أعمال شاقة “لنساء آيت آحمد”بضواحي تزنيت بسبب العزلة

aithmed_237971133

هي واحدة من المناطق القروية النائية بإقليم تزنيت، وبين جبال أكستها التساقطات المطرية الأخيرة حلّة جديدة، تُبهر الناظرين، توجد مداشر تنتمي إداريا إلى الجماعة الترابية آيت أحمد، دائرة أنزي؛ غير أن الوصول إليها يُجبرك حتما على سلك طرق فرعية غير مُعبّدة، حوّلتها مياه المجاري المائية إلى مسالك خطيرة وعصية عن الاستعمال، وهي التي تمتد على مسافة تتجاوز العشرة كيلومترات، انطلاقا من مركز الجماعة.

تاغرات، أنمس، آيت عبد الرحيم، توكارت، تضرضورت، هي أسماء لمداشر توزعت بالمنطقة، القاسم المشترك بينها هو أن الوصول إليها صعب، وتستفحل هذه الصعوبة مع كل موسم أمطار والذي يفرض حصارا شديدا وعزلة قاهرة على أهالي تلك الدواوير.. ولما لم تجد بعد النداءات المتكررة لهؤلاء أية التفاتة من المسؤولين عن تدبير الشأن العام المحلي والإقليمي، فقد قررت نساء المنطقة الخروج من بيوتهن الريفية في محاولة لإصلاح بعض المسالك المتضررة؛ وهي الخطوة التي أبرزت حجم جراح ساكنة تلك المداشر.

وعورة تضاريس المنطقة وقساوة الطبيعة انضافت إلى العزلة المفروضة على فئات اختارت الاستقرار بأرض أجدادها، والتعلق بتفاصيل الحياة اليومية البسيطة؛ فيما دفع غياب أية فرص لحياة أفضل فئة الشباب إلى الهجرة نحو المدن المغربية أو إلى خارج الوطن بحثا عن لقمة عيش أفضل، لتبقى النساء والكهول الفئة التي لا خيار لها، غير الانصياع لسندان قسوة الطبيعة ومطرقة إهمال المسؤولين، فكانت كل سنة تمضي إلا تتكرّر معها المعاناة ذاتها، وأحوال هذه القرى البعيدة تزداد سوء.

ومن المشاهد التي استأثرت باهتمام الرأي العام المحلّي بإقليم تزنيت خلال الأيام القليلة الماضية، والتي ضمّها شريط فيديو انتشر انتشارا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشهد لنساء ينحدرن من دوار “تغرابت” في لباسهن المحلي وهنّ منهمكات في استخراج مواد رملية باستعمال معاول ونقلها عبر عربات يدوية لتغطية حُفر ومخلفات مجاري المياه بأحد المسالك الفرعية الموصلة إلى دوارهن، لفسح المجال لعربات معدودة على رؤوس الأصابع للمرور، بغرض تموين المنطقة ببعض اللوازم الأساسية أو نقل المرضى والقاصدين إدارات لقضاء مآربهم.

وجاء على لسان هؤلاء النسوة أن الجماعة الترابية “تخّلت” عنهن، على الأقل في مجال إصلاح وترقيع الطرق، موردات ضمن الشريط نفسه أن العملية تتكرّر كل سنة، ومجهودهن يذهب سُدى، كلّما نزلت أولى القطرات المطرية، التي تُرجع حالة تلك المسالك إلى سابق وضعها؛ وهو ما يعني توقف المرور بها، وبالتالي دخول هذه المناطق في العزلة المُعتادة، غير أن التشبث بالحياة الريفية الهادئة والاستماتة في مُقاومة كل أشكال التهميش بتلك الوسائل البسيطة ورضوخ أجساد هؤلاء النسوة لمثل هذه الأعمال “الشاقة” لخير دليل عن التعلّق بـ”تمازيرت”، وعن قيم التضامن بين أفرادها، رجالا ونساء.

ومن الدار البيضاء، تحدّث إلى هسبريس أحد أبناء المنطقة، ساردا وقائع ظلّت لسنين تؤثث المشهد العام لهذه المسالك الطرقية، حيث أبرز حسن سليت أن تضرّر المسلك الفاصل بين “تغرات” وآيت عبد الرحيم وأنمس يفرض على الساكنة التنقل مشيا على الأقدام لمسافة تصل إلى أزيد من 6 كيلومترات. كما يتسبّب في انقطاع التلاميذ عن المدرسة، ودخول المرضى والنساء الحوامل في حالة تأهّب قصوى لاستحالة مرور سيارة الإسعاف. أما التزود بالمواد الغذائية في ظل تلك الظروف، فتبقى غاية صعبة التحقق، يلتجئ معها الأهالي إلى تدبّر معيشهم بصعوبة، بالاعتماد على مخزونهم من المواد الأساسية.

حسن ظريف، مستشار بالجماعة الترابية لآيت أحمد، أورد، ضمن تصريح لهسبريس، أن وضعية الطرق بمنطقته غير مُرضية. وأضاف ظريف أنه ومن منطلق مسؤوليته التمثيلية للساكنة، فقد “أجريت عدة اتصالات في الموضوع مع مُدبّري الشأن الجماعي، على اعتبار أن الحل بيد الجماعة وهي المسؤولة المباشرة في الموضوع”؛ وذلك يقول المتحدّث لـ”كونها تتوفر على آليات كافية تسمح بالتدخل لإنهاء الإشكال، كما حدث مع بعض المناطق بتراب الجماعة نفسها”.

وعن آليات التدخل المحتملة من لدن المجلس الجماعي، قال ظريف إن الجماعة تتوفر على جرافة وشاحنة، تمّ اقتناؤها من المال العام، وللغرض ذاته؛ غير “أنّني أصطدم، عند طلب وضع هذه الآليات رهن إشارة الساكنة، لا سيما في فترات تضرر المسالك الطرقية، بضرورة تأدية واجبات الاستغلال لفائدة الجماعة”، مستنكرا ما نعته بـ”كون هذا الأداء تعفى منه مناطق معينة بآيت أحمد دون أخرى، بمعايير غير واضحة المعالم”.

هسبريس اتصلت مرارا برئيس المجلس الجماعي لآيت أحمد، من أجل أخذ رأيه حول الموضوع؛ غير أنه فضّل عدم الرد على مكالماتنا. ويبقى سؤال التنمية بالمداشر النائية بهذه الجماعة مُعلّقا إلى وقت لاحق، والظاهر أن الطرق القروية ظلت بعدد من مناطق الجماعة تؤرّق الأهالي، لما تسهم فيه من فك للعزلة وسهولة التواصل مع العالم الخارجي؛ وهو ما يفرض تنزيل مشاريع طرقية، تُغني المستهدفين منها من المعاناة المتكررة كل سنة، وتحترم كرامتهم، وانتماءهم إلى رقعة من هذا الوطن.

هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق