عبد الحق المريني.. قصة صعود هادئ إلى دار المخزن

البحث عن تفاصيل حياة المريني صعب. التفاصيل تختفي بين ثنايا ملامح وجهه الذي يختزل كل ما تكتنفه دار المخزن من سمات الجدية والحزم والمحافظة. التفاصيل تتيه أكثر بين جذاذات التاريخ وتحقيقات الأعلام وعلوم الأنساب.
اسمه عبد الحق المريني. الاسم ذاته يحمله أول شيوخ بني مرين، عبد الحق الأول، وأول واضع لأسس الدولة المرينية، أبو يحيى عبد الحق المريني، وآخر الحكام المرينيين، أبو محمد عبد الحق المريني.
عبد الحق المريني اسم شائع، إذن، في قائمة حكام الدولة المرينية، الذين تختلط دماء أمازيغية وزناتية وفاسية داخل عروقهم. هذا الاسم ذاته ما زال يتردد داخل أبهاء قصور سلاطين المغرب وحجرات دار المخزن. حامله هذه المرة رجل تتقاطع في سيرته أسرار مخزنية وتفاصيل الطقوس المرعية ومكنونات التاريخ وهوامش من شعر وأدب. عند اسم عبد الحق المريني تلتقي أيضا مفارقات أخرى، كيف ذلك؟
عبد الحق المريني مزداد بالعاصمة الإدارية الرباط، سنة 1934، السنة التي أصبح فيها الاحتفال بأسمى الطقوس المخزنية، عيد العرش، أمرا رسميا.
للسنوات، كما يبدو، رمزيتها، كما للفضاءات والأماكن التي ارتادها المريني قبل أن يدخل القصر من بابه العريض المرصع بالذهب والفضة. أول هذه الأماكن ثانوية مولاي يوسف، المحاذية للقصر العامر بالرباط. هنا، في هذه الثانوية التي كان يرتادها، آنذاك، علية القوم وأبناء دار المخزن وأولاد «اتواركة»، «حومة سيدنا»، تلقى المريني تعليمه الثانوي.
منذ البداية ارتضى المريني لنفسه مسارا جامعيا ذا نفحة تقليدية، فبعد حصوله، سنة 1960، على دبلوم معهد الدراسات العليا المغربية، حاز على إجازة في الآداب من كلية الآداب بالرباط سنة 1962. رحلة الآداب والدراسات التقليدية الملمس قادته سنة 1966 للحصول على دبلوم الدراسات العليا من معهد الدراسات العربية والإسلامية العليا بجامعة ستراسبورغ الفرنسية.
خلال هذه الحقبة، أي الستينيات، كان المغرب يغلي داخل تنور قائظ. المخزن كان حينها في أوج سطوته، والقصر كان مشغولا بصراعات قاسية لإخراس الأصوات المعارضة، معنى وحقيقة وسياسة وفعلا. لم يبد أن عبد الحق المريني انشغل بهذه الأحداث من موقع المشاركة فقد كان مسار الرجل واضحا ومحسوما منذ البدء.
ما بين 1960 و1965، كان عبد الحق المريني يلقن جيلا جديدا العربية، اللغة الرسمية للمغرب، فضلا عن التربية الوطنية، إذ عمل أستاذا لمادة اللغة العربية بثانوية ابن ياسين بالمحمدية وثانوية الحسن الثاني بالرباط قبل أن ينتقل إلى المعهد الملكي للشبيبة والرياضة مدرسا مادة التربية الوطنية.
خلال هذه الفترة، وكما ذكرنا، كان المريني يتابع دراساته العليا إلى أن حصل، سنة 1973، على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة محمد بن عبد الله بفاس سنة 1989. موضوع أطروحة الدكتوراه لم يحد عن أمور المخزن وتاريخه، فقد كان عنوانها «شعر الجهاد في الأدب المغربي». والمشرف على دكتوراه المريني لم يكن سوى العلم عباس الجراري.
بتؤدة وصمت ودون جلبة، دخل المريني رحاب القصر قادما إليه من رئاسة ديوان نائب كاتب الدولة في التعليم التقني وتكوين الأطر، وهو المنصب الذي شغله ما بين 1964 و1965. هكذا عين المريني سنة 1965 ملحقا بمديرية التشريفات والأوسمة، وهو المنصب الذي قضى فيه سبع سنوات، حتى عام 1972.
سبع سنوات بقلب دار المخزن كانت كافية لتشبع وليد سنة أول عيد عرش بالمغرب ومدرس الآداب والتربية الوطنية بالآداب السلطانية والقواعد البروتوكولية، ليبدأ مسارا متدرجا نحو الدائرة الصغيرة المحيطة بالملك. المسار بدأ سنة 1972 بتعيين المريني مكلفا بمهمة بوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، حتى عام 1998، حيث عين، وبعد 33 سنة من العمل في التشريفات والأوسمة، مديرا للتشريفات الملكية والأوسمة.
هذا الصعود، رغم بطئه النسبي، مرده صبر المريني وألفه لحياة المخزن إلى درجة أصبحت التفاصيل السلطانية تختلط بالأوكسجين الذي يتنفسه. بدا ذلك من خلال انصراف جل كتاباته التي ألفها ما بين سنتي 1975 و1999 نحو الأدب والتأريخ السلطاني، بدءا بديوان «الحسنيات» المكون من ثلاثة أجزاء، ومرورا بمؤلفات «قال جلالة الملك الحسن الثاني» و»مجموعة الخطب الملكية والرسائل المولوية والأوامر اليومية الموجهة إلى وحدات القوات المسلحة الملكية»، والمستقى من اهتمام المريني القديم بالتاريخ العسكري المغربي، وصولا إلى كتب «جلالة الملك الحسن الثاني الإنسان والملك» و»محمد الخامس دراسات وشهادات».
تشبُع المريني بالروح المخزنية المحضة وولاؤه المطلق للقصر جعل الملك محمد السادس يجدد الثقة فيه من خلال تزكيته في منصب مدير التشريفات الملكية والأوسمة، قبل أن يعينه سنة 2010 مؤرخا للمملكة ثم ناطقا رسميا باسم القصر أول أمس الاثنين.

خالد الجامعي : كنت أتمنى أن يتم تعيين ناطق باسم الملك وليس باسم القصر
حاوره – سليمان الريسوني
كيف تلقيت خبر تعيين عبد الحق المريني ناطقا رسميا باسم القصر الملكي؟
تعيين المريني ناطقا باسم القصر الملكي يؤكد نوعا من العودة إلى جيل الحسن الثاني القديم، بعدما تم تعيين أصدقاء دراسة الملك محمد السادس في مهام أخرى. المريني معروف بأسلوبه القديم في التعاطي مع الصحافة، ولنستحضر كيف سبق أن هاجم جريدة أسبوعية متوقفة عن الصدور، عندما كان مديرا للتشريفات الملكية والأوسمة، حيث راسل الجريدة ليقول إن إدارته هي المخول لها نشر الصور والتفاصيل التي تبدو لها مناسبة عن الحياة داخل القصور المل
كية، وهذا أسلوب رجل الدول الأوتوقراطية التقليدانية التي تعتبر أن كل مكونات المجتمع تعمل تحت إمرتها ورعايتها.
ألا ترى أن الاضطلاع بشؤون القصر الملكي يحتاج إلى رجل مثل عبد الحق المريني صاحب ثقافة ورصانة؟
الإتيان بعبد الحق المريني لهذه المهمة هو فقط لاستكمال حكومة الظل، بعد تعيين كل أصدقاء الملك، ظاهريا، كمستشارين، بينما هم في الحقيقة وزراء للداخلية والخارجية والاقتصاد. وبعدما تم إبعاد حسن أوريد من مهمة الناطق باسم القصر، كان لا بد من البحث عن وزير إعلام في حكومة الظل هاته، وفي هذا السياق جيء بعبد الحق المريني. هل تظن أن السياسة الملكية سيسمح لمصطفى الخلفي بالحديث عنها؟
أليست إعادة تفعيل مؤسسة الناطق الرسمي باسم القصر تفعيلا محمودا لآلية التواصل التي طالما طالب بها الصحافيون؟
هل تعيين شخص له سوابق مع الصحافة هو النموذج في التواصل مع الصحافيين؟ أليس تعيين المريني تنبيه للصحافيين إلى أن من يقترب من خطوط المريني الحمراء ستتم مهاجمته.
منصب الناطق الرسمي باسم القصر الملكي لا معنى له، بل كنت أتمنى أن يتم تعيين ناطق رسمي باسم الملك وليس باسم القصر. المهام المعلنة، الموكولة إلى عبد الحق المريني يمكن للتشريفات والأوسمة أن تقوم بها، من قبيل تتبع التحركات الملكية وأنشطة ولي العهد، وإعلان ولادة أو وفاة أحد أفراد العائلة الملكية… أي مهام ستبقى للمريني، إذا ما استثنينا أنه سيصبح وزير الإعلام في حكومة الظل؟

صحفي ومحلل سياسي

نشر في المساء يوم 31 – 10 – 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق