فقيه مدرسة إكضي يحصل على درجة الماستر في جامعة شنقيط

حصل فضيلة الفقيه الأديب الشاعر سيدي عبد الله بن إبراهيم ريس على شهادة الماستر بجامعة شنقيط العصرية بموريتانيا، وهو أول فقيه سوسي -فيما نعلم- حصل على مثل هذه الشهادة في جامعة خارجية بالمعنى العرفي للفقيه…

وأمثاله يجب التعريف بهم، والتنويه بجهودهم، وإبراز محاسنهم، فقد جمع بين أصول التعليم في المدارس العتيقة، ومحاسن التعليم الأكاديمي المعاصر، فرسم بمداد عريض أثره العلمي المزدوج في التاريخ السوسي الحديث، فمثله تتشرف الشهادة بحصوله عليها، لا أن يَتَشَرَّف هو بها.

وقبل إيراد الأسباب التي جعلته يختار خارج بلده عن موطنه الأصلي في الحصول على تلك الشهادة، وكيف حصل عليها هناك؛ أقدم بداءة نبذة موجزة عنه، ونشأته العلمية، وشيء من تصانيفه المطبوعة والمرقونة، وسائر الوظائف الرسمية التي تولاّها.

ترجمة موجزة عن الشيخ سيدي عبد الله:

ولد عبد الله بن الحاج إبراهيم ريس السوسي سنة 1968 بإقليم تزنيت جنوب المغرب، فحفظ كتاب الله مع الرسم العثماني برواية ورش، ودرَس العلوم الشرعية والأدبية من النحو، والفقه، والبلاغة، والأصول، ومصطلح الحديث، والتفسير، والعروض، والمنطق.. على والده سيدي الحاج إبراهيم ريس حفظه الله في المدرسة العلمية (ايكضي) بسوس.

 ثم التحق بجامع القرويين بفاس سنة 1992 فاستفاد من حلقاته العلمية على يد مجموعة من الشيوخ مثل عبد الكريم الداودي، ومحمد التاويل، وعبد الحي العمراوي، ومحمد العمراني، وعلماء ءاخرين، وأقام في الحضرة الفاسية سنتين متصلتين مفيداً ومستفيداً يذاكر علمائها، ويزور صلحائها، فأتى بعلم غزير، ثم بعد ذلك عُيّن لتسيير مدرسة إيكضي للعلوم الشرعية وتحفيظ القرءآن الكريم سنة 1994.

واستمر في تدريس مختلف الأنصبة الفقهية والأدبية والعقلية المعهودة بالمدارس العتيقة حتى خطر له في صيف الموسم الدراسي 2009 دخول غمار التعليم العصري، فسجل في سلك الباكالوريا للتعليم العتيق الحرة في السنة التي بعدها 2010 فحصل عليها، فكانت بذرة أخرى لمسارٍ علمي عصري سرعان ما أينعت ثمارها لتتعانق مع صنوتها الأخرى في نسق بديع تلتقي فيه أصالة التعليم العتيق بأنصع صورها، ومعاصرة التعليم الجامعي العصري بأحلى مظاهرها، والمعارف إذا ازدوجت في القلب أثمرت أخرى كما قال أبو حامد الغزالي.

تسجيله الماستر في المغرب ودواعي عدم الاستمرار فيه:

بعد حصوله في كلية الآداب بجامعة محمد بن عبد الله بفاس سنة 2013 على الإجازة العليا في الدراسات الاسلامية سنة 2016؛ قام بمحاولتين للتسجيل في الماستر إحداهما في كلية سايس بفاس حيث شارك في المباراة فنجح في الكتابي والشفوي، وتابع في الجامعة أياماً لكن ارتباطاته المهنية، وانشغالاته التدريسية، والتزاماته الادارية للمدرسة (ايكضي) تحول دون الاستمرار، وكان المسؤولون عن تسيير المسلك مشددين في التزام الحضور دون انقطاع، ولا يراعون الظروف الخاصة لبعض الخاصة، فقرر الانسحاب.

 والمحاولة الثانية كانت في كلية أيت ملول حيث شارك في المباراة أيضاً، ونجح في الامتحان الكتابي ولم يشارك في الامتحان الشفوي لظروف قاهرة، وصادف توقيع الالزام بالحضور، وحاله لا يوافق المرابضة هناك، لاسيما مع قلة المعين وكثرة الصوارف.

  تسجيله الماستر في جامعة شنقيط:

إن السبب في تسجيله هناك أنه سافر إلى هولندا لمهمة الارشاد في رمضان، والتقى مع بعض المثقفين المغاربة فسأله عن مستواه الدراسي الأكاديمي، فأخبره بمستوى الاجازة فقط، فقلَّلَ ذلك لوجود بون شاسع وفرق كبير بينهما، وانجر الكلام إلى بعض العوائق التي تحول دون الحصول على شهادة أعلى منها، فدله مشكوراً على هذه الجامعة -وإذا أراد الله أمراً هيأ له أسبابه- ومما أَتحفه به أنها جامعة معترف بها، فربطه ببعض من حصل فيها على شهادات معترف بها، ولم تكن لديه -كما أخبرني- فكرة حول ذلك، ولا كانت له علاقة بمؤسسات موريتانيا ولا أساتذتها من ذي قبل، فلم يتردد في التسجيل في الموسم 2018 – 2019م.

والموضوع الذي سجله الفقيه الباحث سيدي عبد الله هناك هو: شرح مبنيات البرجي للعلامة ايبورك اليعقوبي السملالي المتوفى سنة (1058هـ) -دراسة وتحقيق- تحت إشراف فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الراظي وناقشه في أوائل غشت 2022.

وأخبرني من حضر هناك أن المناقش بفتح القاف وكسرها سيان في السجال الأدبي، حيث جرت مذاكرات علمية ومناقشات حول ألغاز في الأدب وغوامض العروض، فكانت مناقشة علمية شرَّف فيها العلامة الفقيه سيدي عبد الله ريس المغاربة، وترك أثراً في نفوس اللجنة العلمية وسائر الحاضرين يحق للغُيُر أن يتباهوا بهذه المناقشة خصوصاً مع مقارنة علماء المغاربة المعاصرين بالشناقطة، فدونكم

أبيات ختم بها كلمته أمام اللجنة العلمية:

هذه أبيات من بحر الخفيف للفقيه سيدي عبد الله ريس كانت مسك الختام لمجلس المناقشة لما سلمت له الكلمة الأخيرة عَنونها بـ: “تحية شنقيط” وهاكموها بتمامها:

عج بشنقيط حيث أثرت معارفْ

                    واستنارت أنحاؤها بالعوارفْ

حي فيها للعلم جامعة عص-

                         رية نور كل واع وعارف

حي فيها شيوخ علم وفكر

                 ووعاة من السَراة الغطارف

ودكاتير للدروس هداة

                 لطلاب العلوم شتى الطوائف

من رئيس ومن اساتذة الجا

                 معة المبدعين خير الخلائف

يمنحون النزيل علما أصيلا

                 يتسلى به عن اهل أوالف

برهم للنزيل فيض مريع

               يرتوي منه كل باد وعاكف

تلك شنقيط وهي ارض المعالي

               منذ عهد مأهولة بالاشارف

لا تلمني اذا عشقت بنيها

            فبنوها همو حماة المعارف

لا تلمني اذا حججت ثراها

              فثراها يثري ثمار القطائف

ينبت العز والكرامة والعل-

            م وما صرَّفتها عنها الصوارف

كم فقيه وكم أديب بديع

       يتحف النشء بالنكات الطرائف

دأبهم مكسب العلى وحلاهم

            خدمة العلم بين ثاو وطائف

قمة في تواضع يرتديه

        كل فرد منهم كوشي المطارف

لم تكدر صفو الطباع لديهم

            من دناهم مظاهرٌ  وزخارفْ

رحبوا بي وألبسونيَ تاجا

       من جميل التقدير بين المعارف

وتغاضوا عن كل داء دفين

        وتراضوا ما قدمته من طفائف

وحبوني من كل علم نصيبا

           وحموني من كل فكر مجانف

شكر الله صنعهم وجزاهم

           كل عارفة من اسنى العوارف

وأنارت علومُهم كل صُقع

          من بلاد الاسلام وهي حلائف

هذه باقة من الشعر اهدي-

        ها شيوخي كتحفة من متاحف

بل ثناء قدمت بين يدي نج-

          وايَ اذ لم يكن تليد وطارف

فاقبلوها جهد المقل وفاء

       من عديم الرصيد نزر المعارف

مؤلفاته العلمية:

– من تاريخ مدرسة إيكضي للفقيه عبد الله ريس مطبوع وهو في مجلد؛

– نظم أسباب الاختلاف الفقهي مع شرحه؛

– إضاءات وإملاءات في شرح الورقات؛

– شرح مبنيات البرجي للعلامة ايبورك اليعقوبي السملالي المتوفى سنة (1058هـ) -دراسة وتحقيق-

– أثر القياس في الشركة المالية؛

– دروس ومحاضرات في سلم المنطق معد للطبع في ماليزيا؛

– ديوان شعر في مجلد يرتبه للطبع؛

 -شرح الرامزة في العروض والقوافي؛

– له مجموعة من الدروس العلمية مسجلة في قناة دبي الدولية بالإمارات، وكذا قناة السادسة المغربية، وكذا الإذاعات الوطنية في مناسبات عدة.

وله مشاركات في ندوات وطنية ودولية.

        الوظائف الرسمية:

– أستاذ العلوم الشرعية والأدبية بمدرسة إيكضي؛

– إمامة وخطابة بتعاقد مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؛

– عضو في الرابطة المحمدية للعلماء؛

– مرشد الجاليات المغربية بالخارج بتعيين من مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية في الخارج.

مسك الختام:

        هذا حدث تاريخي مهم يجب أن يؤرخ وإن كان ما يؤرخ في حينه ويشاهده الجميع يُستصغر عادة كما قال كبار المؤرخين والمترجمين كابن خلدون وابن حجر، لكن محاسنه وآثاره الحسنة تظهر أكثر للأجيال اللاحقة، كالبذرة التي تغرسها ويمر كثير من المارة حولها ولا يرونها لكنها بعد حين تكبر وتفرع أغصانها، ومن ثَم يقطفون ثمارها.

بقلم الدكتور الحسين أكروم الساحلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق