ومساومات الوسطاء والشنّاقة، ممن يستغلون مآسي البسطاء وعابري السبيل.

المغامرة محفوفة بالمخاطر، خاصة عندما تكون المسافة طويلة، لكن السائق يكون مستعدا ليقتسم عائدات الرحلة مع بعض رجال الدرك الرابضين في الطرق، من الذين لا يهمهم سوى ما يجنونه من دراهم في اليوم..

المتسولون والمشردون.. قصص لا تنتهي

لا تكاد حافلة تخلو من متسولين ومتشردين، لكل قصته. هذه امرأة تفرق منشورات عبارة عن ورقات صغيرة على الركاب ثم تبدأ في جمعها وأخذ ما يجود به المسافرون من دراهم. على الورقة الصغيرة المهترئة بفعل تصفح آلاف المسافرين ” أنا أرملة، ترك لي المرحوم أربعة أبناء، ساعدوني لإعالتهم جزاكم الله خيرا، والله لا يضيع أجر المحسنين”. ربما تعبت المرأة في مخاطبة المسافرين شفاهيا لذلك قررت كتابة مأساتها في ورقة وتوزيعها على الركاب.

المتسولون يحترمون بعضهم البعض، وعندما يقطع أحدهم طول الحافلة يتركه زملاؤه إلى أن ينهي مهمته ليبدأ آخر في ترديد أسطوانة أخرى: “أنا عابر سبيل تقطعت بيّ السبل هنا”. “أنا امرأة جئت رفقة والدتي وتمت سرقة أغراضي ولا معين لي سواكم”. أنا فتاة أعيل أسرتي وليس لدي ما أشتري به ثمن الأضحية “. “أنا مريض وليس لدي..” ” أنا…” لكل فرد قصته التي يصر على أن يتقاسمها مع المسافرين المثقلين بهموم السفر وبرد المحطات..

في تناسق غير متفق عليه، بعد أن يجمع المتسولون ما جاد به المسافرون، يصعد الباعة المتجولون ممن يعرضون ساعات يدوية، الدمالج واكسيسوارات الزينة، بائعو الفواكه والشكولاطة، بائعو الكتب الدينية وأشرطة الحديث والقرآن والسواك والأعشاب الطبية، وكل ما يخطر وما لا يخطر على بال. ولا يريح المسافرين من هذه الفوضى سوى انطلاق الحافلة لتغادر هذه المحطة التعيسة.

سائق مهني : حقوق السائقين مهضومة

قال سائق ممن التقتهم هسبريس في محطة إنزكان إنه لا ينام سوى أقل من 4 ساعات في اليوم هذه الأيام، من أجل تنفيذ أكبر عدد ممكن من الرحلات إرضاءً لأرباب الحافلات، وكي يحافظ على مصدر رزقه”.

وبخصوص الحمولة الزائدة رمى المتحدث الكرة في ملعب رجال الأمن والدرك قائلا ” لا أستطيع أن أغامر بذلك إذا كانت هناك مراقبة صارمة للطرق، ما دام كل راكب زائد يكلفني 700 درهم كذريعة، وما بالك إذا كان العدد الركاب الزائدين كبيرا”.

السائق “ج” الذي بدا متعبا ومحمر العينين تحدث عن معاناة السائقين، مبرزا بأنه “لا يستفيد بتاتا من تعدد الرحلات ولا من استخلاص سقف تعريفة التذكرة، وأن راتبه تابت في أيام الذروة أو دونها، وأن ما يجنيه من كل هذا هو السهر والتعب.

إزيكي: محطة إنزكان تحسنت كثيرا

من جهته قال السيد الحسين إزيكي، رئيس جمعية أرباب النقل والوكالات، ومن يمثلهم بالمحطة الطرقية إنزكان في حديث لـهسبريس بأن” الثمن المتداول طول السنة لا يصل إلى الثمن الذي حددته وزارة النقل بسبب قلة الطلب وكثرة العرض. وفي المناسبات الدينية و العطل يتم اعتماد سقف الثمن الذي حددته الوزارة. مثلا ثمن أكادير نحو الدار البيضاء هو 134 درهم كتعريفة. لكن المسافر لا يدفع هذا الثمن في الأيام العادية بسبب قلة الطلب وكثرة العرض والمنافسة الشرسة. يدفع المسافر فقط 90 درهما أو مئة على أبعد تقدير. لكن في أيام الذروة كعيد الأضحى مع كثرة الطلب يتم اعتماد التعريفة القانونية كاملة أي 134 درهم أو 140 درهم على أبعد تقدير. ”

وعن سؤالنا عن وجود ارتفاع للثمن لبعض الوجهات، متجاوزا بذلك ما حددته الوزارة في السقف، عزا المتحدث ذلك إلى كون الحافلات تعود فارغة من وجهات مثل تاكونيت زاكورة كلميمة الراشيدية .. إضافة إلى طول مدة السفر التي تصل أحيانا 14 ساعة متواصلة، عكس بعض الوجهات التي تعود منها الحالة ممتلئة بالركاب كالدار البيضاء و مراكش وغيرها.”

وبخصوص الصورة المطبوعة في أذهان الناس عن محطة إنزكان، وكونها تعرف حالات السرقة واللصوصية يوضح المتحدث بأنه “منذ سنة تقريبا لم تُسجّل أيه حالة سرقة بالمحطة بفضل السياسة الأمنية التي نهجها المسؤولون الأمنيون، وبفضل تعاون باقي الشركاء. ولا أنكر أنه كان فيما مضى كثرة السرقات خاصة في الصباح الباكر، حتى عدد المتشردين والمتسولين تناقص مقارنة بالذي كان”.

” المشكل أننا كمواطنين لم نتعلم أسلوب الحجز “. يقول إيزيكي ” من يريد أن يسافر عليه أن يحجز مسبقا، لا أن يبقى حتى اللحظات الأخيرة وتكتظ المحطة بالمسافرين الراغبين في السفر في نفس الوقت. لو كان الحجز يتم بيومين مثلا لساعدنا ذلك في التنظيم أكثر. ثم إن المسؤولين كان عليهم أن يضعوا نصب أعينهم أن عيد الأضحى عيد استثنائي عند المغاربة، وليس شعيرة دينية فقط إنه مناسبة لصلة الرحم وتبادل الزيارة. عدد كبير من العمال يسافرون فقط في عيد الأضحى، لهذا أعتقد أن السلامة الطرقية التي يتبجحون بها تتجلى في إعطاء أيام كافية من العطلة لتصريف هذا العدد المهول من المسافرين، ولا بأس أن ينقصوا الأيام من عطل غير ذات أهمية. فالجميع يجتمع هنا موظفون وطلبة وعمال بناء وعمال الضيعات وغيرهم.

وأضاف ” لدينا 63 نقطة انطلاق في اليوم في الأيام العادية، لكن العدد يتضاعف مرات عديدة في أيام الذروة خاصة عيد الأضحى. الحمد لله تم حل مشكل رحلات الطلبة المنظمة يومي الخميس والجمعة ونقلهم من أمام كلياتهم إلى بلداتهم، وهناك أيضا طلبات كثيرة لمعامل وضيعات فلاحية، لكن عدد المسافرين الذين يلجون المحطة عدد كبير جدا مع ذلك. لكن من تهمه السلامة الطرقية يجب أن يفكر في تخفيف الضغط على المحطات في مناسبة دينية كبيرة كعيد الأضحى” وفق تعبير المتحدث.

عن هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق