السيدا والمقاولة : أية علاقة؟

مصطفى باحدة

انتبهوا من فضلكم! سنعلن الشارة والشعار، فاليوم يوم عيد، “مبارك عواشركم”، يوم عالمي لمحاربة السيدا.  سَنَتُنا بيضاء، من يَنَارِها على دجنبرها، أعياد في أعياد، عواشر في عواشر، وفي كل مناسبة أنت أيها الغبي المحتفى به كالأبله وسط المجانين، أنت وحدك تتوسط دائرة الضوء، تحمل الشارة وتحفظ الشعار وتردده كببغاء أجرب في قفص بحديقة حيوان مهجورة.

خذ وخذي هذا العازل الطبي، إنه مستورد ومن النوع الممتاز، ولاستعمالات متعددة، لاتضيعوا الفرصة فربما لاتتكرر، هذه مناسبتكم لتغرقوا جيوبكم المثقوبة بالعوازل، إنها بالمجان، هيا ! اغتنموها قبل أن تضطروا فيما بعد للجوء لصيدليات بعيدة عن حيكم حتى لايعرفكم أحد، وتهمسوا في أذن بائع الدواء خشية أن يسمعكم الناس، وتطلبوا منه أن يسجل الثمن في مذكرة “الكريدي” .

بمناسبة هذا اليوم السعيد التعيس، سنأخذ عينات من دمكم الراكد، ونعرضها أمام شاشات العالم لأنكم أصبحتم من طينة البشر والفحوصات ستجرى لكم بالمجان ونتائجها سر بيننا وبينكم، فلا تنزعجوا من نتائجها، نحن نراهن على اصاباتكم المتزايدة فهي السبيل إلى قلب فريدريك وجورج وأدولف ومونيكا، لتَحِنَّ قلوبهم الوديعة وتسخو صناديقهم بملايين الدولارات.

يوم واحد في السنة لا يكفي، فوراءه تختفي ملايين المومسات بل وحتى القاصرات الثيبات والأبكار، وتختفي وراءه جمعيات السهول والجبال والأنهار والجمعيات ذات النفع والتي تتلقى الدعم من هنا وهناك، ومئات من مصانع الأدوية.

نحن لانريدكم شرفاء ولا عفيفات، افتحوا عليكم أبواب جحيم القبل، حَيَّ على الفساد، خذوا حريتكم وحريتكن، لاتكترثوا بأي شيء، تناكحوا، تناسلوا، نريد أن نعَمِّر دورا لِلُّقطاء، نريد سياحتنا أكثر ازدهارا وأكثر تنافسية، نريدها منتعشة على مدار السنة، استراتيجيتنا بلوغ عدد كبير من السياح، لايهم الكيف، المهم أن نرفع التحدي، بأي ثمن :بأطفالنا بنسائنا ببناتنا، وحتى بذكورنا لأنه انقرض الرجال، احرصوا فقط على استعمال هذا العازل المطاطي العجيب.

قالوا أن الداء حصد أرواح 35 مليون شخص منذ ظهوره أول مرة، لكن هذا قدرنا وهذه مشيئة الله، ولاسبيل إلا الاستسلام والانقياد لها، ونحن من جهتنا، ورضى بما قسم الله، سنخصص أراض لدفن جثامين هؤلاء الموتى الذين ماتوا مرتين.

يتحدث الجميع عن أكادير ومراكش وتصدرهما حالات الاصابة بأعداد كبيرة، لدينا الحل، سنغرق هذه المدن بالعوازل الطبية، وسنشرح لكم بالواضح كيفيات استعمالها وبكل اللغات، فالقطع مع الداء صعب ومكَلِّف، ولانريد خوض مغامرة قد تنال من صورة انفتاحنا وتسامحنا.

لانريد أخلاقا، لقد وطناها في كتب التاريخ والتربية وقصص العظماء، لانرضى بالقيم إلا تلك التي ترضي فريدريك وجورج وأدولف ومونيكا، وهم لا يرضون إلا بطريقة واحدة : استعمالكم العازل الطبي.

ليس المهم أن نربح حروبنا العديدة ضد الجهل والأمية وضد الرشوة وضد حوادث السير وضد السيدا…المهم أن نكون تلاميذا نجباء في تصنيفهم لنا، فمراتبنا المتأخرة كابوس يؤرق جفوننا ويهدد بضياع أموال ترصد لنا.

طبتم أيها البسطاء، وطاب مقامكم وكل عام والمسترزقون بالسيدا بألف ألف خير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق