الأستاذ الفرواح : السياسية الصناعية الجديدة بالمغرب..بين الانفتاح و الحمائية

يدور الحديث مؤخرا بين الاقتصاديين وحتى السياسيين بالمغرب و فرنسا ( مثلا في فرنسا تعقد اجتماعات مكثفة لتأميم الشركات الفرنسية)، بما فيهم وزير الصناعة و التجارة المغربي، عن إتجاه المغرب الى تبني استراتيجية صناعية/تجارية جديدة تسمى ” إحلال/ استبدال الواردات” industrialisation par substitution aux importations و التي تقوم بالأساس على مفهموم الحمائية؛ بدواعي الحفاظ على احتياط العملة الصعبة و على مناصب الشغل و تشيجع المنتوج الوطني الخ.
فاستراتجية “التصنيع لاحلال الواردات” هي سياسة صناعية /تجارية تؤيد أن تحل المنتجات_المحلية محل الواردات الأجنبية كما يدل اسمها على ذلك، تفترض هذه الاستراتحية أن الدولة يجب أن تحاول خفض اعتمادها على الخارج من خلال تصنيع المنتجات المطلوبة محليًا. هذه الاستراتجية نوع من انواع السياسات الاقتصاديات التنموية في القرن العشرين مستوحاة من مجموعة من النظريات منها على سبيل الذكر لا الحصر Friedrich List و Alexander Hamilton.
و من أهم سلبيات هذه السياسة عدم توفر المواد الاولية محليا، مما يعقد امر نجاحها، إضافة الى محدودية الأسواق المحلية، وضعف التمويل و غياب الكفاءات الضرورية…
هنا يتجلى الصراع الأبدي بين انصار النظرية الكنزية و النظرية الليبرالية. والكل ينادي بتاميم الشركات الوطنية ( حتى في معظم الدول الغربية) ناسين أو متناسين أن التأميم ليس دائما الحل الأمثل بالنظر الى البحث عن أسواق أقل تكلفة و بالتالي أكثر تنافسية وجادبية.
هذا التوجه الجديد للسياسة الصناعية المغربية بعد أن وضع المغرب منذ عقدين مجموعة من المخططات في الفلاحة و الصناعة و السياحة و الصيد البحري و الاقتصاد الاجتماعي والتضامني…. حققت نتائج ملموسة وجيدة.
فبعد “مخطط الانبثاق الصناعي” ثم “المخطط الوطني للتسريع الصناعي” المبني أساسا على “المهن العالمية للمغرب” كصناعة السيارات وصناعة أجزاء الطائرات و الصناعات الغذائية و النسيج و الافشورنغ و صناعة الالكتونيك مضمونها استراتيجية مخالفة تدعى ” التصنيع من أجل تشجيع الصادرات ” ؛ تلوح في الأفق بوادر تبني استراتجية جديدة.

هذه الإستراتيجية التي كان المغرب قد تبناها و كذلك تركيا وكوريا الجنوبية ودول أخرى بينت محدوديتها فالسبعينات والثمانينات.
لنفترض ان كل دولة تراجعت الى الوراء و طبقت هذه الاستراتجية؛ سيطرح إشكال كبير على مستوى “التقسيم الدولي للعمل” و التخصص، فكل دولة ستنتج بغض النظر عن عن توفرها عن الامتياز أم لا مما سيربك التجارة العالمية قد تؤدي الى حدوث نزاعات دولية جديدة.
فمثلا لنأخذ انتاج القمح، فالمغرب ليس في صالحه تحقيق اكتفاء_ذاتي في هذا المنتوج لان مردوديته أقل مقارنة ببعض المنتوجات الأخرى كالخضروات و الفواكه.
فمنذ الاستقلال، اتبع المغرب هذه الاستراتجية و كانت لها سلبيات عدة من أهمها اختلال في الاسوق وضعف القدرة التنافسية للشركات المغربية، كلفة الانتاج ، اختلال في ميزان المدفوعات في نهاية السبعينات و الثمانينيات .

أكيد أن مغرب الثمانينيات ليس هو مغرب 2020 ، و أكيد ايضا ان أزمة كوفيد 19 قلبت الموازن وبدأ الحديث عن تحقيق الامن الغذائي و عودة الدولة الاجتماعية الى أدوارها التقليدية؛ و اكيد كذلك أن يكون هذا النقاش حول مغرب ما بعد الجائحة، لكن هذا لن ينسينا دروس وعبر التجارب الماضية الداخلية و الخارجية.
جميل أن نفكر في الاكتفاء الذاتي و تشجيع الصناعات المحلية و دعم علامة “صنع بالمغرب”، ولكن الأجمل من ذلك تقدير ما سنربحه و ما سنخسره باعتمادنا هذه الاستراتجية او تلك.
ذ. الحسين الفرواح
مبرز في الاقتصاد و التدبير
و رئيس المركز الإفريقي للابحاث و الدراسات في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني CAREESS

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق