الأستاذ المبرز الحسين الفرواح يبسط تصوره للمغرب الممكن اقتصاديا واجتماعيا بعد كورونا

أكد الأستاذ المبرز الحسين الفرواح و رئيس المركز الإفريقي للابحاث و الدراسات في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني CAREESS، أن الإقلاع الإقتصادي في إطار المغرب الممكن ما بعد كورونا يجب أن يأخد بعين الإعتبار حزمة من العوامل للخروج من نفق جائحة Covid 19، و إعادة بناء الاقتصاد الوطني وفق الدورس و العبر المستخلصة من هذه الصدمة غير المسبوقة عالميا من حيث النوعية و التأثيرات الكارثية على مختلف الأصعدة الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية.
فالمغرب على موعد مع التاريخ لا يجب عليه التأخر عنه لإعداد نموذج تنموي مغربي خالص، مندمج و مستدام على الأقل لثلاثة عقود عنوانه البارز “رهان ملك و تطلعات شعب” يستحضر الأولويات و يكون فيه الإنسان المغربي في مركز الإهتمام.

بتسليط الضوء على الإجراءات الصحية و الإقتصادية و الإجتماعية التي اتخذتها لجنة اليقظة الاقتصادية منذ ظهور أول حالة بالمغرب بتاريخ 2 مارس 2020، يتبين بالملموس أن المغرب لا تعوزه الكفاءات و لا الموارد إن توفرت الرغبة و الجدية في التعامل مع الأحداث و الظروف.
بهذا النفس، يجب التخطيط للمستقبل من خلال تشخيص الظرفية الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية بالمغرب و تحديد الأهداف و الأولويات مع تعبئة الموارد المادية والبشرية والتقنية اللازمة في حدود الممكن للخروج بتصور واضح المعالم على المدى القصير و المتوسط و البعيد.
فعلى المدى القصير، يتعين على الدولة وضع السيناريوهات الآنية للخروج التدريجي و المدروس من نفق كورونا و تحقيق الإقلاع الإقتصادي بعد سنة 2020 الصعبة التي من المتوقع أن يصل فيها الإنكماش الإقتصادي في أحسن الأحوال 4% أخذا بعين الإعتبار مدة وحجم و نجاعة الإجراءات الإقتصادية و الإجتماعية التي تم تفعيلها بشكل استباقي. ليكون بعد ذلك الإهتمام أكثر بالطبقات الهشة والفقراء من خلال التسريع بإخراج مشروع القانون رقم 18-72 المتعلق بكيفية الاستفادة من برامج الدعم الإجتماعي و إحداث الوكالة الوطنية للسجلات الإجتماعية، و جعل نفقات الدولة نوعية أكثر منها كمية مستحضرة مبادئ وقيم التضامن و التكافؤ الإجتماعي و الشفافية والحكامة و العدالة الإجتماعية. هذا إضافة إلى رد الإعتبار لقطاعي التعليم و الصحة و اعتبارهما من “القضايا الوطنية” و مصير أمة وشعب مع ما يستوجب ذلك من الزيادة في الميزنية المخصصة لهما سنويا في أفق ان تصل الى 40% على الأقل.
فمن الواضح أن القطاعين هما أساس بناء الإنسان فكريا و أخلاقيا وسلوكيا و صحيا و بالتالي توفير التربة الخصبة لنجاح النموذج التنموي الجديد المرتقب و الذي ستضطلع فيه الدولة بدورها الإستراتيجي و الإجتماعي والاقتصادي في إطار التوازن بين ما يسمى ب ” الدولة الدركية السيادية Etat gendarme” و ” دولة الرفاه Etat providence “.
على المدى المتوسط، من العبر المستافدة من هذه الجائحة هي ضرورة وضع منظومة متكاملة لتدبير المخاطر و الأزمات تكون فيها للتكنولوجيا الحديثة دور رئيسي و الإستثمار في الصناعات المستقبلية و التجارة الإلكترونية، والتي وصلت قيمتها في العالم في 2020 ما يقارب 26 تريليون دولار بزيادة ب 8 في المئة، و رقمنة الإدارة والتعليم عن بعد و الاستعانة بالخبرة التي راكمها خلال الأسابيع الماضية في هذا مجال. كما أن تحقيق الأمن الغذائي للمغاربة أصبح من دروس ما بعد كورونا التي وجب على المغرب أن يدركها جيدا.
أما على المدى البعيد، فمن الضروري الأخد بعين الإعتبار التحولات الكبرى التي سيعرفها النظام العالمي الجديد بعد كورونا و متابعة تطور العلاقات بين القوى العالمية الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية والصين وأوروبا) عن كثب، و انتهاز الفرص مع الإستفادة من تراكم التجارب والخبرات ومن الثقة و الإنطباع الجيد الذي حظي به المغرب انطلاقا من سياسته الاستباقية و الحكيمة في مواجهة الجائحة للتفاوض من موقع قوة لتطوير وتقوية العلاقات مع شركائه الإقتصاديين وتنويع الشركات بالانفتاح أكثر على السوق الإفريقي الواعد مستفيدا من موقعه الإستراتيجي الهام بين دول شمال حوض البحر الأبيض المتوسط و باقي دول القارة الإفريقية.
خلاصة القول، المغرب على السكة الصحيحة ليكون من بين الدول الرائدة إفريقيا و سيكون له باع طويل بين الأمم مستقبلا شريطة عدم تكرار أخطاء الماضي لتكون هذه الجائحة الفيصل في بناء مغرب الغد، مغرب التنمية المندمجة و المستديمة الممكنة.
ذ. الحسين الفرواح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق