الممثل السينمائي الحسن بوفتاس لتيزنيت 24 : بعض الممثلين ـ سامحهم الله ـ يقحمون أنوفهم في كل شيء

وأبوح لكم بمعلومة قل من يعلمها إن لم أقل طالها النسيان وسيكون لهذا المنبر الحر الشرف والفضل في نبشها وإعلانها وهي أن والدتي هي التي يرجع إليها الفضل بقدوتي في مساري الفني، إذ في أواخر السبعينات مثلت والدتي في فيلم وثائقي تربوي تحت عنوان “أركان أكرام” وأرشيف خزانتي يحتفظ بنسخة من هذا الفيلم.

 


ما هو أول فيلم أمازيغي شاركت فيه، وما هي سنة إنتاجه؟

لا يجب علينا أن ننحرف بالنقاش حول المسائل الجوهرية ـ المشاكل التي يتخبط فيها الإنتاج السينمائي الأمازيغي ـ ونفتعل الصراع حول أسبقية هذا الفيلم أو ذاك، لأن الموضوع يجب أن يطرح على الشكل الآتي: ماذا قدمنا لهذا الإنتاج؟ أو بعبارة أخرى: هل المشتغلين في هذا الميدان يتمتعون بحقوق تمكنهم بالدفع بهذا المنتوج نحو العالمية، وأيضا: هل قمة دورات تكوينية تبرز المواهب وتشجع الكفاءات وتثمن أعمال المبدعين؟


كيف تنظر إلى ظاهرة القرصنة؟

تفاقم ظاهرة القرصنة للإنتاجات الفنية الأمازيغية يؤثر سلبا على رواجها المادي والمعنوي، بل أن القطاع برمته في غرفة الإنعاش، وخاصة إذا لم يتعامل مع هذا الملف بشكل جدي وحازم.


هل يحق لنا أن نتحدث عن السينما الأمازيغية كفن قائم بذاته؟

لا توجد سينما أمازيغية بالمعنى الصحيح المتعارف عليه، ولكن هناك بعض الأفلام التي تعد على رؤوس الأصابع، والتي يمكن أن تجد فيها ملامح لهذا المعنى المتعارف عليه.


على ماذا تعتمد الفيلموغرافية الأمازيغية في نظرك؟

الفيلموغرافية الأمازيغية رغم اعتمادها على تقنيات بسيطة، إلا أن مواضيعها تدور حول القضايا الاجتماعية التي تلامس الواقع بكل عاداته وتقاليده ومفرداته اليومية، كما تطرح الحقائق بلا مجاملة، لمعالجة السلبيات بمصداقية وشفافية، إلا أنها تستند على تصور فكري شمولي، إلا أن هذا لا ينقص من قيمتها الفنية، فهي تؤرخ للزمان والمكان، وترصد الظرفية واللحظة، وبقدر ما تكتب للشخصيات ـ الممثلين ـ بقدر ما تكتب كذلك للفضاءات، كما أنها كذلك تراكم تجارب مهمة، ومادة خامة تصلح أن تكون موضوع الدرس والبحث، والأمل معقود على هؤلاء الشباب الذين يسكنهم الإبداع، والذين تخرجوا من معاهد وجامعات… لذا فهذه التجربة، أي تجربة الفيلموغرافية الأمازيغية تجربة تنضج على نار هادئة، لا يحق لنا أن ننقص من شأنها وقيمتها الإبداعية رغم كل المعوقات.


هل الفيلموغرافية الأمازيغية يوجهها نقد أم العكس؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا أرى مانعا من طرح سؤال محوري وجوهري في الوقت نفسه: ما موقع النقد السينمائي الأمازيغي أمام هذا الكم الهائل من الأفلام وطبعا مقارنة مع ما أنجز من نقد مواكب لهذا الإنتاج؟ وهل يرقى هذا النقد، إذا افترضنا جدلا أنه نقد يخضع لمعايير وآليات التحليل الفيلمي العلمي الأكاديمي (مصطلحات ـ مفاهيم ـ نقاد متخصصون ـ نقاد مؤهلون) أمام هذه الحالة، فلا يمكن الحديث عن وجود الناقد المتمرس والمؤهل لأن يكون ناقدا لهذا الفن الرائع، خاصة الفيلموغرافية الأمازيغية، والناقد المتوفر لدينا هو الناقد لموقف والناقد الموسمي، لا يحمل في مزوده سوط على تعابير شرب عليها الدهر وأكل.

ما هي بعض مميزات السينما الأمازيغية؟
السينما الأمازيغية ما يميزها، هو توفرها على مادة حامة (كتاب سيناريو محليون لا ينقصهم سوى التكوين، بالإضافة إلى مواقع طبيعية تصبح مادة دسمة أمام المبدعين من المخرجين المؤهلين.


ما الذي يشترط في الممثل الكفء؟

الذي يدعي المعرفة، ولا ينصت إلى ملاحظات الآخرين وانتقاداتهم لن يبرح مكانه، بل تجده في جميع أعماله يجتر ويلوك نفس الحركات والاماءات إلى حد يجعلك تحس بالملل، فهذا النوع من الأشخاص، ولا أقول الممثلين، احتراما للشرفاء والمحترفين والمتواضعين، هم نرجسيون يدعون ما لا يعرفون، وينصبون أنفسهم فقهاء في كل مجال، كما أضيف أيضا، أنه يلزم الفنان، وأسطر هنا على كلمة فنان أن يتقمص أي شخصية، ويؤدي أي دور يعرض عليه، لأن تنويع الشخصيات والأدوار إثبات الموهبة والجدارة.

هناك من يعتبر الفنان الذي يشتغل لمجموعة من الأنشطة الفنية ظاهرة صحية للفن، كيف تفسر ذلك؟
من بين الأمور التي تجعل هذا الفن يكون مبتذلا وعائما ومتقهقرا، بعض الممثلين ـ سامحهم الله ـ الذين يقحمون أنوفهم في كل شيء إذ تجدهم في شتى المجالات الفنية ينصبون أنفسهم قسرا أقطاب هذه الفنون، هذه الأخيرة التي يحتاج مرتاديها إلى الدرس والتكوين والتحصيل، كشم لحرايفاد ـ صنايعاد ـ سيفادنسن نغد إيفادن إيفادن إيمدوكالسن، لحصول كشيمن، إذ تجدهم أينما وليت وجهك، يقولون لك نحن هنا: ممثلين في الأفلام ومنشطين للسهرات وبهلوانيين و… سبع صنايع أولفن ضايع…


الجري وراء الهدف المادي، طمس للطاقات والإبداع، كيف تعللون ذلك؟

بالنسبة إلي، فإنني لا أناقش الأجرة التي تقدم إلي مقابل مشاركتي في الأدوار التي أؤديها، أولا لأنني لا أعيرها أي اهتمام، وثانيا أن اهتمامي ينصب حول موضوع الفيلم ودوري فيه لسبب بسيط، كوني مؤمن بالرسالة التي أقدمها من خلال هذه الأدوار، وكذا تشجيعا من جانبي للتراث الأمازيغي واللغة الأمازيغية، لذا فالأجرة في نظري ثانوية، خاصة أنني في بداية المشوار ومرحلة التعلم، بل يجب علي أن أؤدي مقابل كل مشاركة مبلغا رمزيا.


البعض يرى أن العلاقات الشخصية هي المعيار في إسناد الدور، بماذا تفسر ذلك؟

يعتبر هذا جحافا في حق الفن والفنان، وتواكل من جانب المنتجين والمخرجين، الذين يكتفون بالجاهز من الممثلين الذين يمكن أن يدروا عليهم أرباحا، وهذا في نظري قتل للخلق والإبداع وتهميش للطاقات الشابة الواعدة، التي لو أتيحت لها الفرصة لصنعت المحال والمستحيل، على أي فأولئك ذاك شأنهم، فكل شاة برجلها معلقة، فأنا أعمل بالفن كهاوي ـ وأقول هذا بكل تواضع ـ فحالتي الاجتماعية ميسورة والحمد لله، ولست في حاجة إلى التملك والنفاق للحصول على أدوار.


هناك من يضع شروطا لقبول الدور أو رفضه، هل يحدث هذا معك؟

أقبل أي دور يسنده إلي المخرج، ولا أربط قبولي لأي دور أعجبني بعدد المشاهد، أو أن هذا الدور أقل مساحة من أدوار أخرى، أو هذا الدور أكبر أو أصغر من أدوار أخرى، لأنني أنظر إلى جميع الأدوار من زاوية أن بعضها يكمل البعض الآخر، لأنه في النهاية عمل متكامل، ولا يمكن الحديث عن تجزيئه، أو أن يقول هذا الممثل أنا أحسن وأفضل من ذاك، أو أن هذا العمل الفني نجح بفضل مشاركتي فيه، لسبب بسيط ألا وهو أن جميع الأدوار لها تأثير في العمل الفني، والتنافس أو الأداء الذي يمكن أن يكون بين الممثلين، من الواجب والضروري أن يكون تنافسا شريفا يكون لصالح الفن ويخدم العمل الفني في شموليته.


ألا تعتقد أن أداءك في فيلم “تامغرا إينافالن” شابه بعض نقاط الضعف؟

هذا ليس عيبا، والكمال لله، فمن الأخطاء والملاحظات والتوجيهات والانتقادات البناءة يتعلم الإنسان، أكثر من هذا على الممثل أن يسعى بعد كل عمل إلى تقبل النقد بصدر رحب، وإلى معرفة الأخطاء التي ارتكبها كي يتفادها لاحقا، ثم يجب أن لا ننسى أنني مازلت في بداية الطريق، وأمامي الكثير الذي سأتعلمه والخبرات التي سأكتسبها…

كيف تتعامل مع الدور الذي يسند إليك؟
العمل الذي أقوم به أما مقتنع به، وكل دور سأشخصه أكون عاشقا له قبل تنفيذه، وعندما أشرع في إنجازه أشعر بمتعة جامحة تمتلكني وبحب جارف يغمرني، أتحدى به الدور الذي أنجزه.

شخصية أمغار في فيلم “روا أزلماض” بصمتها بطابعك، ما سر ذلك؟
الفضل أولا يعود للمخرج سعيد باحوس الذي وثق في قدراتي ومنحني الدور، أي دور أمغار في فيلم “روا أزلماض” وثانيا أنني قبلت هذا الدور وكنت جريئا في اتخاذ القرار، والعمل كله جرأة، وأعتقد أن المشاهد في حاجة إلى هذه الجرأة كذلك، وثالثا أن الدور أغراني بشكل كبير، وهذا في نظري ما يجب على الممثل أو الفنان السعي إلى تقديمه من خلال أدوار بعيدة عن صورته تماما، ولا يعني هذا ازدواجية في شخصية الممثل أو انفصام فيها، وإنما يعني أنه على الممثل أن يجرب ويختبر أدوارا متنوعة، ذات مساحات صغيرة أو كبيرة فاسحا المجال لتفجير وإبراز طاقاته…

هل أنت الذي اخترت الدور أم الدور هو الذي اختارك؟
خلال قراءتي الأولى للسيناريو أو بالأحرى لما طلب مني تمثيل هذا الدور ـ أي دور أمغار ـ شعرت في الوهلة الأولى بخوف شديد ومضاعف، ولكن هذا الخوف تم تجاوزه لما أعدت قراءة السيناريو بكامله مرات عديدة، وأيضا لما وجدته في أسرتي ـ زوجتي وابناي بدر الدين وريان ـ من سند وتشجيع، طبعا دون أن أنسى دور المخرج الأستاذ سعيد باحوس الذي يرجع له الفضل الكبير في اختيار لي من أجل تمثيل هذا الدور، بحيث شعرت بأنني أعرف جيدا هذه الشخصية مما جعلني أتخطى هذا الخوف أو هذا الشعور الممزوج بالمفاجأة، أو شيء من هذا القبيل، إذ ذاك شعرت بالارتياح، وخاصة لما بدأنا التصوير، وبدأت الصداقات تنسج بين جميع الممثلين والتقنيين، وتمنى الجميع ألا ينتهي تصوير الفيلم.

ماذا عن دورك في الفيلم الذي يعالج الهجرة السرية “أمودوا نفرنسا” هل سيكون استكمالا لما قدمته في الأفلام السابقة؟
لا… دوري مختلف تماما، وسوف يكون مفاجأة للمشاهد الكريم، وأرجو وأتمنى أن يتعاطف الجمهور الكريم مع الشخصية التي أؤديها في فيلم “أمودون فرنسا” والذي بالمناسبة يعالج الهجرة السرية وفق مقاربات جديدة على الفيلم الأمازيغي.

أسئلة تنتظرها ولم نوجهها إليك؟
أما قبل، تحية للمشرفين على هذا المنبر الإعلامي الجاد والجدي، في استقصاء الخبر ونقل المعلومة من قلب الحدث لحظة بلحظة، وكشف المستور من المتشابه والمتشاكل، وتنوير الرأي العام بالثابت والمتحرك من صناع الأحداث.
أما بعد، أسئلة كثيرة تؤرقني وتغظ مضجعي كمهتم هاوي وليس كمتفرغ متخصص بهذا الفن الجميل ـ الفن السابع ـ الأمازيغي على الخصوص، سأجملها على شكل نقاط، أرى أن الإجابة عنها ـ الإجابة المتعمقة التي تحمل وتستند إلى رؤية ترصد الظاهرة وتبحثها وتفككها وتحللها وتخلخلها وتركبها، وفق تصور يسعى إلى الرقي بهذا الفن الأمازيغي إلى المهنية والاحترافية والعالمية، والإجابة عن الأسئلة أدناه، يعني أننا بدأنا مرحلة التأسيس والتنظير والتطبيق الفعلي المرتكز على أسس ثابتة:
1)    ما هو واقع السينما الأمازيغية؟
2)    ما هو عدد الملتقيات والمهرجانات السينمائية الأمازيغية؟
3)    ما هو عدد الندوات والورشات السينمائية الأمازيغية المتخصصة والتي تناقش واقع السينما الأمازيغية؟
4)    ما هو عدد الأسابيع السينمائية الأمازيغية التي عقدت من أجل التعريف والنهوض بالسينما الأمازيغية؟
5)    ما هو عدد المقالات والكتب المتخصصة التي كتبت وألفت ونشرت حول السينما الأمازيغية؟
6)    ما هو أسلوب التصوير والإخراج الذي اعتمده المخرج أو المصور، وإلى أي مدرسة ينتمي إليها هذا الأسلوب؟
7)    هل هناك نوادي سينمائية أمازيغية، حتى يحق لنا الحديث عن هذه السينما؟
8)    هل هناك استثمار يمول السينمائيين أو المهتمين بالشأن السينمائي الأمازيغي ويدعمهم؟
9)    هل هناك وجود فعلي لإنتاج سينمائي بالمعنى المعروف لدى الدول التي لها السيق في هذا المجال ـ الفن السابع ـ؟
هذه مجموعة من الأسئلة وغيرها كثير، أعتبرها معيقات وإكراهات وتحديات، لا مجال لجهلها أو تجاهلها إن شئنا النهوض بهذا الفن في شموليته.

كلمة أخيرة لعموم القراء؟
أولا أحيي الجمهور الكريم، وأبارك له هذا الشهر المبارك الفضيل، شهر التوبة والغفران، شهر رمضان الكريم راجين من الله عز وجل أن يعظم فيه الأجر ويقوي فيه الإيمان ويدخله على الجميع بالخير واليمن والسعادة.
عود على بدء، أريد أن أقول لعموم القراء والغيورين على الفن الأمازيغي أنه يلزم عليهم أن يعرفوا بأن ميدان السينما الأمازيغية لا يدر على ممتهنيه ما يسدون به رمقهم فما بال عيشهم ولكن الذي يدفعنا للاستمرار في هذا المجال هو حبنا له وغيرتنا عليه لأننا منه وهو منا والتضحية نعتبرها التزاما منا للحفاظ على استمرارية هذا الفن الذي يعتبر من مكونات هويتنا التي كان لصاحب الجلالة الملك محمد السادس السبق في تثبيت أسس تفعيلها بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وليس لنا من جانبنا كجمعية سيدي حمو الطالب للثقافات والفنون وشركة تيزنيت فيزيون للسينما الأمازيغية سوى التعبير عن امتناننا للسدة العالية بالله صاحب المهابة والجلالة على هذه القرارات التاريخية مغتنمين هذه الفرصة لتقديم الشكر والتهاني لأمير المؤمنين بمناسبة الشهر الفضيل شهر رمضان الكريم.

الحوار مع الحسن بوفتاس ممثل سينمائي من تيزنيت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق